دعا الله عباده إلى الاستباق في الخيرات، والمسارعة إلى القربات طلباً لثوابه ومغفرته، فقال سبحانه: {فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعًا}، وقال جل وعلا: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} (آل عمران). ومن أعظم ميادين المنافسة والمسابقة إلى الخيرات قصد بيت الله الحرام لأداء العمرة، لما في ذلك من الأجر العظيم، وتكفير الخطايا والسيئات، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) متفق عليه، وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة) رواه أحمد وغيره. والعمرة في رمضان لها مزية ليست في غيره، فقد جاء الترغيب فيها، وبيان فضلها وثوابها، وأنها تعدل حجة في الأجر والثواب، ففي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم سنان الأنصارية، حين لم يكتب لها الحج معه صلى الله عليه وسلم: (فعمرة في رمضان تقضي حجة، أو حجة معي). وفي رواية أحمد والترمذي: (عمرة في رمضان تعدل حجة). وعلى هذا درج السلف الصالح فكان من هديهم الاعتمار في رمضان كما ثبت عن سعيد بن جبير ومجاهد "أنهما كانا يعتمران في شهر رمضان من الجعرانة"، وروي عن عبد الملك بن أبي سليمان أنه قال: "خرجت أنا وعطاء في رمضان فأحرمنا من الجعرانة". وهو ما يفسر لنا سر تنافس المسلمين في هذا الشهر الكريم في هذه الطاعة، وتسابقهم إلى بيت الله الحرام لأداء هذه الشعيرة، وكأنك بهذا المشهد العظيم في موسم حج كبير. لذا كان لا بد من التذكير بشيء من أحكام العمرة، وبيان صفتها وأعمالها وهي على الإجمال إحرام، وطواف، وسعي، وحلق أو تقصير. وختاماً ينبغي على المسلم أن لا يضيع هذه الفرصة، وأن يغتنم شرف الزمان والمكان، فيكثر من نوافل العبادات والطاعات، وخصوصاً في هذا الشهر المبارك، وفي هذا المكان المبارك. فقد قال صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف فيما سواه) رواه أحمد، وليحذر كل الحذر من أي مخالفة أو معصية قد تذهب بأجره، ويعود معها محملاً بالأوزار والآثام، فكما الحسنة تضاعف في هذا المكان، فإن السيئة فيه ليست كالسيئة في غيره.