ما جدوى سن قانون إن لم ترافقه مراسيم تطبيقية تُفعّلُه، مثلما يقول نواب ورجال قانون؟ سؤال يطرح بإلحاح مع وجود قانون لمكافحة الجريمة الإلكترونية غير معمول به في بلاد، قليل فيها من هم خبراء في هذا الميدان الخطر مستقبلا، خصوصا وأن الحكومة تحضّر نفسها لإطلاق قنوات تلفزيونية خاصة، ستزيد من فرص إثارة انتباه قراصنة المعلومات والإنترنت و«مثيري الشغب» الإعلامي بمهاجمة مواقعها، فضلا عن الأخطار الملازمة لكل جزائري لم يبلغ الثامنة عشر على الأقل. والطفولة أكثر الفئات تأثرا بما يروّج في الشبكة العنكبوتية. عدل متوسطٌ وطنيا مع ضعف انتشار الخدمات الإلكترونية أكد فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الوطنية لترقية وحماية حقوق الإنسان، صعوبة تطبيق القوانين المعاقبة على الجريمة الإلكترونية في الجزائر، لقلّة خبرتها في هذا الشق، وغياب المختصين والخبراء القادرين على تشخيص الجريمة قبل عرضها على المحكمة للفصل فيها. وقال قسنطيني في تصريح ل«السلام» إن «استصدار الجزائر قوانين لمعاقبة مرتكبي الجرائم الإلكترونية غير كاف، مع عدم تهيئة الأسس التقنية الكفيلة بتصنيف درجات هذه الجرائم وحدّة أضرارها قبل إصدار العقوبة، هذا فضلا عن غياب التواصل الدائم بين القضاء والمختصين في الاتصالات، ما أفرز شبه تذبذب وغموض في شأن العقوبات الدقيقة في مثل هذه الجرائم». في السياق ذاته أوضح محدثنا أن القانون الجزائري، يعاقب في الغالب مرتكبي هذه الجرائم بالسجن القصير المدى أو بالغرامة المالية، «بحكم أن جل الجرائم الإلكترونية المرتكبة في الجزائر تصب أو تصنّف قانونيا كسرقة»، مبرزا أن المعدل العام لهذه الجرائم في الجزائر متوسط مقارنة بباقي دول العالم، محذّرا من تنامي هذه الجرائم في السنوات الأخيرة على المستوى الوطني، مع بداية مرحلة إدمان الجزائري على الإنترنت، وما يصاحبها من خدمات إلكترونية. ودعا رئيس اللجنة الوطنية لترقية وحماية حقوق الإنسان. الحكومة إلى ضرورة استحداث إستراتيجيات عقابية وتقنية لحماية ضحايا هذه الجرائم، خاصة فئة الأطفال ورجال المال كونهم الأكثر عرضة لها. قانون الوقاية من الجرائم الإلكترونية مبتور وغير مكتمل المراسيم بن خلاف: مشكلتنا لصوص تعدوا على النصوص وحكومة أهملت سُبل تجسيد القانون أكد لخضر بن خلاف، رئيس الكتلة البرلمانية لجبهة العدالة والتنمية، تطاول وسطو من وصفهم باللصوص، على نصوص قانون الوقاية من الجريمة الإلكترونية، ما أفرز فوضى وغموضا كبيرين في معالجة القضايا في هذا الشأن، بعدما استنكر إهمال الحكومة إتمام مراسيم هذا القانون منذ سنة 2009، وقال «إنه مبتور وفي حاجة إلى استكمال»، في إشارة إلى المراسيم التنفيذية المساعدة على تطبيق هذا القانون. وقال بن خلاف، في تصريح خص به «السلام» إن «مشكلتنا في قوانين سنّتها الحكومة فيما يخص الجريمة الإلكترونية ولم تطبّقها»، مضيفا «هناك مراسيم متعلقة بهذا القانون المصادق عليه سنة 2009، لم تصدر لحد الساعة ولأسباب مجهولة»، ما جعل حسب محدثنا معالجة القضايا من هذا الشأن تصطدم بشبه فراغ قانوني، ما أدى في عديد الحالات إلى استصدار أحكام وعقوبات تقريبية لا سند لها. كما دعا رئيس الكتلة البرلمانية لجبهة العدالة والتنمية، الحكومة إلى ضرورة مراجعة موقفها تجاه