يغفل الكثير من القراء عن وقوف شخصية أدبية وراء نشوة استمتاعهم بعمل إبداعي ما، من الممكن أن تكون راضية عن أجواء عملها، أو أنها تتخبط في معاناة لا تتأتى في كثير من الأحيان من صعوبة عملية الإبداع، إنما قد تكمن في محيطها الاجتماعي بكل ما يحمله من معتقدات وتعقيدات، مما يدفع المبدع إلى الدخول في صراع لإثبات وجوده على الساحة الفنية أو الأدبية، حتى يقضي نحبه إما ضحية للجوع البيولوجي أو قتيل التهميش والنسيان، باستثناء قلة قليلة. يبقى الشباب الذين يضعون أولى خطواتهم في هذا الطريق الأكثر معاناة من موضوع العراقيل أو التهميش.. لهذا ارتأت"السلام اليوم" أن تتجه إليهم، وتسلط الضوء على المصاعب التي تواجههم، محاولة رصد آرائهم حول الوضع الثقافي الراهن، وتقييمهم له. رشيد زهاني: "كتّاب الجيل القديم ينصّبون أنفسهم حراسا للمعبد الثقافي" رأى الشاعر الشاب وصاحب ديوان "أنقاض أكسيوم"، رشيد زهاني أن الصعوبات أمر بديهي في بداية مشوار أي مبدع معلقا:"أهم العراقيل التي تواجه أي شاب في بداية مشواره الإبداعي تكمن في غياب التفاعل من قبل المثقفين، حيث يبقى المثقف الشاب دون حاضن يجعله ينمو ويكبر للوصول إلى أهدافه، أين يجد من يخطو أولى خطواته في عالم الإبداع، حصارا غير مفهوما من قبل البعض لأسباب غير معروفة وأخرى يمكن أن تنّصف في خانة بقاء الجيل القديم من الكتاب والشعراء بمثابة حراس المعبد في طريق أفكار حداثية يأتي بها شباب لربّما لو وجدوا الدّعم، لبزغت شمسه، برأيي أنّ هناك منظومة تعطيلية مبرمجة منذ سنوات في هذا الوطن، تنفخ في بالونات مستهلكة في حين يغيّب الجيل الجديد الذي يعمل المستحيل لإيجاد موطئ قدم له في مسيرة ساقية الإنتاج الفكري والفني، أما عن العراقيل فتبقى في غياب الإنصاف لأعمال الرواة والأدباء الشباب من قبل الناشرين والنقاد الذين يتحتم عليهم الالتفات فورا لهذا الأدب وتنوير القراء به، كذلك أجهزة الإعلام تبقى على عاتقها مسؤولية كبيرة في نفض الغبار عن تفاصيل الأدب الحديث". وحول وضع الساحة الثقافية اليوم قال:"مثلها كمثل السّبحة أو السلسلة المتنافرة تحتاج إلى إعادة ربط وترميم لتجاوز هذا المشهد الرّمادي الذي يطبعها ويخنقها ويجعل صوتها مبحوحا، أما فيما يخصّ النقائص فتبقى إرادة المثقفين معطوبة في تغيير الوضع وخلق لوبي ضغط على السلطة والناشرين والإعلام الذي يعتبر الثلاثي الأكثر تأثيرا على مسار الساحة الثقافية في مجال دعم الإبداع وكذا الانتاج والتعريف به وترويجه داخل وخارج الوطن، يجب على المثقفين أن يتفقوا على مشروع جامع للوصول بالثقافة إلى وضعها الأصلي الذي يبقى متخلفا بسنوات ضوئية خلافا للمقدرات والخزانات الهائلة التي تحويها الجزائر". خالد بن صالح: "نعاني من انعدام انتهاج سياسة ثقافية واضحة الملامح" ذهب صاحب ديوان "مئة وعشرون مترا عن البيت" خالد بن صالح إلى أن مفهوم "العراقيل" يختلفُ من كاتب إلى آخر، باختلاف ماهية العلاقة بينه وبين الكتابة. وذلك يقف حول سؤال:لماذا نكتب؟ حيث قال:"هو سؤال شائك وشخصي إلى حد بعيد، ولأنني تبنيتُ مرَّة مقولة:الشعر الجيد لا يخاطب أحداً، فإنني أجزمُ بغرقي بالكامل في الكتابة وكما يغمرني ماؤها النقي فلا مناص من وحلها، وهنا تشكِّل البدايات أولى ملامح الطريق". وأضاف:"أهم العراقيل التي لازلنا نتخبط فيها وربما هي سبب كل مآسينا الثقافية في البلاد، هو انعدام سياسة ثقافية واضحة، سواء في نشر الكتب وتوزيعها ودعم دور النشر غير الجادة وفي المحفزات المعنوية والمادية من الفعاليات والمسابقات المحترفة..التي نتمنى أن تخرج عن إطار الارتجال والعلاقات الشخصية والمحاباة وغيرها. هل من المتخيل أن المعرض الدولي للكتاب مثلاً بكل ما له وما عليه، يبقى المناسبة الوحيدة التي تحتفي بالكتاب؟ ليس على المستوى الرسمي، إنما في تفعيل العلاقة بين القارئ باختلاف مستوياته والكتاب..أين جامعاتنا، أين المكتبات؟ أسئلة كثيرةٌ تحاصرنا من كل الاتجاهات وربما لا نملكُ إلا المضي في دعم وتشجيع المبادرات المستقلة التي تؤسس لفعل ثقافي مغاير وعلى الإعلام أن يلعب هذا الدور في طرح الإشكالات المتعلقة بالمشهد، في خلق حوار جاد بين الفاعلين وفتحِ آفاق جديدة لتكريس حرية الإبداع، هي ليست مجرد هواجس بل حلماً مشروعاً نتمسك به على أمل أو شقاء". الروائية زهرة مبارك: "زمام إدارة الثقافة يجب أن تعود إلى أصحابها الفعليين" ارتأت زهرة مبارك صاحبة رواية "لن نبيع العمر" أن تصب جام غضبها على القائمين على الساحة الفنية قائلة "أعتقد أنه ينبغي اليوم حتى تسير عجلة التنمية الثقافية بالجزائر أن يرحل منها كل متعدي دخل إليها باسم أي حزب أو كوطة أو أي حسابات سياسية أخرى، بعدها يتوجب على بعض مديريات الثقافة والمؤسسات الابداعية الاخرى في كل المجالات التي لها علاقة بالفكر والثقافة أن يرحلوا وتنفيهم المؤسسات الرسمية إلى مهن أخرى وبذلك يتركوا المجال لمثقفين يسيرون الشأن الثقافي. وهنا أعتقد أنه يلزمنا مثقف متفتح ومتحرر قوي الشخصية يفرض نفسه ويجدُ له مكانا وسط هذا المُجتمع الاستهلاكي، لا مثقف معقد، إضافة إلى حاجتنا لذكاء من المجتمع المدني تبرز فيه قيمة العلم والبحث". وأشارت المتحدثة إلى وجوب احترام الآخر، بما فيه من زَخَم الثقافة الجزائرية، مشددة على الإرادة السياسية حيث قالت"نحن بحاجة إلى سياسي مثقف بدرجة امتياز، يفتح الباب لكل مبدعي الوطن، لنتحرر من سلبيتنا، ونبحث عن المتميز أيا كان مقر إقامته ولون بشرته وديانته، كما يلزم المثقف عندنا الوثوق بأفكاره حتى يؤمن بها الآخرون". نصر الدين حديد: "القائمون على النشاطات الثقافية مجرد تجار خانوا مسؤولياتهم" يرى الشاعر الشاب نصر الدين حديد، أنه ليس هناك من يستطيع توقيف المبدع أوتضييق الخناق عليه، قائلا: "كلما قام القائمون على النشاطات الثقافية باحتكار فضاء الثقافة لأنفسهم ولمعارفهم، إلا وفتح المبدع الحقيقي فضاءات أخرى لنفسه"، مضيفا أن:"القائمون على النشاط الثقافي في الجزائر يحاولون إقصاء بعض المبدعين، لتصفية حسابات شخصية في بعض الأحيان، وربما للمساومة والمقايضة و"البزنسة"، ويوجهون غالبا الدعوات إلى عشيقاتهم وأصدقائهم، رأينا مبدعين شبابا فرضوا أنفسهم في عدد من الدول العربية