حادثة "أمقالة" لم تكن إلا عملا جبانا حضّر له ملك المغرب الحسن الثاني، بإيحاء وبإيعاز من الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان، الذي خرج بخفي حنين من لقائه بالرئيس الراحل هواري بومدين بعد الزيارة التي قام بها إلى الجزائر في أفريل 1975. والتي كانت أول زيارة يقوم بها رئيس فرنسي للجزائر المستقلة، رغم أن الرئيس الراحل "هواري بومدين" كان حريصا على إنجاح الزيارة رغبة منه في إقامة محور إفريقي آسيوي فرنسي، يخلص العالم من الثنائية القطبية بين السوفيات وأمريكا آنذاك. ورغم أهمية الزيارة فإنها لم تخل من مفاجآت ومواقف ثورية تعكس روح الدعابة عند الزعيم الجزائري، والتي حرص خلالها الرئيس بومدين، رحمه الله على أن تكون مميزة، فقد استقبل ضيفه هو شخصيا وبدل من أن يركبه السيارة الفرنسية التي كان يتنقل بها بومدين "الدياس بلاس" أركبه في سيارة مرسيدس الألمانية، خلفا للسيارة الفرنسية من علامة ''سيتروان''، التي كانت المفضّلة للشخصيات الفرنسية آنذاك، في دلالة من الرئيس بومدين لضيفه على أن الجزائر، تملك البدائل الكثيرة في التعاون وتعاملاتها الاقتصادية، كما أن هواري بومدين وضع في برنامج الاستقبال والضيافة تنقل الوفد الضيف في زيارة تاريخية لمدينة سكيكدة، حيث اختار الفريق الرئاسي هذه المدينة، باعتبار أنها تعرضت لأبشع المجازر إبان ثورة التحرير في 20 أوت 1955، على يد الاستعمار الفرنسي، ولتذكيره بالوجه البشع ل"فرنسا الاستعمارية وبأن الشعب الجزائري طوى الصفحة مع فرنسا لمجرد خروجها من أراضيه، ولكنه لم يمزقها وتاريخه الثوري لن ينساه وسيبقي راسخا في ذاكرة هذا الشعب للأبد". وفي مجاملة مميزة أيضا من الرئيس الراحل "هواري بومدين" تجاه ضيفه "جيسكار ديستان"، أمر "بومدين" بتزيين مائدة مأدبة العشاء التي أقامها لضيفه بزهور "أنيمون''، الذي هو نفس اسم زوجة "جيسكار ديستان" كدليل على الاحترام، والاهتمام بكافة التفاصيل، ورغم أهمية هذه الزيارة إلا أنها فشلت من أجل جملة واحدة قالها "جيسكار ديستان"، في خطابه وهي أن "فرنسا التاريخية تحيي الجزائر المستقلة". هذه الجملة أرادها الرئيس الفرنسي أن تكون كرد علي الرسائل التي وجهها له الرئيس الراحل هواري بومدين، وكانت النقطة التي انطلقت منها عملية تحريض المغرب على تنفيذ خطته لإشعال المنطقة وتهديد الأمن الحدودي للجزائر، فكانت عملية الاحتلال المباشر من طرف نظام المغرب للصحراء الغربية في شكل مسيرة سماها المخزن بالمسيرة الخضراء في نوفمبر من نفس السنة أي سنة 1975، شارك فيها 350 ألف شخص من عسكر ورجال أمن والحرس الملكي بلباس مدني لإيهام الرأي العام العالمي بأن هذا الاحتلال هو من طرف الشعب المغربي، وبذلك يكون الملك قد ورط شعبه في هذا الاحتلال. هذه الخطوة أو المؤامرة التي خطط لها ونفذها محور باريس الرباط لم تكن اعتباطية، ولما كانت نتائج نجاح سياسة القيادة الجزائرية في تلك الفترة والتي أقلقت فرنسا الاستعمارية. هذه المرحلة كانت حقبة حساسة وحاسمة في تاريخ الجزائر المستقلة وقيادتها، فتسارع الأحداث العالمية والأزمة الاقتصادية التي عرفها العالم في بداية السبعينيات جعلت الرئيس الراحل هواري بومدين، يخرج عن طوقه ويعلن عن قرارات صنّفت يومها في خانة القرارات المصيرية والحاسمة بالنسبة له وإلى دولة مازالت فرنسا الاستعمارية تتربص بها، وتبحث عن الفرصة السانحة للعودة إليها من جديد، كما كانت هذه القرارات امتحانا حقيقيا لقيادة الثورة أو ما كان يعرف يومها بمجلس الثورة، هذه القرارات جاءت حاسمة واستطاعت أن تغير مسار التاريخ وتخلط أوراق الدول الاستعمارية وعلى رأسها فرنسا في المنطقة، وأظهرت للعالم الصورة الحقيقية للسياسة الجديدة التي سطرتها آنذاك قيادة البلاد. الأمر الذي جعل كل القوى