تعيش بنات حواء بقرى المناطق القبائلية حياة صعبة، لذا قررت المرأة القبائلية مواجهتها بممارسة حرف تقليدية وإبراز قدراتهن بمجالات أخرى كوسيلة لكسب لقمة عيشهن أو إعالة أسرهن. فخالتي “فطومة” أم مثالية وواحدة من بنات حواء اللواتي كافحن لسنوات من أجل الحفاظ على عائلتها، مواجهة جميع العراقيل بعد هجرة زوجها لها فبالرغم من كبر سنها الذي قارب ال60 إلا أن من يلاحظ ملامحها يرى أن سنها أصغر بكثير. كونها مفعمة بالحيوية والنشاط تعيش برفقة بناتها الأربع ببيتها البسيط عانت بفترة زواجها لكن ماتوارثته عن جدتها منحها إرادة قوية لكي تواصل حياتها الأسرية والعملية بعد تخلي والد أبنائها عنها، تكسب قوت يومها بفعل المواهب التي منحها الخالق لها والتي ساعدتها في صناعة حرف تقليدية، إضافة لقدرتها على صناعة أدوية طبيعية تجلب مكوناتها من الحديقة المقابلة لبيتها البسيط الذي يأوي بناتها الأربع، واللواتي ورثن هن الأخريات حرفا كثيرة عن والدتهن وأصبحن “كل صباع بصنعة” -كما يقال بالعامية- قصدنا بيتها المتواجد بمداشر تيزي وزو، فقابلتنا بصدر رحب وإبتسامة عريضة لم تفارق وجهها فمهارتها في علاج الأمراض أكسبتها شهرة كبيرة لدى أهل المنطقة، الذين يستشيرونها ويطلبون مساعدتها لعلاجهم خاصة أن المنطقة لا تتوفر على المراكز الصحية، فقد علمنا من خالتي “فطومة” أنها إكتسبت مهارة كبيرة ورثتها من جدتها التي لطالما حاولت ترسيخ الطرق التي تصنع بها الدواء بعقلها، بالرغم من أنها لم تكن تتجاوز سن ال13 جعلتها تملك خبرة واسعة عن نوعية الأعشاب التي تتوافق مع طبيعة المرض وعن يومياتها فتقول أنها تستيقظ في الصباح الباكر لتجمع بعض الأعشاب الضرورية لصناعة الدواء سواء من حديقتها أو تضطر لقطع بضع كيلومترات مشيا على الأقدام، لتعثر على بعض النباتات النادرة المتواجدة بالجبال والضرورية لإكمال وصفة الدواء المعالج، كما تستعين بإحدى الكتب النادرة الخاصة بعلاج الأعشاب التي ورثتها عن جدتها، ولا يقتصر الأمر على تلك المهنة بل أن خالتي “فطومة” تجني بشكل يومي ثمار الزيتون من الشجرة التي واظبت على رعايتها والحفاظ عليها، والتي كانت هي الأخرى مصدر رزق أخر فهي تصنع زيت الزيتون بمعصرتها التقليدية لكي تسد طلبات زبائنها من المناطق المجاورة، كما أنها تقطع مسافات كبيرة أسبوعيا إلى العاصمة، بهدف بيع كميات أخرى من زيت الزيتون، في حين تفاجأنا أن كل بناتها يبدعن في حرف تقليدية مختلفة، حيث تقربنا من “منال” التي كانت بصدد صنع الأواني الفخارية أمام الحديقة بتصميمات مختلفة ورسوم أمازيغية بألوان زاهية. وفي زاوية بيتهم البسيط تبدع إبنة الحاجة “فطومة” الكبيرة بأناملها بتصميم أزياء قبائلية مختلفة محافظة على التراث الأمازيغي سواء لزبائنها العاديين أومن العرائس بمساعدة والدتها التي تساعدها بتقديم نصائح لها بفعل إجادتها فن التصميم والخياطة، حيث لاحظنا أنها حولت غرفتها إلى ورشة صغيرة، فقد أكدت أنها تحاول الحفاظ على التقاليد القبائلية بصناعة الجبّة معتمدة على ألة الخياطة وبعض الأقمشة والخيوط الملونة، لتنتهي بفضل موهبتها وحبها لمهنة الخياطة بتصميم فساتين الأعراس، محافظة على تقاليد المرأة القبائلية بعد