فيما يخص الاعتراف وتعويض ضحايا التجارب النووية الفرنسية، لا يزال قانون 5 جانفي 2010 بعيدا عن تلبية مطالب الضحايا البولينيزيين والفرنسيين ناهيك عن الضحايا الجزائريين. ولهذا الغرض وجهت النائبة «إفيلين ديديي» سؤلا إلى وزير الدفاع وقدماء المحاربين حول الاعتراف بتعويضات ضحايا التجارب النووية الفرنسية ونشر السؤال في الجريدة الرسمية لمجلس الشيوخ الفرنسي بتاريخ 12 / 1 / 2012 جاء فيه: «إن السيدة إفيلين ديديي تلفت انتباه السيد وزير الدفاع وقدماء المحاربين إلى الاعتراف بتعويض ضحايا التجارب النووية والاعتراف بهم. فلقد أصبح القانون 2010-2 المؤرخ في 5 جانفي 2010 مشوها تماما بالطريقة المعتمدة في حساب المخاطر الذي تم وضعه من طرف لجنة التعويض وهي الطريقة التي تأتي لتناقض روح النص القانوني. إن إعادة تحديد مناطق الإسقاطات الإشعاعية وتوسيع قائمة الأمراض هي إجراءات لا تسمحبتعويض عادل لضحايا التجارب الفرنسية، سواء على مستوى الإصابة بالإشعاعات أو تلوث المناطق التي شهدت التجارب وخاصة الجوية منها، وذلك ما دامت لجنة تعويض ضحايا التجارب النووية تعتمد منهج الحساب المنقول عن البرمجية الأمريكية للمعهد الوطني للسلام والصحة المهنية (NIOSH). والواقع أن هذا النوع من الحساب ينطبق على احتمال تعرض مجموعة من السكان لمخاطر في حالة وقوع حادث نووي ولا يمكن تطبيقه على منطقة ملوثة أصلا بالإشعاعات. ولهذا، تتساءل السيدة «إفيلين ديديي» ما إذا كانت الحكومة تنوي الذهاب في اتجاه مطالب جمعية ضحايا التجارب النووية الفرنسية، وذلك بتعديل الأسلوب المتبع من طرف لجنة التعويضات وإنشاء صندوق تعويض مستقل يتمتع بصفة المؤسسة العمومية. رد السيد وزير الدفاع وقدماء المحاربين على هذا السؤال بجواب منشور بجريدة المجلس بتاريخ 22 /30 / 2012 جاء فيه مايلي: «تولي الحكومة لمتابعة الآثار الصحية للتجارب النووية الفرنسية وقد قررت تسهيل إجراءات التعويض للأشخاص المصابين بأمراض ذات علاقة بذلك، والتي نتجت عن التجارب النووية الفرنسية ما بين 1960 و1996 بالصحراء والبولينيزيا الفرنسية وبتاريخ 3 جانفي 2012 تسلمت لجنة التعويضات 673 طلب للتعويض منها 400 صادرة عن أشخاص مرضى و273 من ذوي الحقوق عن أشخاص متوفين. وقد درست 364 ملف كامل. وفي هذا الإطار، أصدر وزير الدفاع وقدماء المحاربين 258 قرار منها 4 قرارات بالموافقة على التعويض. في نفس السياق، اجتمعت اللجنة الاستشارية لمتابعة آثار التجارب النووية والمنصوص عليها في المادة 7 من قانون 5 جانفي 2010 لأول مرة في باريس بتاريخ 20 أكتوبر 2011 برئاسة وزير الدفاع. كما اجتمعت للمرة الثانية بتاريخ 21 فيفري 2012 بهدف دراسة مشروع تطوير مرسوم 11 جوان 2010. بعد المراجعة الدقيقة والعادلة للموضوع تبين أنه من الضروري توسيع المجال الجغرافي لمناطق الجزيرة المرجانية «هاو» وجزيرة «تاهيتي» والتي يشترط الإقامة عليها من طرف صاحب الطلب لكي يستفيد من التعويض، وبالاعتماد على