العالمية يومها تحول أضواءها الكاشفة نحو ما يحدث في الجزائر، وما قام به بومدين فسارعت آلتها الدبلوماسية مدعمة بأجهزتها المخابراتية لاكتشاف الأمر ولاحتواء الوضع، ومعرفة حقيقة ما يحدث والمغزى من اختيار هذا التوقيت بالذات من طرف بومدين، للقيام بكل هذاالتحرك، خصوصا وأن العالم الغربي الاستعماري يومها كان قد تنفس الصعداء بعد وفاة الزعيم المصري جمال عبد الناصر، ونهاية أسطورة الزعامة القومية العربية، وأهم هذه القرارات التي اتخذها بومدين كان الإعلان عن تأميم المحروقات سنة 1971. هذا القرار الذي أدىّ إلى توتر العلاقات الجزائرية الفرنسية، حيث قاطعت فرنسا شراء النفط الجزائري وكانت تسميه: "البترول الأحمر" و بعد اقل من عام استقبل بومدين بالجزائر العاصمة الرئيس الكوبي فيدل كاسترو، سنة 1972 الحليف الأساسي للاتحاد السوفياتي والقطب الشيوعي، والذي كان محاصرا ومغضوبا عليه من طرف أمريكا والحلف الأطلسي والعدو اللدود لهم، بالإضافة إلى مشاركة الجزائر الفعالة في الحرب العربية الاسرائيلة سنة 1973، والدور الذي لعبه الرئيس هواري بومدين، في كسر الحصار الذي كان مضروبا على الدول العربية في الحصول على السلاح في نفس السنة أيضا استضافت الجزائر قمّة دول عدم الانحياز سنة 1973، والقرارات التي خلصت إليها تلك القمة واستقبل هواري بومدين، لأزيد من سبعين من رؤساء دول وحكومات وكان جمعا لم يسبق له مثيل في التاريخ من ذلك المستوى، وترأس بومدين سنة 1974 بمقر الأممالمتحدة بنيويورك، الدورة الطارئة الاستثنائية لهيئة الأممالمتحدة عام 1974، وحديثه عن نظام دولي جديد كل هذه المحطات أقلقت فرنسا وسارع رئيسها فالري جيسكار ديستان بزيارة الجزائر في 1975. المغرب يهاجم والجزائر تنتقم بومدين كان سيعلن الحرب على المغرب باستخدام الطائرات والمقنبلات الجيش الجزائري أسر نحو 350 من القوات المغربية في أمڤالا2 سليم سعدي هو مهندس عملية أمڤالا2 دريد لبومدين: "إذا حبيتني نقنبل الملك في قصرو وهو يشرب كاس لاتاي الصباح نقنبلو" الصحراء الغربية تتوفر على مواد إستراتيجية تمثل أربع مرات احتياطي العالم أحيطت عمليتا "أمڤالا 1 و2"، كما اصطلح على تسميتهما تاريخيا، بالكثير من اللبس والغموض والأسرار التي لم يقف عليها سوى من شهد العمليتين أو كان قريبا منه، وبقي الحدثان على الجانبين الجزائري والمغربي طي الكتمان أحيانا والتحفّظ أحيانا، والمغالطات والتضليل أحيانا أخرى. أما حقيقة العمليتين فلم تكن سوى هجوم مغربي على قوات جزائرية ضللت عن مسارها بفعل "الرقابيين" وهم من البدو الراحل أستغلهم نظام المخزن في تنفيذ مؤامرته وخطته في استدراج قوات الجيش الجزائري إلى خارج الحدود، حسب تصريح الرقيب مزيان عبد القادر ل"السلام"، ورد فعل جزائري انتقامي على العملية التي أودت بحياة جنود جزائريين، وخلفت أسرى وجرحى مما أثار حفيظة الرئيس الراحل هواري بومدين، حسب تأكيد الأمين العام للمنظمة الوطنية لتواصل الأجيال عبد الحفيظ لحول، وكان وقتها عسكريا يعمل بالمديرية المركزية للتموين التابعة للجيش الشعبي الوطني. يقول عبد الحفيظ لحول، في تصريح خص به "السلام" في هذا الصدد، إن "أمڤالا1" لم تكن سوى كمينا أعدته القوات المغربية بإحكام للقوات الجزائرية، وفاجأتها ليلا بعد أن توغلت داخل التراب الصحراوي. وفي تلك الفترة لم تكن القوات الجزائرية تتوفر على دبابات مجهزة بالأشعة تحت الحمراء. فتعرضت مجموعة منها إلى التحطيم في هذه العملية، وقتل العديد من الجنود وأسر آخرون. ويضيف لحول، أن الرئيس الراحل هواري بومدين، حسب ما وصله من معلومات من قيادات حضرت اجتماعا عاجلا معه إثر العملية، اغتاظ غيضا شديدا لدى سماعه الخبر. وكان سيعلن حربا على المملكة المغربية باستخدام الطائرات والمقنبلات، لولا تدخل بعض