قد يكون اسم برنارد هنري ليفي أو ''بي أش أل'' مثلما هو معروف لدى الفرنسيين، مقترنا بالنسبة لأصحاب الذاكرة الضعيفة بما حدث في ليبيا من خلال زياراته ولقاءاته المتكررة مع مسؤولي المجلس الانتقالي الليبي قبيل الإطاحة بنظام القذافي. لكن بالنسبة لمن يمتلكون ذاكرة لا تمحوها السنوات، فإن ليفي هو صاحب مقولة إن الأطفال الفلسطينيين الذي سقطوا قتلى برصاص الجيش الإسرائيلي هم ''ضحايا لا بد منهم''. ولأن مسؤولي صحيفة ''الوطن'' التي هاجمت ''النهار'' أمس، فعلت ذلك دفاعا عن هنري ليفي، فإنهم أرادوا التغطية على فعلتهم باستضافة سفير فلسطينبالجزائر، وكأن تلك المبادرة بإمكانها أن تمحي من أذهان الجزائريين صور أشلاء أطفال غزة مقطعة متناثرة في كل مكان وموقع، خلال فترة العدوان على القطاع. ما لا يمكن ل''الوطن'' أن تمحيه، هو أن ليفي الذي نجح في دوره المشبوه بليبيا، ونقل رسائل الطمأنة والوعد بالاعتراف بإسرائيل من قادة المجلس الانتقالي نحو تل أبيب، حاول تكرار فعلته بالجزائر ثم سوريا، عندما حاول رعاية مؤتمر للمعارضة السورية في العاصمة الفرنسية باريس، ثم عندما قام بزيارته للجزائر نقل بذور الفتنة إلى نطاق أوسع. وتكفي كبسة زر لاكتشاف ما تحتفظ به ذاكرة مواقع الأنترنت لمعرفة مواقف ليفي من القضية الفلسطينية ودفاعه المستميت عن إسرائيل وعن الصهاينة، فهو المحامي الأول عن دولة الكيان الصهيوني، بدليل أنه صاحب مقولة ''إسرائيل دولة ديمقراطية طاهرة اليد''. للجزائريين نقول، إن برنارد هنري ليفي الذي تدافع عنه ''الوطن'' اليوم، نشط قبل أسابيع ندوة في تل أبيب قال خلالها إنه ''تأكد أن جيش إسرائيل يعمل في معاركه على التأكد من عدم إصابة المدنيين عندما يقوم بقصف الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين''. ولمن أعمت الأموال بالعملة الصعبة قلوبهم وضمائرهم، أيضا نقول وسنظل نردد، إن برنارد هنري ليفي زار الأراضي الفلسطينيةالمحتلة بعد مجزرة مخيم على ظهر دبابة إسرائيلية، ونشرت الصحافة العالمية آنذاك صوره وتعليقاته التي جاء فيها إن ''الجيش الإسرائيلي هو الأكثر إنسانية في التاريخ الحديث''. ON NE TIRE PAS SUR LES AMBULANCES! لم نجد أحسن من هذه العبارة، لمخاطبة صاحب فكرة التهجم على ''النهار'' عبر صفحات جريدة ''الوطن'' التي عهدناها متريثة وموزونة في كتاباتها، صاحبة قدرة على التفريق بين الخطأ والصواب في كبريات القضايا.. ربما لأن هذا المثل الفرنسي الشائع بمقدوره أن يساهم في استفاقة الغافلين والمغفلين، خصوصا وأنه جاء مكتوبا باللغة التي يفهمها من يهمه الأمر، وليس باللغة العربية، تيسيرا عليه ولتجنيبه عناء الترجمة. وإذ نشدد على أن رسالتنا هذه موجهة فقط لمن يهمهم الأمر، وليس سائر الزملاء في ''الوطن''، ليقيننا من أن السواد الأعظم منهم لا يشاطر هيئة التحرير مواقفها المفضوحة عندما يتعلق الأمر بالقضايا الوطنية، فإننا نؤكد على أن ما يهمنا في هذا الرد، ليس أن نكيل عبارات الشتم والقدح في حق من أمر بالتهجم على ''النهار''. بل يهمنا أن نوضح أننا لم نذكر اسم ''الوطن'' في أي من مقالاتنا، وكان ''ذنبنا'' الوحيد الذي هوجمنا بسببه أننا انتقدنا الصهيوني برنارد هنري ليفي وشككنا في أسباب زيارته للجزائر، وقلنا بصريح العبارة أن هناك رغبة منه لنقل بذور الفوضى من ليبيا نحو الجزائر. اليوم، لن نخفي الحقيقة، وسنعترف بأننا أخطأنا.. أخطأنا التقدير عندما توقعنا أن يكون الرد على انتقادنا مواقف الصهيوني برنارد هنري ليفي تجاه ما يجري في الدول العربية، وبالأخص القضية الفلسطينية، عبر أبواق إعلامية متصهينة من فرنسا، لكن الذي حدث هو أن الرد جاءنا من جريدة بالجزائر، حتى لا نقول صحيفة وطنية أو جريدة جزائرية! ما نشرته ''الوطن''، أمس، عندما كتبت في صدر صفحتها الأولى مقالا عنوانه بالبنط العريض، ''العمل القذر للنهار''، حاول تصوير ''النهار'' وكأنها جريدة تسعى للنيل من زميلتها ''الوطن''. وكاد الأمر أن يكون قابلا للتصديق لو أن كلتا الجريدتان تصدران بنفس اللغة، مما يعني أنهما خصمان في سوق المنافسة، أو لو أن ''الوطن'' هي بمثابة المنافس الأول ل''النهار''. لكن الحقيقة التي أغفلها مسؤولو ''الوطن''، أو تناسوها، هي أن إحصائيات مؤسسة ''أو. جي. دي'' كشفت بالأرقام من هي الجرائد التي تتربع على هرم السوق الإعلامية بالجزائر وذات التأثير الكبير، مما يعني أننا في ''النهار'' نستحي من مجرد التفكير في الخوض في جدال عقيم مع جريدة لم تقدر حتى على الحفاظ على مركزها في 3 ولايات. وبالمختصر المفيد، نقول لمن كلف نفسه عناء الرد على انتقادنا للصهيوني ليفي، أن ''النهار'' لا تطلق الرصاص على سيارات الإسعاف، لأن هذه الأخيرة لا تحمل على متنها سوى المرضى أو المصابين الميؤوس منهم، والذين ندعو لهم بالشفاء والتعافي.