والأوروبية دون عناء، ونراهم اليوم في مهرجانات عريقة بحضور وسائل إعلامية راقية، بينما لازال بعض القائمين على عدد من الفضاءات الثقافية في الجزائر يعيشون في عصر "الحمام الزاجل"، ويحتكرون فضاءات لا يحضرها الجمهور، بل يقتصر على القائمين على النشاط نفسه فقط، وهنا أقول أن القائمين على النشاطات الثقافية خاصة في مؤسسات وزارة الثقافة، خانوا مناصبهم، وأصبحوا يتاجرون بهذه الفضاءات كلما ذهبوا للمشاركة في أي مهرجان بالخارج، وذلك بدعوة من قاموا بدعوتهم هناك بأموال الشعب والدولة، وبميزانيات وزارة الثقافة، وهذا ما نفسر به تكرر نفس الأسماء في نفس التظاهرة لأكثر من مرة، وتحويل هذه الفضاءات إلى ملكية خاصة يقدمون فيها جلسات بالتوقيع لكتبهم كلما كانت هناك تظاهرة ما، يجب على الهيئات المعنية أن تعيد النظر في هؤلاء لأنهم شوهوا صورة الثقافة في الجزائر، وقدموها من خلال عدد من الطفيلين والمتسلقين، وعلى هؤلاء أن يعرفوا أنه لا يمكنكم إقصاء المبدعين، نحن في عصر الوسائط الإلكترونية الحديثة التي تجاوزت عصر النشر الورقي والمنابر بسنوات ضوئية، والقصيدة التي تنشر على "الفايسبوك" أو "اليوتوب" يقرأها الآلاف من كل دول العالم، على الجيل الشاب من المبدعين أن يؤمن بنفسه، وأن يتجاوز هذا "المرسخ الثقافي"، التي جاء من عصور ثقافة "الجوع الإعلامي"، والمتاجرة الثقافية". عبد الكريم قادري: "العراقيل تصنع كتاباتي ولولاها لما كنت مبدعا" رأى عبد لكريم القادري، صاحب ديوان"فاصلة" أن العراقيل والصعوبات هي من تخلق المبدع الحقيقي قائلا:"لولا العراقيل لما كنت مبدعا، هي بمثابة الملح في الطعام غيابها يشكل نقصا في تركيبتي كمبدع، لتكون بذلك بمثابة الوقود الذي يغذينا، وفي محاولاتنا لتبليغ رسائلنا نمشي على العديد من الطرق المستقيمة والملتوية، نجد في حواشيها الكثير من الورود بكل ألوانها، والكثير من الشوك بكل أنواعه، لكنني شخصيا كنت ولا أزال أؤمن بصفاء رسالتي، لذا كان لزاما علي مواجهتها بكل تجلد وقوة وحب.. أحيانا تتربص بنا هذه العراقيل من الأسرة والمجتمع والسلطة، لكنني أضع كل هذا جانبا وأتابع طريقي من أجل أن أوصل رسالتي كاملة غير منقوصة، ولا آبه بالذي قيل ويقال، وحدث وما سيحدث". كما شدد قادري على أن الساحة الثقافية تحتاج إلى عملية رسكلة كبرى وكليّة، قائلا:"الساحة الثقافية هي عملية تشاركية، يجب أن تتم من طرف المثقف والسلطة على السواء، بشرط أن تكون هناك نية حقيقة"، مضيفا:"الساحة الثقافية الحالية تعاني من العديد من النقائص، أهمها الذهنيات القديمة التي سيطرت على عقل المثقف نفسه، وأسلوب العصابات التي بات يسيطر على الساحة ككل، هي الآن بحاجة إلى دم جديد يجري في عروقها، صاف غير مدنس بخطايا الذين يسعون وراء الكسب على حساب المبادئ والأسس، وعلى حساب الإبداع الحق الذي لا يجامل ولا يهادن، ولن يكون هذا إلا بعملية تطهيرها من الطفيليات التي تخندقت في كل جزئياتها، وأتمنى شخصيا من الكيميائيين الذي اخترعوا مبيدات حشرية أن يخترعوا مايقضي على هؤلاء، لتطهير الساحة منهم، فهذا ما تحتاجه الساحة الثقافية".