القيادات الرشيدة التي أقنعته بالعدول عن قرار الحرب، ووعدت بالانتقام لعملية "أمڤالا1". ومن بين هذه القيادات يذكر محدثنا محمد الصالح يحياوي، الذي كان له دور فعال في إقناع الرئيس بإلغاء فكرة الحرب في مقابل التخطيط للانتقام. يستذكر مزيان عبد القادر، في تصريحه ل"السلام" رحلته إلى مشرية ثم منها إلى عين الصفراء، وصولا إلى الجبهة لجمع أنقاض عملية أمڤالا1 ثم مشاركته في عملية أمڤالا2 بعدها بأشهر ضمن صفوف المشاة المحمولة الميكانيكية التاسعة، الفيلق التاسع، الكتيبة الثالثة. ويروي أن من عناصر القوات المغربية المشاركة في العملية من كان قد شارك في الحرب العربية الإسرائيلية على الجبهة المصرية، ويعرف حقيقة اللواء الثامن الجزائري، وقدراته العالية من خلال مشاركته في الحرب نفسها، وقد ساهمت عناصره وقتها، في إصلاح الأسلحة الفاسدة التي زودت بها القوات المغربية. وبالفعل تم ذلك في عملية "أمڤالا2" "فتوغلت قواتنا مطاردة القوات الملكية المغربية إلى الكيلومتر 103 داخل التراب المغربي، واستطاعت أن تأسر عشرات من الجنود المغاربة وتسلمهم إلى الجيش الصحراوي التابع لمنظمة البوليزاريو". ويقدر عبد الحفيظ لحول، عدد أسرى العملية بنحو 350 أسير مغربي، انطلاقا مما أعد لهم من أغطية وأفرشة في مصلحة التموين التي كان يشتغل لحسابها. وعن تفاصيل "أمڤالا2" يقول محدثنا إن العملية نفذتها فرق المشاة بدقة وبسرعة، بالتعاون مع مجموعة من الكوموندو وبتغطية جوية قوية. ويذكّر في هذا المقام بالطيار الجزائري الرائد أحمد دريد، الذي كان يقلق النظام الملكي يوميا بتحليقاته التي وصلت إلى حدود القصر الملكي ذاته. فقد كان يقوم بالتحليق فوق القصر الملكي ويعود إلى القاعدة بتندوف، دون أن يكتشفه أي رادار مغربي. وينقل عن صديق له أن أحمد دريد، قال للرئيس هواري بومدين في إحدى المرات: "إذا حبيتني نقنبل الملك في قصرو وهو يشرب كاس لاتاي الصباح نقنبلو". بطولة الرائد أحمد دريد معروفة من قبل، فقد استطاع الوصول إلى تل أبيب أثناء الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، ثم حلّق منها عائدا إلى الجبهة العربية في مصر دون أن يمسسه سوء. وقد اشترك في عملية "أمڤالا2" العديد من الجنود الذين شاركوا في الحروب العربية الإسرائلية، ومنهم الرقيب مزيان عبد القادر، فبعد عودته من الجبهة المصرية عام 1975 استدعي إلى الجبهة مع المغرب. وعن مهندس العملية الانتقامية أمڤالا2، يقول عبد الحفيظ لحول، إن المخطط للعملية هو سليم سعدي. وكان يشرف آنذاك، على قطاع حساس جدا وهو النقل العسكري. ومن القيادات التي كانت تشرف على حقل العمليات في تلك الفترة، وفق ما كشفه محدثنا محمد الصالح يحياوي، محمد علاق، ليامين زروال، الكابيتان جميعي.. وغيرهم ويرى المتحدث أن أساس المشكل مع المغرب، ليس كما يتصوره البعض مرتبطا بأطماع في الأراضي الصحراوية الشاسعة، ولا في الرغبة في فتح بوابة عبر الصحراء لتصدير الفوسفات، ولكن في توفر الرقعة الصحراوية على "مواد إستراتيجية تمثل أربع مرات احتياطي العالم". فسعي الجزائر هو للحفاظ على "ما نمتلكه من عرق ممتد من تندوف ويغذّي كل منطقة تمنراست، ونمتلك الخرائط والجرد الجيولوجي الكامل. إن الجزائر تدافع عن مصالحها بينما المغرب يعمل لصالح فرنسا التي تسعى لإقامة مفاعلات نووية في منطقة تتوفر فيها المواد الخام بكثرة. وهذا ما جعلها ترابط، الآن، في البلدان المجاورة كالنيجر، ومالي، ونيجيريا، غير بعيد عن الحقول المذكورة. إذا القضية تتعلق بالدفاع عن مصالحنا، ومصالح الأجيال الصاعدة في هذه الثروات الطبيعية الممتدة باطنيا. وخلاصة أمڤالا2 أنها عملية بطولية، يشكر عليها من خطط لها ومن نفذها. وأستطيع أن أقول إن هذه العملية بقيت درسا للنظام الملكي المغربي مدى الحياة".