يحذر سيد علي مخفي الخبير الأممي البارز في الطاقات الايجابية، من كون الإفراط في استغلال النفط سيرهن الجزائر مستقبلا، مشيرا إلى كون الثروة البترولية ساهمت في تسطيح المواطنين وسقوط الاقتصاد في مستنقع الخمول، ويقول مخفي إنّ الجزائر مثل الدول العربية أخطأت بإفراطها في استغلال المحروقات، معتبرا البترول نعمة نظريا لكنه نقمة عمليا. وفي هذا الحوار الخاص ب«السلام”، يدعو مخفي إلى إنشاء أقطاب امتياز طاقوية تساعد على تفعيل أكبر للطاقات البديلة بما سيسهم في كسب معارك اقتصاد المستقبل. رافعتم منذ سنوات لصالح الحفاظ على الموارد القابلة للنفاذ كالمحروقات والتركيز على الطاقات المتجددة والايجابية، إلى أين وصلت الجزائر والدول العربية برأيكم؟ أقول إنّ الجزائر مثل الدول العربية ارتكبت خطأ كبيرا بإفراطها في استغلال النفط، واكتفائها باستخراجه دون تحويله، والعواقب ستكون وخيمة مع ارتفاع سعر تحويل البترول في الأعوام القادمة، وقابلية المحروقات للنفاذ ما يهدد برهن مستقبل الأجيال القادمة في الجزائر. كما يتعيّن علينا التفكير بجد فيما ينتظر أبناءنا، وأول خطوة على الطريق الصحيح هي تقليص هيمنة النفط على الاقتصاد الوطني، وانتصارها للغاز فحسب، ولاحظوا معي كيف أنّ بلدا مثل الولاياتالمتحدة ترفض سلطاته أي استخراج للنفط وتكتفي بشراء ما يلزمها فحسب. وفي حالتنا، البترول ساهم في تسطيح المواطنين وسقوط الاقتصاد في مستنقع الخمول والتردي، فهو من زاوية المنطق نعمة، لكنه نقمة عمليا، في وقت تتطور أوروبا بسرعات قياسية في الطاقات المتجددة، وهي بصدد استنزاف طاقات العالم العربي على أعلى مستوى، وتصرّ على إقحام خبرائها في كل المشاريع، في سياق يسعى لتكريس التبعية العربية للغرب. للأسف، الأوروبيون ولا سيما الفرنسيين حفظوا الدروس وتعلموا من تجارب الماضي، بينما نحن لم نتعلم شيئا من عدم تحويل الأوروبيين للتكنولوجيات. نحن نخسر كثيرا ونستنزف احتياطاتنا المقدّرة ب11.35 مليار متر مكعب من البترول الخام و4550 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، فالكهرباء يتم توليدها بالغاز وهو ما يبتلع كميات هائلة من هذه الثروة، مع أنّه يمكننا توليد الكهرباء عن طريق طاقتي الشمس والرياح الاقتصادية للغاية. وما زاد الطين بلّة، أنّ الجزائر تدعم تسعيرتي البترول والغاز، وهو ما يحملّها ثقلا مضاعفا، أصبحت معه الجماعات المحلية عاجزة وتعاني من مديونية كبيرة تلقي بظلالها على التوازنات المالية والاقتصادية للبلاد. البدائل موجودة في صورة الرصيد الكبير الذي تمتلكه الجزائر والدول العربية من الطاقات المتجددة، فالجزائر لها أكبر نسبة تشميس سنوية في العالم بأزيد من ثلاثة آلاف ساعة، بإمكانها تحقيق تراكمات طاقوية تصل إلى ألفي كيلو واط ساعة للمتر المربع الواحد. وأدرج هنا أنّ احتمال نفاذ الطاقات التقليدية، يفرض تفعيل الطاقات البديلة خصوصا مع النمو الديموغرافي المتسارع، ونقص الطاقة سيخلق الإضطراب والأزمة الاقتصادية الكونية هي في حقيقتها محض عدم تحكم في الطاقة. ولعلّ أوروبا والصين فهما ذلك جيدا من وراء مراهنتهم على الطاقات المتجددة لأنها عنوان كبير للاستقرار والرفاهية الاقتصادية. وأعتقد أنّ استمرار تدهور طبقة الأوزون بفعل الصناعات الملوّثة وتسربات المفاعلات النووية، على غرار ما فعلته كارثة فوكوشيما، يجعل الأرض وكائناتها وثرواتها في خطر، والمخرج في صناعات نظيفة توظف موارد طبيعية، خلافا للتكنولوجيات التي تضرّ بالزراعة وشتى مجالات الحياة. وألّح بهذا الصدد على ضرورة تفادي استعمالات الطاقة النووية، لأنّها تتطلب الكثير من المياه وتنطوي على مخاطر التلوث، مثلما أنّ مراكز تصنيع الطاقة النووية لأغراض سلمية، مكلفة للغاية. كيف يتسنى للجزائر أن تصبح قوة طاقوية ضاربة؟ أقترح رسم استراتيجيات على المدى الطويل مع إنشاء مراكز تكوين في الطاقات المتجددة لتأهيل كوادر مقتدرة، والنتائج ستكون مبهرة بكل تأكيد. فرنسا استطاعت خلق 25 ألف منصب شغل خلال عام واحد، بفضل استثمارها في هذه الطاقات، والوضع سيكون أكبر عطاء للدول العربية، فهي قادرة من خلال الطاقات البديلة، أن تقلب وضعها الاقتصادي والاجتماعي نحو الأحسن. وأبرز هنا، تجربة الجزائر التي تعمل حاليا على إنجاز مدينة قائمة على الطاقات المتجددة، ويتعلق الأمر بالمدينة الجديدة بوغزول التي ستكون شريانا اقتصاديا منتجا في قادم السنوات، تبعا لاحتوائها على عشرة أقطاب محورية وانفتاحها على الزراعة والصناعات الاستراتيجية والطاقات الإيجابية، وقابليتها لاستحداث آلاف مناصب الشغل ودفع عجلة التنمية. نحن ننادي باستثمار الطاقة الشمسية لضخ المياه لأغراض زراعية، فضلا عن السكنات الشمسية، المسخنات الحرارية، وهي وسائط بوسعها الارتفاع بمكانة المناطق الريفية من خلال إذكاء النشاط الزراعي والرعوي، تحويل المياه والكهرباء وانعكاس ذلك إيجابا على منظومة التشغيل، كأدوات من شأنها ضمان الاستقرار. باشرت الجزائر مخططا استثماريا لاستغلال الطاقات البديلة والايجابية في الجزائر، كيف ترون الخطة الممتدة إلى 2030؟ واعدة إذا ما تمّ تحقيق الأهداف، وذاك مرهون بتوخي الجدية لتوظيف الرافد الهائل للجزائر التي تمتلك عناصر طبيعية هائلة من شمس ومياه ورياح وكتل حيوية، إضافة إلى الأمواج والحرارة الجوفية. وأفيد أننا بصدد التحضير لمشروع كبير نهتم من خلاله، بتثمين الصفائح الشمسية التي باتت أداة فعّالة لإنتاج الكهرباء بأقل كلفة وأكثر فعالية، بما يجسد هدفنا لترسيخ اقتصاد الطاقة وانعكاس ذلك إيجابا على حركة النمو والاستثمار المنتج. وإلى جانب هذا المشروع الواعد الذي ستنجزه نخبة الكوادر الجزائرية وسيوفر 150 صفيحة شمسية يوميا وبمعدل سنوي يصل إلى 12 ميغا، نخطط لتوسيع استثمار الصفائح الشمسية في المنطقة المغاربية، إضافة إلى القارة الإفريقية والعالم العربي، خصوصا مع تلقي إدارتنا لما يربو عن الخمسة آلاف طلب للتزوّد بأجهزة الطاقات المتجددة المتمتعة بالجودة والقابلة للرسكلة مائة بالمائة. كما نشتغل على تزويد كافة الولايات ال48 مصباح خاص بالإنارة المقتصدة، تماما مثل إضاءة جميع أنفاق الجزائر بالطاقة الايجابية، ونتطلع لإنارة الطريق السيار شرق/غرب الذي يمتد على مسافة 1216 كلم، بالطاقتين الشمسية والايجابية. ولتعميم اقتصاد الطاقة في شتى مناحي الحياة الاقتصادية، عرضنا تزويد 65 سدا في الجزائر بمصابيح الإنارة المقتصدة، بجانب التغطية الكهربائية للسهوب الكبرى، ونعتزم أيضا تزويد فرق الجمارك والدرك على مستوى الشريط الحدودي الجزائري ببيوت صحراوية حديثة مزودة بالطاقة الشمسية وتتمتع بالتهوية الضرورية. هل لكم أن تشرحوا جدوى هذه المشاريع؟ أحبّ أن أشدّد على أنّ فوائد المشاريع المُشار إليها مضمونة، حيث تضمن الإنارة المقتصدة للبيوت والطرقات وسائر المرافق العامة، وأشير هنا إلى أنّ إضاءة 62 بلدية في الجزائر العاصمة بالطاقة الايجابية بمعدل 48 واط بدل 250 واط، سيمكّن الجزائر من توفير عشرة ملايين يورو خلال خمس سنوات، خلافا للكلفة الباهظة التي تتحملها الخزانة العامة حاليا. كما أنّ عمر المصابيح المقتصدة يمتد إلى ثماني سنوات، وهي قابلة للرسكلة، وتمنح الجزائر احتياطيا هاما ونوعيا من الكهرباء. وستسمح مُجمل مشاريع الطاقات المتجددة، بتحقيق الجزائر اكتفاءها الذاتي من موارد أساسية بوزن الكهرباء والماء، وتسمح للبلد باكتساب الثروة والرفاهية واستيعاب آلاف العاطلين وتفعيل الكوادر، ما سيجعل من الجزائر نموذجا اقتصاديا فريدا في الطاقات البديلة بمعزل عن أي هيمنة أوروبية. ولعلّ امتلاك الجزائر لما لا يقل عن 65 حقلا طاقويا بديلا بينها عشرات حقول الطاقة الشمسية الأكبر من نوعها في العالم، بحكم احتوائها على 5 مليارات جيغاواط في الساعة/سنويا، سيجعل من الجزائر عملاق الطاقات الجديدة في السنوات ال40 المقبلة. ماذا عن الطاقات الهجينة واشتغالكم على تطهير المياه لأغراض زراعية بجانب تدوير النفايات؟ نولي اهتماما خاصا بالطاقات الهجينة لتوليد الكهرباء، كما ننوي توسيع ضخ المياه لأغراض زراعية، وافتتاح مخبر بيولوجي مختص في تحليل المياه، بجانب خوضنا في تدوير النفايات. وأعددنا خطة متكاملة تقضي بتشكيل مؤسسات شبانية صغيرة على مستوى كل بلدية، تتألف كل واحدة من 12 شابا، وستقوم هذه المؤسسات بتجميع نفايات الخشب والحديد والبلاستيك والكارتون وغيرها، وفرزها على أن يتم تحويلها إلى المصانع المختصة. وهذه التجربة ستتوج بمكسبين مزدوجين: رسكلة النفايات واستحداث مناصب عمل منتجة، سيما إذا جرى تعميم العملية على مستوى ال1541 بلدية، علما أنّ هناك إمكانية افتتاح ورشات استثمارية أخرى كاستزراع المساحات الخضراء والورود. كيف تنظرون إلى إمكانية استخراج الطاقة الحرارية من المنابع الطبيعية؟ هو مجال هام للغاية ويشكّل اقتصادا قائما بذاته، حيث نستطيع تطعيم المدن بالماء من دون الحاجة إلى مراكز كهربائية، بما يترتب عنه تنشيط عديد الاستثمارات في السياحة والطاقة والصحة. ولا بدّ الإشادة هنا بالإرث النوعي المتوافر في الجزائر، حيث يوجد ما يزيد عن المائتي منبع، أبرزها “حمام ملوان” (50 كلم غرب)، “ريغة” (170 كلم غرب)، “الضلعة” (300 كلم شرق)، “دباغ” (420 كلم شرق)، “بوحنيفية” بمحافظة معسكر (600 كلم غرب)، إضافة إلى “إكسانة” (120 كلم شرق). ونفكر في استغلال هذه المنابع الحارة التي يصل تدفق مياهها إلى حدود 25 لترا في الثانية، وستكون الفوائد عظيمة طاقويا وسياحيا على منوال ما يفعله التونسيون، ويمكن تفعيل قطاعات عديدة لتثمين هذا الرافد المجدي اجتماعيا واقتصاديا وعلى أصعدة الخدمات والفندقة وإعادة تأهيل مواقع حموية قابلة للاستثمار المنتج. ماذا عن استغلال الشباب في حقل الطاقات الايجابية؟ نريد تشجيع كافة الطاقات الوطنية الشابة في المضي قدمًا على إنجاح كل المشاريع الاستثمارية المصغّرة والكبرى، وتحفيز الشباب على الاندماج في سوق العمل، وتعريفهم بمجمل صيغ القروض المتاحة، وحث هؤلاء الشباب على الاستثمار العقلاني لهذه الأموال التي تتيحها الدولة لأبنائها. ونراهن على ربط المستثمرين الكبار في الجزائر والخارج بنظرائهم الشباب، وكذا نشطاء القطاع الخاص الذين يلعبون أدوارا كبيرة في تحريك القاطرة الاقتصادية المحلية، بغية نقل الخبرات وأحدث تقنيات التسيير في المجال الاستثماري. كما نعوّل على توفير فرص متميزة لتكوين الشباب الجزائري المستثمر عبر ورش تكوينية، بالتزامن مع عرض تجارب شبانية رائدة ونماذج لشباب تميّزوا بنجاحاتهم وابتكاراتهم، على أن يتوّج هذا الحدث بضبط استيراتجية تفعيل الطاقات الشبانية في الجزائر.