إذا كانت الروايات الرسمية المصرح بها بخصوص ملف الحرقة الذي أصبح يشكل معادلة الحياة اليومية للمواطنين يتم في الغالب انطلاقا من الولاياتالغربية أوالبعض من الشرقية مثيلاتها بالسير اتجاه المجهول لما وراء البحار بحثا عما يراه الكثيرين حلما يستوجب التحقيق وآخرون محاولة انتحار مع سبق الإصرار والترصد فإن المخالف أن يتحول من المدن الساحلية للمناطق الداخلية ولكن ليس انطلاقا من الشواطئ الجزائرية بل من مجهول نحو مجهول ناهيك عما ينتظر الجميع دون استثناء من فصول مختلفة من شتى المعاناة من المبيت في العراء وافتراش الكارتون أو سلوكيات السلب والنهب لضمان القوت اليومي. بات حديث الساعة ببلدية شلغوم العيد في ولاية ميلة هو الشاب "جغمون محمد" البالغ من العمر 22 سنة والذي أبلغت عائلته من طرف السلطات المحلية في الفاتح من أبريل بوفاته بدولة اليونان مما ترك حالة من الفزع وفي محاولة منها لرصد الأجواء الأسرية داخل عائلة الفقيد الذي وري جثمانه التراب بداية هذا الأسبوع بمقبرة البلدية في الموكب الجنائزي الذي أبكى الجميع "النهار" تنقلت لبيت الضحية الواقع بشارع بونعاس أحمد وللتعرف أكثر على الضحية قال والده عمي "علي" الذي يفوق سنه ستين سنة أن ابنه أنهى الدراسة بمستوى التاسعة أساسي قبل أن يلتحق بمركز التكوين المهني حيث تحصل منه على دبلوم اختصاص ميكانيكا وبقي بدون عمل قبل أن يلتحق لأداء واجب الخدمة الوطنية الذي أنهاه منذ أكثر من شهرين حاول بعدها إيجاد عمل لكن دون جدوى وباشر بعدها اعمالا حرة كفتح محل تجاري, عمي "علي" قال في حديثه معنا وعلامات الحزن بادية عليه والدموع لا تتوقف عن النزول أن العائلة تتكون من ستة أفراد قبل وفاة محمد جميعهم بدون عمل الأخ الأكبر للضحية البالغ من العمر 29 سنة يعاني البطالة وبدون سكن والزوجة قررت مغادرة المنزل باتجاه أهلها بل واضطرا في بداية الزواج تأجيل الإنجاب لغاية الحصول على سكن واشتغل ببناء مركز بيت الشباب بشلغوم العيد أين تعرض لحادث عمل تسبب له في بتر إصبعه و لا يزال ينتظر حقوقه من قبل صندوق الضمان الاجتماعي بعدما تخلى عنه رب العمل وأضاف عمي علي الذي يشكو إعاقة بنسبة 90 بالمائة أنه شخصيا ضحية الاستعمار الفرنسي وبقي قاصرا ومعوقا لا تتعدى المنحة التي يتلقاها شهريا 7 آلاف دينار رغم العديد من المراسلات التي وجهها للجهات المعنية على حد قوله رغم أن الجزء الأكبر من يده اليسرى مبتورا وإصبعين من اليد اليمنى وكذا عينه اليسرى مفقوءة تماما وبخصوص ابنه المتوفى محمد أكد عمي علي أن السبب الوحيد الذي جعله يغادر المنزل البحث عن القوت بتونس قبل أن يتصل بهم من تركيا مرة واحدة وانقطعت بعدها أخباره تماما . خرج ماشيا فعاد بصندوق خشبي لم تنتظر العائلة طويلا قبل أن تتصل بها مصالح البلدية في الفاتح من الشهر الحالي تبلغهم بأن الابن قد توفي بدولة اليونان فأهل المدينة جميعا نظرا للمكانة الطيبة والأخلاق الرفيعة التي يمتاز بها الابن محمد والعلاقات الجيدة لجميع العائلة مع الوسط الاجتماعي بهاته المنطقة جعلت الكل يواسيهم أحزانهم ويتألم معهم وخصصت لهم البلدية سيارة إسعاف لنقل الجثة وضمان الإتصال اليومي بالقنصل الجزائري في أثينا. فئة الشباب الطابع الغالب بشلغوم العيد على بقية الفئات تعيش في الأسابيع الأخيرة حركة غير عادية تنذر بوجود أشياء تجري في السر قبل أن تخرج للعلن مباشرة بعد نجاح هؤلاء الشباب في ضمان الوصول لتركيا بالتحديد للحرقة نحو الضفة الأخرى التي يرغبون بالمعيشة فيها فلا فحديث الجميع بالمقاهي والأماكن العمومية ونوادي الأنترنت وخلال المناسبات سواء الأفراح أو الأقراح فقط عن نجاح هذا الشاب أو ذاك في عبور الحدود من أي بلد نحو الضفة الأخرى مهما كان الثمن ولو على حساب النفس التي حرم الله بالحق إلحاق الضرر بها.وكان عودة الشاب جغمون محمد في صندوق خشبي قد تركت انطباعا خاصا في نفوس من تبقى والجميع يدعو بالرحمة.