بلغت أسعار الملابس عشية عيد الفطر مستويات اعتبرها الكثير من المواطنين قياسية بالنظر الى القدرة الشرائية لمحدودي الدخل، هذا الأمر يعزوه مراقبون إلى “تزاوج غير طبيعي” بين جشع التجار ولهفة المستهلكين، ما ألقى بظلاله على بورصة الألبسة الآخذة في الالتهاب بفعل “لا مسؤولية” طرفي المعادلة وتجردهما عن المعايير الضابطة لنسق الاتجار وروح الاستهلاك، في وقت تتواجد ما يسمى ب«فرق الرقابة” خارج نطاق التغطية. لا يزال اقتناء ملابس العيد من الضروريات التي لا يمكن الاستغناء عنها في نظر عموم الناس، فهي تعتبر أمرا إلزاميا وتقليدا اجتماعيا لدى العديد من العائلات، ونادرا ما نجد من لا يكسو أطفاله خاصة في عيد الفطر ولو لجأ للإقتراض، فملابس العيد هي من تدخل السرور إلى قلوب الأطفال وتعطي للعيد نكهة، لتكون هذه الحاجة محلّ استغلال أصحاب محلات بيع الملابس لتحقيق مداخيل طائلة عبر حرق جيوب زبائنهم قدر المستطاع، رغم كل الذي قيل عن تزامن عيد هذه السنة مع موسم التخفيضات. إفراط في الشراء رغم أنف الغلاء الفاحش خلال جولة قادتنا إلى بعض محلات بيع الملابس الخاصة بالأطفال في العاصمة، لاحظنا ذاك الغلاء الفاحش الذي مسّ مختلف أنواع الملابس لكلا الجنسين – سيما أغراض الأطفال -رغم بساطتها، بيد أنّ المثير فعلا للتعجّب والباعث على الازدراء هو ذاك الإفراط “المَرَضي” على الشراء من لدن أولئك المحسوبين على “المجتمع المفيد”، ما ضاعف متاعب الكثير من المواطنين المصنفين ضمن فئة محدودي الدخل، حيث اضطر هؤلاء إلى تجشّم عناء مراودة عديد الأسواق والمتاجر قبل أن يقرروا الشراء، وعبّر من تحدثوا “للسلام”، عن تذمّرهم الشديد من ذلك الإرتفاع الجنوني الذي استنزف الجيوب على أهبة العيد “السعيد”، وتزداد شكاوى أرباب العائلات الفقيرة مع قدوم المناسبة أسابيع قبيل موعد الدخول المدرسي. هذا واستغرب مستهلكون، أن تعادل ملابس طفل لا يتجاوز ست سنوات ثمن ملابس الكبار، حيث طالت حمى الأسعار ملابس الرضع، حتى أنّ طقما بسيطا لصاحب ثلاثة أو أربعة أشهر فاق الألفي دينار . من جهة أخرى، أكّد لنا أحد المواطنين كان بصدد شراء ملابس العيد لأطفاله الثلاثة بسوق الجرف بباب الزوار، أنّ الأسعار عرفت ارتفاعا ملحوظا مقارنة بالسنة الماضية، فبعد مصاريف رمضان جاء الدور على العيد ليستنزف ما تبقى من مال، وأضاف المتحدث ذاته أن سعر طاقم الثياب الخاص بالبنات تجاوز 6 آلاف دينار، الأمر نفسه ينسحب على ثياب الذكور، حيث وصل سعر سروال الجينز إلى ألفي دينار. في السياق ذاته صرحت أمينة، التي التقينا بها في المركز التجاري بباش جراح، أنّ الأمر صار لا يطاق، مطالبة بتدخّل رسمي صارم لضبط سوق الثياب، وحسب المتحدثة فإنها لجأت للاقتراض حتى لا تحرم أبناءها كسوة العيد، خوفا من أن يشعروا بالنقص إذا ما قارنوا أنفسهم بأقرانهم، وتضيف معلّقة: “لا أظن أنّ هناك من لا يريد أن يرى أبناءه في أجمل حلة”. وبالموازاة مع هذه الشريحة، نجد زبائن من نوع خاص لا تهمهم الأسعار بقدر النوعية، فتجدهم يحرصون على أن تكون ملابسهم مستوردة باعتبار أنّها الأجود من وجهة نظر البعض. تهم متبادلة.. والمسؤول من؟؟ يرى الكثير من المواطنين الذين التقينا بهم أنّ السبب الرئيسي في ارتفاع أسعار الملابس مردّه رغبة التجار في استغلال هذه المناسبة المباركة لربح المال الكثير، خاصة في ظل غياب الرقابة وانعدام ثقافة الاستهلاك عند عموم الناس، فبرغم ارتفاع الأسعار إلاّ أننا نجد الكثير من العائلات تتدفق على الأسواق في سباق مع الزمن. التجار بدورهم حاولوا التملّص من المسؤولية وأرجعوا ذلك الغلاء إلى عوامل مختلفة منها الأسعار المرتفعة لدى تجار الجملة والكلفة العالية لاستيرادها والرسوم المرتفعة المفروضة، ما جعل نسبة الفائدة عندهم تصل أدنى مستوياتها على حدّ قول البعض، بالإضافة إلى النقص الملحوظ في بعض السلع التي يطلبها الزبائن. كما علّل كثير من التجار سبب ارتفاع الأسعار إلى نوعية الملابس ذات الجودة العالية والتي تنافس بقية المنتوجات، خاصة ما تعلق بالسلع التركية والايطالية بالإضافة إلى الصينية ذات النوعية الجيدة. في هذا الإطار، أكّد لنا أحمد، صاحب محل لبيع ملابس الأطفال والنساء أنّ الارتفاع الذي عرفته الأسعار، لا ينعكس فقط على المستهلك بل يضرّ أيضا بالتاجر، وعن غياب ثقافة التسوّق لدى المستهلك، كشف لنا “مهدي” صاحب محل للألبسة الجاهزة في سوق علي ملاح بالعاصمة، أن الإقبال الكبير للمواطنين في مثل هذه المناسبات شجّع هذا الارتفاع. وتبقى دار لقمان على حالها في جزائر 2012، في انتظار ما سيحمله قادم الأيام من متغيرات يجمع مراقبون على استبعادها.