سادت في مجتمعنا منذ القدم عادة تحضير جهاز العروس، حيث تسعى كل واحدة لجمع أكبر قدر ممكن من المستلزمات التي تحتاجها في حياتها الزوجية، وأحيانا يكون هناك تنافس كبير في هذا الجانب من التحضيرات من أجل أن تأخذ جهازا عليه القيمة، وهو التقليد الذي صار محل انتقاد الكثيرين. أسئلة كثيرة دفعتنا للتطرق لهذا الموضوع خاصة أنه ليست كل المقبلات على الزواج قادرات على تجهيز أنفسهن، فهل هذا الجهاز فرض على الوالدين تأديتهم تجاه بناتهم؟ أم أنه واجب ينبغي على الزوج منحه لشريكة حياته رفقة المهر. عادة ما تدخل كل فتاة بل وكل عائلتها بعد الخطبة مباشرة في رحلة تجهيز الملابس بمختلف الأنواع، وما يناسب تلك الملابس من أحذية وحقائب وما يرافق تلك البدلات من حليّ والمجوهرات علاوة على مختلف أدوات الزينة، ولا يقف الحد عند خزانة العروس بل يتعداها إلى غرفة النوم وما تحتاجه من تجهيزات أغطية وأفرشة وأثاث خاص بغرفة الإستقبال بل حتى مختلف الأدوات التي يحتاجها المطبخ، وإذا كان منزلها الزوجي مستقل فحدث ولا حرج فالجهاز سيزيد لا محالة. وعن جهاز العروس قديما، تقول فاطمة 60 سنة أن الزواج في الزمن القديم كان بسيطا وغير مكلف بالنسبة للرجل أو حتى المرأة، أما اليوم فتكاليف العرس مكلفة لكلا الطرفين، وهو ما أكدته نسيمة 25 سنة المقبلة على الزواج التي تقول إنه إذا كان الصداق والنفقة واجبا على الرجل وعرسه مكلف، فإنّ الأمر لا يختلف كثيرا عند المرأة، فهي مطالبة بكثير من المستلزمات وأهمها "الجهاز" علاوة على تكاليف "التصديرة" والعرس. ولا يختلف اثنان أن مختلف العادات الاجتماعية الموروثة هي عادات طيبة لها نكهة خاصة، لكن الملاحظ أن تلك العادات أصبحت مفروضة على كل الشباب قبيل الزواج حتى وإن لم تكن تناسب قدراتهم المادية، لكن بعض العائلات رفعن شعار "الزلط والتفرعين". ويبقى المهم أن تخرج الفتاة ومعها جهاز كامل يملأ عين الناظرين على حد تعبير بعضهن. وهو ما يفسّر أن الكثيرات تبدأن عملية التجهيز حتى قبل الخطبة، وفي السياق ذاته تقول كهينة 28 سنة مقبلة على الزواج ولكن جهازها كان قبل سنتين من الخطبة. حيث كانت تغتنم فرصة التخفيضات التي تتم على ملابس الشتاء في بداية موسم الصيف والعكس بالنسبة لمستلزمات الصيف، وهكذا تمكنت محدثتنا من تجميع ما تحتاجه قبل مراسيم الخطبة وتردف قائلة: "لقد جهزت كل المتطلبات المكلفة من زرابي لمختلف الغرف حقائب ومختلف الملابس ولا ينقصني سوى بعض الأشياء الخفيفة"، وحسب وجهة نظرها فإن هذا سيخفف عليها من عبء وضغط التجهيز ويمكنها من توفير بعض المال الذي قد تبذره دون أن تدرك. الأمر يكاد نفسه بالنسبة لمنيرة 32 سنة التي قامت بإيداع طلبية عند أحد الخياطات تضم أكثر من 10 جبات، خمس بدلات كلاسيكية وأكثر من ثلاثة أفرشة وأغطية مطرزة، علاوة على ملابس التصديرة في انتظار أن تشتري ما تبقى. العاملات أوفر حظا في جهاز العروس واعتبرت الكثير ممن تحدثن إليهن في الموضوع أن المرأة العاملة تكون أوفر حظا في تجهيز نفسها أحسن من المرأة الماكثة في البيت مادامت لها استقلالية مادية تمكنها من ذلك، وهو ما أكدته نورة عاملة بإحدى المؤسسات العمومية، حيث تؤكد أنها أخذت معها كل مستلزمات البيت، ورغم أن تجهيز البيت ليس من واجباتها إلا أنها اضطرت إلى اقتناء تلفاز، ثلاجة وغسالة وغيرها ولو أنها عاملة لما تمكنت من ذلك، وحول هذه النقطة تحديدا وجدت العديد من النساء الماكثات في البيوت أنفسهن مجبرات على التقليد حتى لا يشعرن أنهن أقل قيمة. المظاهر السبب الأول لكل تلك التكاليف من أهم الدوافع التي قدمتها بعض من تحضرن لجهازهن الزوجي أن التقاليد هي من فرضت كل ذلك الكمّ من المستلزمات، وحسب ما هو سائد في أعرافنا فإن الفتاة التي لا تأخذ جهازا كاملا فإنها ستكون علكة بين ألسن الناس خاصة من طرف أهل زوجها، كما أن التنافس مع قريناتها ممن سبق لهن الزواج أو أنهن مقبلات عليه، يعدّ عاملا مهما يجب أن تأخذه الفتاة بعين الإعتبار بغض النظر عن قدرتها على المنافسة. وفي الجانب ذاته تقول يمينة 56 سنة حول عملية تجهيز ابنتها: "بالرغم من غلاء المعيشة وراتب زوجي الوحيد، لكن لابد أن تخرج ابنتي من بيت أهلها ولا شيء ينقصها"، ومن خلال هذه الشهادة يتضح جليّا أن العادات المتوارثة في مجتمعنا من الصعب أن تزول ولو مسّت جيوب الأولياء الذين يبقون مغلوبين على أمرهم أمام تحقيق رغبات بناتهم في الحصول على جهاز العرس، لأن ذلك وحسب معتقداتهم يرفع من شأنها أمام زوجها وأهله ويجنّبها تلك التعليقات التي قد تكون بداية المشاكل في حياتها الزوجية. شباب يعلنون رفضهم لتقليد الجهاز فتيات أخريات أعلنّ عن تمرّدهن على تلك القوالب الإجتماعية وأكدوا خلال حديثهن ل "السلام" أن الجهاز لا يهمّهن لأنها مجرد مظاهر، ولا تصلح كل تلك الفساتين سوى لليلة واحدة أو اثنين على أكثر تقدير، أما جهاز البيت فهو من واجبات الرجل، فيما بررت بعضهن ذلك الإقبال المتزايد على المستلزمات هو الخوف من زيادة أسعارها مستقبلا، فيما رأتها أخريات مساعدات للزوج لابد منها. أما الجنس الآخر فقد كان لهم رأي لا يصّب في صالح تلك العادات، فقد اعتبروا أن الجهاز وأهميته بالنسبة للعروسة وعائلتها، هو ما يرفع من ثمن المهر كما أن الجهاز كان سببا في تعطيل كثير من الزيجات، وإلغاء أخرى خاصة أن بعض الأزواج يرفضون تأجيل موعد العرس بسبب عدم تحضير المرأة لنفسها.