يستهجن كثير من المتعاملين والخبراء ما تتعرض له ثروة المرجان في الجزائر من تدجين، جعل هذا الرصيد الهائل الموصوف ب"الذهب الأحمر" يبقى على الهامش دونما تفعيل أو استثمار للموارد الهائلة التي تمتلكها البلاد، علما أنّ الجزائر ظلت المنتج الأول للمرجان الأحمر بحوض المتوسط. بلغ "التدمير المبرمج" للشعب المرجانية حدا لا يطاق في الجزائر، ويلفت مهنيون وخبراء للسلام، أنّ هذا التدمير يتم من طرف أشخاص همهم الوحيد تحقيق الربح السهل، حتى وإن كان ذلك على حساب ابتلاع الرصيف المرجاني المحلي. ويجري في الجزائر منذ أشهر، التنقيب عن الثروة المرجانية التي تزخر بها في المياه الساحلية الجزائرية، بعد أن ظلت مهملة لفترات طويلة، حيث جرى وصفها ب"الثروة الهشة" رغم قيمتها التجارية العالية، ومكّن استطلاع 36 موقعا من جمع 240 مجموعة من المرجان الأحمر تزن 19 كلغ، ويتعلق الأمر بعينات ذات جودة في صورة مجوفات ونباتات بحرية، ومن المتوقع دراسة العينات المكتشفة بغية تحديد العناصر العلمية الكفيلة بإعطاء معلومات حول الميزات والخصائص البيولوجية التي يتمتع بها المرجان الجزائري، على درب تحديد طرق وآليات استغلال الحقول المرجانية. لكن هذه التحركات الموسومة ب"المحتشمة" تبقى بحسب المختصين دون التطلعات، احتكاما لما تمتلكه الجزائر من إمكانات طبيعية تؤهلها لتصدر لائحة الدول المنتجة للمرجان تبعا لما يختزنه شريطها الساحلي الممتد على طول 1200 كيلومترا . آلاف الكيلوغرامات من الشعب المرجانية في المهبّ تفيد بيانات رسمية أنّ آلة الاستنزاف طالت آلاف الكيلوغرامات من الشعب المرجانية خلال السنوات السبع الأخيرة، وجرى استرجاع ثلاثمائة كيلوغرام خلال التسعة أشهر الأولى من العام الحالي، بيد أنّ شبح "لصوص المرجان" يبقى قائما في ظلّ عجز فرق الرقابة عن الحيلولة دون تهريب الذهب الأحمر الذي يسيل لعاب مجموعات احترفت تحويله، على منوال ما هو حاصل في ولاية عناية سيما بمنطقة القالة الساحلية، بهذا الشأن أحصت مصالح الجمارك لولاية عنابة خلال السداسي الأول لهذه السنة حجز ما لا يقلّ عن 2، 87 كلغ من المرجان بقيمة 04، 1 مليون دج. وتسجل مراجع متخصصة على صلة بالملف، أنّ بعض أصحاب المركبات البحرية لا يترددون في المغامرة من خلال تنظيم خرجات في البحر والغطس تحت الماء لنهب "الذهب الأحمر" من الأعماق، وذلك باستعمالهم ما يُعرف ب"الصليب الإسمنتي" لاقتلاع هذه الثروة البحرية، وسط مرافعات لبذل قسم أكبر من الجهود للحفاظ على هذا المورد. الجزائر "ليست مستعدة" لاستئناف صيد المرجان قال عبد الله خنافو الوزير السابق للصيد البحري والموارد الصيدية، أنّ الجزائر غير جاهزة لصيد المرجان، وبرّر خنافو، القرار بالوضع الراهن للموارد الوطنية الخاصة بالمرجان، ما يجعل الجزائر ليست مستعدة لاستئناف صيد هذا الكنز الثمين الذي ظلّ عرضة للاستنزاف والتهريب منذ عدة سنوات. وذكّر خنافو بأنّ الحكومة كلفت في سبتمبر 2005 مجمعا فرنسيا بإعداد دراسة حول وضعية نوعية وكمية المرجان بالجزائر قبل اقتراح مخطط لتسيير هذا المورد، مع الإشارة إلى أنّ الجزائر منعت صيد هذا المعدن الأحمر بهدف حماية هذا المورد. من جانبه، يشير الطاهر محمد أحد متعاملي الصيد البحري إلى "خطورة" هذه الوضعية، خاصة وأن المرجان أصبح مهملا بنسبة كبيرة، في وقت يشير الطاهر إلى حتمية تدعيم المراقبة لوقف هذا النزيف، كما رفع أرباب الصيد وأصحاب سفن الصيد وبحارة صيادين أصواتهم للتنديد ب"النهب والاعتداء" الذي يتعرض له الرصيف المرجاني بساحل ولاية الطارف. نهب في وضح النهار وبالنسبة لسكان هذه المنطقة الساحلية، فإنّ ما يطال المرجان ينعكس سلبا على مجموعة الأحياء البحرية، حيث تعيش أنواع عديدة من الأسماك التي تتغذى على عوالق المرجان. في السياق ذاته، نادى رشيد.