إضفاء لمسات عصرية عليها. أما ابنتها الثالثة “فريدة” فهي الأخرى تملك موهبة كبيرة في صناعة لوحات مصنوعة من القماش تبدع في الطرز عليها برسوم أمازيغية وأشكال بأحجار ملونة وأقمشة من حرير، فهي لم تتكون بالمراكز أو تعمل يوما بورشة خياطة لكنها تحدت ظروفها الإجتماعية الصعبة، لتساعد والدتها ببيعها للمحلات أو المشاركة في معارض الحرف التقليدية بهدف عرض كافة المنتجات التي صنعتها. في حين لفتت إنتباهنا الرائحة الطيبة التي تنتشر في أرجاء بيت الخالة، والتي أثارت شهيتنا فوجدنا بمطبخها الصغير ابنة السيدة “فطومة” الصغيرة التي لم تتجاوز ال20 ربيعا والتي كانت تتفنن وتبدع في تزيين وصنع أشهى الحلويات، وكان سر إبداعها أصابعها الذهبية التي سمحت لها بصناعة حلويات الأعراس بأشكال مختلفة، حيث تتلقى عددا كبيرا من الطلبات بحفلات العرس من قبل العائلات القبائلية، خاصة أنها أخبرتنا أنها على دراية بكافة الوصفات الخاصة بالحلويات التقليدية أو العصرية، حيث أن سر إجادتها لفن الطبخ يكمن -حسب قولها- في جمع الوصفات من معارفها وأقاربها، لكن حبها لهذا المجال وصبرها كان من أسباب النجاح الكبير الذي حققته في دشرتها، فقد أكدت لنا أن تركيزها على ديكور حلويات الأعراس وتزيينها لها جذب الزبائن لحلوياتها بعدما نال ذوقها إعجابهم. نساء المداشر يتحدين ظروفهن بمزاولة أعمال رجالية لا تكتفي نساء الأرياف بالقيام بواجباتهن المنزلية، بل تعمل كثيرات على مساعدة أزواجهن حتى أنهن يقمن بأعمال تخص الجنس الخشن، فخلال جولة قمنا بها بمداشر تيزي وزو، لاحظنا حملهن لأدوات الفلاحة وكذا سياقتهن للجرار إضافة لرعي المواشي، ولا تجدن حرجا في تحضير خلطة الإسمنت لبناء منازلهن، فغير بعيد عن بيت الحاجة “فطومة” لاحظنا مدى نشاط نساء الأرياف اللواتي لا يكتفين بممارسة واجباتهن في منازلهن بل يعملن على تأدية نشاطات أخرى تخص الجنس الخشن، حيث أخبرتنا إحدى نساء المنطقة أن يومياتها تبدأ بالصباح الباكر بالإستيقاظ مع صياح الديك للخروج إلى الأرض الزراعية المجاورة لبيتها، حيث تقوم بعدها بإمساك الفأس لتليها مهمة سياقة الجرار، كما أضافت خلال حديثها أنها لا تفوت فرصة جني الزيتون وعصره ثم جمع سنابل القمح لتحضير عجينة الخبز الشهية. المرأة الصحراوية تقضي 8 مارس بين جمع الحطب ورعاية الماشية بينما تحتفل نساء العاصمة بيومهن العالمي الموافق ل8 مارس من كل سنة، تحرم الحياة الصعبة والعادات نساء الصحراء من هذا الإحتفال، خاصة وأن أغلبهن قد حرمن من الدراسة مما جعل حقوقهن منتهكة، حيث علمنا خلال حديثنا مع سكان المناطق الصحراوية، أن العديد من نساء البدو لا يملكن أي معلومة عن يومهن العالمي، كما لا يعرنه أي أهمية حيث أكدت لنا إحدى نساء منطقة تمنراست، والتي تقطن في العاصمة أنها لم تحتفل يوما بهذا اليوم بمنطقتها إلا أن إنتقالها إلى العاصمة، سمح لها بالإحتفال بعيدها بالخروج للحفلات التي تنظم في هذا اليوم، حيث أكدت أن قريباتها يقضين هذا اليوم في جمع الحطب أورعاية المواشي والإبل، بينما تعمل أخريات على قضاء اليوم داخل خيم يقمن بصناعتها من نسج شعر الإبل لتحمي أسرتها من حرارة الصيف وصقيع الشتاء. ومن هنا أصبحت المرأة