المعطيات العلمية الحديثة جدا وأخذا بعين الاعتبار ملاحظات لجنة التعويض وافقت أشغال اللجنة على توسيع قائمة الأمراض ذات العلاقة التي وردت في ملحق مرسوم 11 جوان 2010. من جهة أخرى، تم تسهيل الإجراءات الإدارية لطالبي التعويض. وأخيرا، تجدر الإشارة إلى أن كل طلبات التعويض بما في ذلك الطلبات التي رفضت من قبل لجنة التعويضات سيتم إعادة دراستها دون تقديم ملفات جديدة، كما سيتم التوقيع على المرسوم الجديد في آجال قريبة وذلك بعد قيام مجلس الدولة بإعطاء رأيه في الموضوع حسب ما جاء في تصريح رئيس الجمهورية أثناء تقديم تهانيه لبولينيزيا الفرنسية. وعليه فإن تأسيس مثل هذا الصندوق (صندوق التعويضات) غير وارد حاليا. ويستنتج مما سبق وطبقا لقانون موران، أنه ومن بين 473 ملف لم يتم تعويض سوى 4 ملفات أي ما يعادل (0.6%) منها الموافقة على تعويض 2 فقط من 264 ملف مدروس عن بولينيزيا. في حين تم رفض كل الملفات التي أرسلت من طرف الضحايا الجزائريين، ويعود ذلك إلى الطريقة التي اعتمدتها اللجنة في دراسة الملفات والتي تستعمل أسلوبا إحصائيا على حالات فردية، ويصبح الأمر أكثر تعقيدا بالنسبة للضحايا الجزائريين بسبب مسألة الأرشيف الذي لا يزال سرا لدى فرنسا، ويتعلق الأمر بوثائق طلبت في ملفات التعويض لا يمكن للسلطات الجزائرية إصدارها ومنها مثلا إثبات التواجد بأماكن التجارب. أمام هذه الوضعية التي وصلت إليها لجنة التعويضات التي اجتمعت لأول مرة في 20 أكتوبر 2011، وجه الرئيس الفرنسي خطابا إلى البولينيزيين بتاريخ 4 فيفري 2012، معلنا تخفيف شروط تطبيق قانون 2012/01/05 وتوسيع المناطق الجغرافية وقائمة الأمراض المعنية بالتعويض كما ورد في مشروع المرسوم الذي صدر في 11/02/، في حين يبقى محيطا رقان وإن إكر، اللذين كانا مسرحا ل57 تجربة وتفجير نووي دون تغيير، وكذلك الفترة الممتدة من 13 فيفري 1960 إلى 31 ديسمبر1967، تاريخ مغادرة الجنود الفرنسيين مواقع التجارب النووية في الصحراء طبقا لاتفاقيات إيفيان، وكأن الآثار الضارة الناجمة عن النشاط الإشعاعي توقفت في 31 ديسمبر 1967؟ للتذكير، تنص اتفاقيات إيفيان على استعمال فرنسا لمدة خمس سنوات، المواقع التي توجد بها منشآت إن إكر ورقان ومجمع كولومب- بشار- حم قير. يؤكد بيان صادر عن جمعية ضحايا بولينيزيا في 13 فيفري 2012 أن الأولوية التي يطالب بها ضحايا بولينيزيا والجزائر تتمثل في إلغاء طريقة دراسة الملفات الذي اعتمدتها اللجنة، والتي تقوم في الواقع بتنظيم ممنهج لرفض كل الملفات وتعويض ذلك بمبدأ افتراض أصل المرض كما هو الحال في التشريع الأمريكي السائد منذ 1988. ومع ذلك، قامت كتابة الدول الأمريكية لشؤون قدماء المحاربين بالاعتراف ب25 مرضا له علاقة بالتعرض للإشعاعات دون تقديم إثبات بذلك، وهذا على أساس مبدأ افتراض أصل المرض. الأكثر من ذلك، فقد تمت الموافقة على 5 أمراض حالة بحالة، كما تم الاعتراف ب5 أمراض أخرى ذات علاقة بالتعرض للإشعاعات طبقا لقواعد