ح وهو صياد وصاحب تجربة طويلة في الصيد البحري، بتكثيف الجهود المبذولة من المصالح المعنية المكلفة بمراقبة هذه الثروة، خاصة أنّ السلطات العمومية يجب عليها تسخير كل ما هو متاح من أجل إيقاف هذا النزيف للحيلولة دون تعريض المرجان وكامل قطاع الصيد إلى تدهور أكبر. وعبر بعض الصيادين عن انشغالهم بشأن حماية الثروة البحرية النباتية والسمكية منها، ويشدد هؤلاء على أنّ الوقت حان لاستعمال وسائل كبيرة لمحاربة مثل هذا السلوك وحماية هذه الهدية البحرية التي لا تقدر بثمن مثل المرجان، ويقترح يوسف وهو صياد سابق متقاعد على السلطات العمومية الاستعانة بخبراء في الوسط البحري، لبحث الوسائل الكفيلة والمناسبة لوقف هذا النهب في وضح النهار. من جهتها، وضعت المصالح المكلفة بقطاع الصيد والموارد الصيدية بالتشاور مع مصالح مراقبة السواحل، جملة من الإجراءات والتدابير فضلا عن تلك المتوفرة حاليا لوضع حد لهذه الوضعية، حيث تم في هذا السياق توزيع مذكرة لمستعملي سفن النزهة تقضي بمنعهم من المغامرة على أبعد من مسافة معينة من الساحل. وبدأ هذا القرار على ما يبدو يعطي ثماره، حيث بقت عديد المركبات البحرية التي يشتبه في تورط أصحابها في نهب المرجان على الرصيف لعدة أيام بدون حركة تذكر. ويشدد جمهور البحارة والصيادين على أنّ يقظة ووعي سكان القالة إذا ما استمرت يوميا، فإنها تعتبر أحسن وأفضل سلاح من أجل إحباط نشاط مهربي هذه الثروة. الحل في فتح باب الاستثمار يتقاطع عموم المتعاملين والخبراء عند حساسية فتح باب الاستثمار لإنهاء النزيف الذي يطال المرجان، طالما أنّ استغلالها ينطوي على انعكاسات هائلة على الصعيدين الاقتصادي والسياحي، ويرشح مراقبون الذهب الأحمر لكي يشكل موردا هاما خارج قطاع المحروقات، وسجلت الوكالة الوطنية للاستثمار إبداء عدد من المتعاملين الخواص رغبتهم في الاستثمار المرجاني، إلاّ أنّ ما ينطوي عليه الجانب التشريعي من ضمور، جعل الأمور تراوح مكانها. وتملك مؤسسة تسيير موانئ الصيد البحري، التي أنشئت في 2004 في إطار تحسين تسيير موانئ الصيد البحري 10 فروع جهوية، ويتكون الأسطول الصيدي الوطني حسب إحصائيات الغرفة الجزائرية للصيد البحري وتربية المائيات لسنة 2005 من حوالي 4000 باخرة منها 403 قارب و836 قارب صيد السردين و2731 مهن صغيرة و14 وحدة صيد المرجان. وأعلن فيصل كليل رئيس الهيئة المديرة لمؤسسة تسيير موانئ الصيد البحري، عن الشروع في بلورة خطة موسّعة للاستثمار في نشاطات موانئ الصيد وتجارة الموارد الصيدية. وأوضح كليل، أن الأمر يمس كامل محترفي الصيد البحري ويخص المستثمرين الوطنيين والأجانب، قصد تحقيق واستغلال استثمارات في النشاطات المتعلقة بتسيير وتطوير موانئ الصيد الجزائرية التي يبلغ عددها 29، وقدر المتحدث أن هذه الاستثمارات ستسمح بخلق ما بين 2500 و3000 منصب شغل سنويا. وبحسب المعطيات الرسمية، فإن هذا المجال غير مستغل في الجزائر ولا يمثل سوى 20 بالمائة من السوق الوطنية، ما يقتضي تفعيل الاستثمارات في موانئ الصيد قصد تحسين نوعية التجهيزات وتشجيع استعمال عقلاني الفضاءات المائية.