تنذر بتراجع الثقافة البيئية وسط المجتمع فريدة حدادي انتشر بين أفراد المجتمع خلال الآونة الأخيرة، كثير من السلوكات المشينة ضدّ الطبيعة؛ في إساءة لأشجارها، ونباتاتها، وحيواناتها بشكل مثير للقلق، دفع بالكثير من الجمعيات الناشطة في مجال حماية البيئة، إلى التحرّك، وتنظيم حملات تحسيسية للتنبيه إلى أهمية تبنّي التفكير الأخضر، وغرس تلك الثقافة بين الأطفال. إلاّ أن هناك حالات تعدّ على الطبيعة تُسجَّل من قبل كبار السن، خاصة بتقليع الأشجار، وإزالة النباتات، لتحلّ محلها بنايات وإسمنت، ومرافق تأخذ مكان بعض الأشجار المعمّرة. الإساءة للغطاء الأخضر "هو تعدٍّ على الثروة الطبيعية"، هذا ما استهل به رئيس جمعية "المدينة الخضراء" المهتمة بالبيئة فريد خير الدين بن مغسولة، حديثه معنا ، مشيرا إلى أنّ ظاهرة إزالة الأشجار والنباتات من الأوساط الحضرية وشبه الحضرية، في انتشار مخيف، خاصة بعد أن أصبح البعض يتعدى على هذه الثروة دون أن يرفَّ له جفن، وهو ما يوحي بانتشار ثقافة غريبة بينهم؛ لأنّ الأشجار التي يصل عمر بعضها إلى 30 و50 سنة ويتم اقتلاعها في نصف ساعة دون تردّد، "أمر مخيف"، خاصة أنّ بعض الأشجار يبلغ طولها طولَ بنايات من خمسة وستة طوابق، بل يتعدى بعضها ذلك الطول، تحديا لتلك البنايات؛ بحثا عن النور لنموّها. وأشار المتحدث إلى أنّ الكثير من المواطنين يشتكون من اختفاء أشجار من أحيائهم السكنية بين ليلة وضحاها. والمخيف في الأمر، أنّ بعض تلك الأعمال تكون بقرارات موقَّعة من رؤساء البلدية، وعلى مرآهم، دون أن يحرّكوا ساكنا، لتقع تلك الأشجار ضحايا أعمالهم، وتصبح من الماضي في بضع دقائق بعدما زيّنت المكان لأكثر من 30 سنة! وأوضح رئيس "المدينة الخضراء" أنّ بعض ممارسي هذه الأعمال هم " من النفوس المريضة " ؛ فالشجرة مهما كان نوعها ومهما كانت فصيلتها، مثمرة أو لا، لها منافع عديدة، إلاّ أن هؤلاء يتحججون بصحتهم، وأنّ بعض تلك الأشجار تسيء إليهم من خلال ما تبعثره من أوراق، أو ما تنثره من حبوب الطلع وغير ذلك، مؤكدا أن هذا ليس مبرّرا أبدا، خصوصا أنّه لا يجب أبدا مطاوعة، مثلا، 10 أشخاص، والإساءة لمجتمع كامل من سكان الحي. وتابع بن مغسولة أن تلك السلوكات تعكس جهلا كبيرا؛ فلا يمارسها شخص عاقل أبدا، بل يساهم في إعادة غرس الأشجار، وتشجير المناطق التي لا يوجد بها غطاء نباتي؛ قال: "إنّ الجمعية تحاول دائما إدراج الشباب والأطفال في عمليات الغرس. كما تحاول المساهمة في الانتقال من ولاية لأخرى من أجل حملات التشجير، وفقا لمواسمها المحددة؛ لضمان نجاحها، وعدم فشل عملية النمو". وواصل: "الشجرة مباركة. ونحن في حاجة إليها أكثر مما هي في حاجة للإنسان. وسقيها والاهتمام بها سيعود على الإنسان بالخير؛ سواء بالثمار، أو بمساهمة حبوب الطلع في تلقيح بعضها، أو كمزارع لرعي النحل، أو حتى للاستمتاع بظلها". وقال بن مغسولة: " لا بدّ من ضبط تعليمات صارمة لمنع هذا النوع من السلوكات. ولا يحق لأيّ أحد التعدي على تلك الكائنات التي لا يمكنها أن تدافع عن نفسها، لتُقتلع دون أيّ سبب كان! "، موضحا أنّ الجزائر تعاني من التصحّر. وباعتبار أنّ بوطننا واحدة من أكبر الصحاري بالعالم، فإنّ بلوغ تلك الرمال ربوع الوطن، ممكن. ومع غياب غطاء نباتي وأشجار لكبح انتقال تلك الرمال، سوف تبلغ بيوتنا، وتنتقل إلى صدورها؛ ما يسبّب أمراضا أخطر مما قد تسبّبه حساسيات حبوب الطلع. وفي الأخير، أوضح محدّثنا أنّ من الضروري غرس تلك الثقافة في الأطفال حتى وإن كانت بعض السلوكات تأتي من كبار السن، إلاّ أنه لا بدّ من تعليم الجيل الصاعد التفكير الأخضر، وأهمية الحفاظ على الطبيعة التي نعيش فيها؛ من خلال شرح فوائد النباتات والأشجار وكذا الحيوانات، في الحفاظ على التوازن البيئي.