الكتيب الصادر في الولاياتالمتحدةالأمريكية في 2006 عن الإدارة المكلفة بصحة قدماء التجارب النووية، ونحصل هكذا في المجموع على 35 مرضا يعتبر ناجما عن الإشعاع. من جهة أخرى، تمت الموافقة على قانون الآثار البيئية للتجارب النووية الفرنسية من طرف الأغلبية الاشتراكية واليسار في المجلس، وسيتم التصويت عليه نهائيا بعد انتخابات ماي- جوان 2012. ويتضمن هذا القانون على الخصوص مسألة إعادة استرجاع موروروا وفونغاتوفا، وهو ما يعني بالنسبة للبولينيزيين الحصول على حق المتابعة والرقابة على هاتين الجزيرتين اللتين تخضعان، إلى حد الآن، إلى السلطات العسكرية الفرنسية ومحافظة الطاقة النووية، أي الجهتين اللتين أشرفتا على التجارب النووية. وتشير المتابعات العلمية إلى احتمال انهيار المنطقة الشمالية لموروروا بما تتضمنه من أخطار إشعاعية على صحة سكان الجزيرة المرجانية المجاورة «توريا» وتسرب الإشعاعات إلى البيئة البحرية ولذلك يطالب البولينيزيون بتقارير خبرة مستقلة. لكن مع الأسف فالقانون المشار إليه لا يتضمن على الإطلاق الآثار البيئية للتجارب النووية الفرنسية بصحراء الجزائر. من جهة أخرى، يحتمل أن ينهار جبل تان أفلا الذي أنهكته 13 تجربة نووية باطنية بقوة تساوي 500 كطن من مادة TNT في حالة وقوع زلزال مثلا. وتجدر الإشارة أنه أثناء وقوع انفجار باطني فإن الجبل سيتصدع من النقطة الصفر إلى السطح. تسببت التفجيرات الباطنية في إحداث تغييرات هامة جدا في التركيبة الجيولوجية للجبل مشابهة تماما لتلبك التي حصلت في الجزر المرجانية موروروا وفانغاتوفا. ولهذا السبب، يصبح من العاجل والضروري القيام بمراقبة جيو- ميكانيكية لجبل تان أفلا مثل ما هو الحال بالنسبة لموروروا التي تتوفر على نظام رقابة جيو- ميكانيكية. كما أنه من الضروري القيام بتحاليل معمقة لعينات من المناطق الملوثة إثر حادثة «بيريل» وخاصة الجهة التي شهدت انفجار الجبل وتدفق الحمم الإشعاعية، ذلك لأن مختلف التحاليل المنجزة والمنشورة إلى حد الآن تعد تحاليل أولية باعتراف كل الذين قاموا بها. أخيرا، تجدر الإشارة كذلك إلى أن كارثة «بيريل» هي في الواقع لا تقل حجما عن كارثة «تشرنوبيل» في أكرانيا في 26 أفريل 1986 (مستوى 7على مقياس INES ) وكارثة فوكوشيما باليابان التي وقعت بتاريخ 11 مارس 2011 (مستوى 7 على مقياس INES)، والواقع أنه وفي انتظار فتح الأرشيف، يمكن ترتيب حادثة بيريل على الأقل في (مستوى 5 من مقياس INES). وعليه يمكن أن نستنتج وبسهولة أن حادثة «بيريل» هي حالة فريدة في تاريخ التجارب النووية في العالم؟ وعلى هذا الأساس، اعترفت فرنسا أن حادث «بيريل» في أول ماي 1962 يعتبر أحد أخطر الحوادث في برنامجها النووي، لأنها لا تستطيع أن تفعل خلاف ذلك، نظرا لأهمية عدد الشهود من بينهم وزراء ومسؤولين. ومع ذلك، نشير إلى أنه قد تم الاعتراف بأن هذا الحادث النووي كان ملوثا مثل جميع التجارب الجوية التي أجريت في حمودية وفي موروروا وفانغاتوفا.