يبرز العسكري الفرنسي السابق «فرنانس رونو»، أنّ أسوء ذكرياته إبان تواجده في الجزائر خلال ثورة التحرير النوفمبرية، هي مشاهد التعذيب المقززة الذي كان يمارسها جلادو فرنسا ضد الجزائريين. وفي حديث خصّ به «السلام»، أشار رونو إلى أنّ تعذيب الجزائريين سيبقى ذكرى سوداء لن ينساها ما بقي حيا، مبرزا ندمه أشد الندم عما تورط فيه رفقة عسكريي الاحتلال من محاذير، كما عرج على الحالة النفسية للمجندين الفرنسيين آنذاك، إذ كان البكاء مرجعهم الأول والكآبة ظلت إحساسا مشتركا بين الجميع، بعدما تعرضوا ل»الخداع» و»التحايل» من لدن فرنسا الكولونيالية. «السلام» تشكر لكم قبولكم إجراء هذا الحوار، بداية من هو «فرنانس رونو»؟ «فرنانس رونو» مواطن فرنسي من مدينة نانت، عسكري فرنسي أديت الخدمة الوطنية بالجزائر في مدينة جواب وسور الغزلان وقصر البخاري من فيفري 1957 إلى ديسمبر 1958، كنت أعمل منشطا في الراديو الفرنسي، محب للجزائر والجزائريين، قمت غداة انتهائي من الخدمة العسكرية في الجزائر بمساعدة المعلم «روني نوري» الذي كان يدرّس تلاميذ مدينة جواب باصطحاب عشرة أطفال معي إلى فرنسا، وحرصت على رعايتهم هناك اعتبارا من سنتي 1959 و1960، وسط استعار نيران الحرب في الجزائر. كيف كانت حالة العسكريين الفرنسيين أثناء محاربتهم للثوار الجزائريين؟ لست أكتم سرا، لكني أؤكد لكم أنّ البكاء كان مرجعنا الأول، والكآبة ظلت إحساسا مشتركا بين الجميع.
هل لنا أن نتعرف على كيفية تنقلكم آنذاك بين فرنساوالجزائر، والظروف التي كانت تطبع تلك الفترة؟ واظبنا على التنقل بواسطة البواخر، وكانت الرحلات تستغرق حينذاك ثلاثة أيام، ولعلّ الميزة التي ظلت طاغية هناك هو ذاك الشعور المستبد بالخوف لدى عمو م العسكريين الفرنسيين. كيف كانت حالتكم وأنتم تدخلون التراب الجزائري؟ الصدمة كانت قوية جدا علينا، كما عانينا من رعب كبير زاد من تفاقم الأوضاع النفسية للمجندين الفرنسيين بشكل عام. ما هي أحسن ذكرياتكم في الجزائر؟ تأثرت كثيرا إبان تواجدي في الجزائر بطيبة أهلها، وما كان ينفرد به الأطفال من براءة تفوق كل وصف. وماذا عن أسوأ ذكرياتكم؟ سيبقى تعذيب الجزائريين ذكرى سوداء لن أنساها ما حييت، وتجدونني نادم أشد الندم عما تورطنا فيه من محاذير. كيف تم إقناعكم بالحرب في الجزائر بصفتكم عسكريين موجهين للخدمة الوطنية؟ السلطات الفرنسية خدعتنا وتحايلت علينا، بجملة من المزاعم والإدعاءات كحديثها المغلوط عن «إصلاح الجزائر وتحسين مستوى العيش فيها»، ونحن من جهتنا صدّقنا تلك الأكاذيب واعتقدنا أنّ فرنسا ستنسج على منوال النموذج البريطاني في مصر. كيف وجدتم الجزائر بعد 50 سنة من الاستقلال؟ تحولات كثيرة وشعب مثقف، صراحة الجزائر أصبحت جميلة جدا مقارنة بما كانت عليه. كلمة أخيرة نتمنى للجزائر المزيد من التقدم والإزدهار بصفتنا أحباب لهذا البلد المعطاء، كما نتمنى أن يزول منها الإرهاب نهائيا، كما أفيد أننا عشنا مرحلة الإرهاب على الجزائر بنوع من الأسف والحيرة، وهو ما زاد من تأثرنا بحجم الكارثة التي نتمنى أن يزول أثرها.