البدوية تعادل ألف رجل، فهي التي تتولى شؤون الخيمة وترحب بالضيف في غياب الرجل، مع محافظتها على العادات والتقاليد كالحياء بوضع النقاب على وجهها، وبالرغم من العادات التي منعت المرأة من الإندماج في حياة المدن، إلا أن نساء البدو لا زلن يحاولن فرض وجودهن سواء بتدبير إحتياجات منازلهن أو بإبراز حرفهن التقليدية بتسويقها أو عرضها في المدن بالرغم من قلة الإمكانات وحياة الصحراء الصعبة التي دفعت بنساء البادية للبحث عن سبل التعايش مع حياة المدن، بالرغم من التقاليد التي مازالت تكبل طموح المرأة الريفية. **** امرأة صامدة هي المرأة مثال للتحدي للكفاح للتواصل، والأمل مثلها مثل الكثيرات اللواتي رغم قهر الظروف ورغم مأسي الدهر والزمن، غير أنهن أعطين الكثير من ذاك المنبع الكبير منبع الحكمة والحنان. بيدين مثقلتين تجوب “مسعودة” أرضها من شروق الشمس الى غروبها، تروي التربة التي تخللهاحجارة كثيرة حتى تستطيع تحضيرها بسهولة لتستقبل جذور شجيرات مختلفة. منذ 54 سنة تكافح “مسعودة بن عيادة” ضد عوامل الطبيعة القاسية بمنطقة بشار، مجتهدة في أرضها الصغيرة التي استفادت منها، وتعد “مسعودة” مثالا للعمل والمثابرة، حيث قاومت منذ الثورة كل أشكال المعاناة والفقر باحثة عمل هنا وهناك أينما احتاجوا العمل مساعديها وصغيرها على ظهرها واثنان أخران يشدان بأذيال ثوبها بأيديهم الصغيرة يتبعونها أينما توجهت، اذ كانت بالنسبة لهم الأم والأب والمعيلة لأن أباهم استجاب لنداء الواجب والتحق برفقاء الثورة. اضافة الى المشاكل المادية عانت “مسعودة” من تحرشات جنود الاستعمار الفرنسي وعداوة الارادة الاستعمارية الفرنسية، وفقدت زوجها الذي سقط في ميدان الشرف سنة 1957. وبعد الاستقلال واصلت كفاحها وفتحت لابنها الأكبر محلا للخردوات بمبلغ من المال ادخرته درهما درهما حتى أصبح يفوح برائحة الكد والعرق و الإرادة. وابتداءا من سنة 1990 طلبت “مسعودة” قطعة أرض وحصلت عليها وحينئذ قامت بحفر بئر بمساعدة ابنها وبناء منزل، فهي تقدس تضحية زوجها بحياته من أجل الأرض وارادتها بعد أن ارتوت بدماء الشهداء، قدستها وحافظت عليها اكراما لهم وغير مبالية بالوقت تباشر المرأة خدمة أرضها ابتداءا من الساعات الأولى للصبيحة تحفر وتزرع و قطع الأعشاب الضارة، وتنقل الأحجار دون كلل أو ملل على الرغم من صعوبة العمل والأرض. هي لا تعرف الراحة لأنها تربت على العمل، فيداها اللتان خشن جلدهما وعمرتهما الشقوق لا تستطيعان المكوث مرتاحتين، فهذه الأرملة التي تكافح من أجل لقمة العيش عمرها يعادل شجاعتها والألام التي تعاني منها منذ شهور، وهي تظل أطفالها الثلاثة بحبها وحنانها وهم ينامون تحت لوائها على الرغم من مرارة حياة لا بد منها. عمرها لا يحسب بالسنين لأن شجاعتها لا تضاهيها شجاعة رغم فقدان الزوج بقي الأمل، وبقيت تتخبط في خضم مصير مجهول، فهي شابة رغم أن نضوجها قد اكتمل لا تتوكل إلا على الله، الذي يخرجها دائما من وطأة وضعية اجتماعية مزرية، فهي ترفض أن تنهار وأن تجعل اليأس وسادتها رغم كثرة المصاريف و انعدام الدخل ورغم أنها تتمزقق كلما تتذكر بأنها قد لا تستطيع توفير وجبة لأطفالها، غير أن أملها في الله كبير وكبير جدا.