ما أحوجنا اليوم ونحن في هذا الشهر الفضيل إلى هجران المعاصي والذنوب وكل الأعمال الباطلة التي إتصفنا بها وصرنا نحن المسلمين ننعت بها، فحدنا بذلك عن تعاليم ديننا وإبتعدنا عن شرع ربنا إلى ما ليس فيه خيرنا، ومن رحمة اللّه أن شرع لعباده صيام هذا الشهر الفضيل ليصوموا نهاره ويقوموا ليله، حتى تلين قلوبهم ويعودوا إلى شرع ربهم بهجر السلوكات الهدامة وإلتزام الأخلاق الفاضلة التي يفرضها الصيام الصحيح. ومن أنواع الهجرة هجر المعاصي من الكفر والشرك والنفاق وسائر الأعمال السيئة والخصال الذميمة والأخلاق الوخيمة، قال تعالى لنبيه: "وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ" والرجز هم الأصنام، وهجرتها، تركها والبراءة منها ومن أهلها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى اللّه عنه"، أي ترك ما نهى اللّه عنه من الأعمال والأخلاق والأقوال والمأكل والمشارب المحرمة والنظر المحرم والسماع، كل هذه الأمور يجب هجرها والإبتعاد عنها. ومن أنواع الهجرة هجر العصاة من الكفار والمشركين والمنافقين والفساق وذلك بالإبتعاد عنهم، وقال تعالى: "وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ"، أي إصبر على ما يقوله من كَذََّّبك من سفهاء قومك، "وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلا" حيث يأمر اللّه عز وجل نبيه في هذه الآية بترك مجالس الكفار تركا لا عتاب معه. ومن أعظم أنواع الهجرة هجرة القلوب إلى اللّه تعالى بإخلاص العبادة له في السر والعلانية، حتى لا يقصد المؤمن بقوله وعمله إلا وجه اللّه، ولا يحب إلا اللّه ومن يحبه اللّه، وكذلك الهجرة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بإتباعه وتقديم طاعته والعمل بما جاء به. وهذه الأنواع من الهجرة هي هجرة إلى الكتاب والسنة من الشركيات والبدع والخرافات والمقالات والمذاهب المخالفة لما نص عليه الكتاب والسنة، وهي هجر أمكنة الكفر، والأشخاص الضالين، وهجر الأعمال والأقوال الباطلة وكذا هجر المذاهب والأقوال والآراء المخالفة لما جاء به الإسلام. وليس خير من العمل بهذه الأنواع من الهجرات في هذا الشهر المبارك، بترك المعاصي ومحاربة الباطل بالإبتعاد عنه وعن أهله، والخروج من الحديث على تاريخ الهجرة على أنها يوم نحتفل به عند نهاية السنة ونحتفل به، ثم ننسى كل ذلك فكثيرا ممن يتحدثون عن الهجرة لا يفقهون معناها ولا يعلمون بمقتضاها، بل يخالفونها في سلوكهم وأعمالهم، فهم يتحدثون عن هجرة الرسول صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه وتركهم أوطان الكفر إلى وطن الإيمان، إلا أنهم مقيمون في بلاد الكفر أو يسافرون إليه لقضاء الإجازة أو للنزهة أو لقضاء شهر العسل كما يسمونه بعد الزواج، زيادة على الغرق في المعاصي والأعمال التي لا تمد بصلة إلى الدين الإسلامي. ويتحدث كثيرون عن الهجرة وهم لا يهجرون عبادة القبور والأضرحة، بل يعبدونها من دون اللّه كما تعبد الأصنام أو أشد، ويتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون المذاهب الباطلة والآراء المضلة وإنما يجعلونها مكان الشريعة الإسلامية، كما يحتفلون بيوم الهجرة وهم لا يهجرون المعاصي والأخلاق الرذيلة، كما لا يهجرون عادات الكفار وتقاليدهم بل يتشبهون بهم ويصرون على إتباعهم في كل منكراتهم، فأين هي معاني الهجرة وأنواعها من تصرفات المسلمين اليوم. فاتقوا اللّه عباد اللّه، وإقتبسوا من الهجرة وغيرها من أحداث السيرة النبوية دروساً تنهجونها في حياتكم، ولا خير من أيامنا هذه للعمل بمفهوم الهجرة الحقيقي، ذلك أن رمضان يساعد العبد على الإقلاع عن المعاصي وكل ما هو باطل لما تنزّل فيه من الرحمات وتغلّق فيه أبواب النار وتصفد الشياطين، ولا يكن تحدثكم عن الهجرة مجرد أقوال على الألسنة أو حبرا على الأوراق. قال تعالى: "وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيم" الأنفال. مقالة للشيخ صالح بن فوزان الفوزان