هذا القانون، وقال «لا بد من إيلائه أهمية أكبر في ظل دخول الشارع الجزائري نفق الإدمان، والاعتماد الرهيب على شبكة الإنترنت وما يصاحبها من آليات وخدمات إلكترونية، فضلا عن فتح مجال السمعي البصري، الذي يمكن أن يصطدم بمثل هذه الجرائم مستقبلا»، مشددا في السياق ذاته على ضرورة تشريع قوانين جديدة تكرّس العقاب الصارم لكبح مثل هذه الجرائم التي وصفها ب«الخطيرة والمدمّرة». الطفل الجزائري غير محمي قانونيا من الجريمة الإلكترونية شددت بن عودة مليكة، الدكتورة في القانون الدولي من جامعة البليدة، على ضرورة خلق قانون خاص يعاقب على الجريمة الإلكترونية في حق الأطفال بالجزائر، كونهم غير محميين من منطلق أن الجزائر تتعامل وفق نصوص القانون الجنائي في هذا النوع من الجرائم. وقالت «نحن متأخرون جدا في هذا المجال مقارنة بالدول المتقدمة، يجب وضع مكافحة الجريمة الإلكترونية في إطارها القانوني، من خلال استحداث قانون خاص يتعامل مع الجريمة الإلكترونية ويتابع المتسببين فيها، مثلما يعاقب أي مجرم أقدم على ارتكاب جريمة في الشارع»، وأشارت إلى أن القانون الجنائي التقليدي هو المطبّق في هذه الحالات في الجزائر خاصة، وفي الوطن العربي عموما، وهو ما اعتبرته غير كاف، مقترحة خلق قوانين خاصة بالعرب والمسلمين في هذا الشأن. 19 مادة موزعة على 6 فصول.. ولا شيء حتى الآن البرلمان اكتفى بالمصادقة على قانون الوقاية من الجريمة الإلكترونية وأهمل واقعها صادق المجلس الشعبي الوطني الأربعاء 8 جويلية 2009، بالإجماع على مشروع القانون الخاص بالوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال ومكافحتها، إلا أن تجسيد بنوده على أرض الواقع ضعيف إلى حد الساعة، بعدما أهملت الجوانب التقنية الكفيلة بتصنيف هذه الجرائم وتحديد العقوبة المناسبة في حق مرتكبيها، واقتصرت العقوبات في أغلب الأحيان على الغرامة المالية. يتضمن القانون 19 مادة موزعة على 6 فصول، أعده نخبة من رجال القانون بمشاركة خبراء ومهنيين مختصين في مجال الإعلام الإلكتروني من كافة القطاعات المعنية، يتضمن القانون أحكاما خاصة بالمراقبة الإلكترونية التي لا يجوز إجراؤها، إلا بإذن من السلطة القضائية المختصة وفي حالات تم تحديدها، وهي الأفعال الموصوفة بجرائم الإرهاب والتخريب والجرائم الماسة بأمن الدولة، أو حالة توفر معلومات عن اعتداء محتمل يهدد منظومة من المنظومات المعلوماتية لمؤسسات الدولة أو الدفاع الوطني أو النظام العام، وينص القانون أيضا على إنشاء هيئة وطنية للوقاية من الإجرام المتصل بتكنولوجيات الإعلام والاتصال، ومكافحته تتولى تنشيط وتنسيق عمليات الوقاية من الجرائم المعلوماتية، ومساعدة السلطات القضائية ومصالح الشرطة القضائية في التحريات التي تجريها بشأن هذه الجرائم، وتتكفّل اللجنة أيضا بتبادل المعلومات مع نظيراتها في الخارج، علما أن القانون أكد على مبدأ التعاون الدولي من منطلق المعاملة بالمثل. شبكات «فيسبوك»، «تويتر»، و«غوغل» تزخر بملايين البيانات الشخصية والصور المرشحة ل«البيع» قدّرت التقارير الأخيرة حجم المبالغ التي يجنيها لصوص الإنترنت بنحو 160 مليار دولار سنويا، بمعدل 48 ألف دولار شهريا. يجد لصوص الانترنت في مواقع التواصل الاجتماعي فرصة ذهبية لتحقيق أموال طائلة، حيث تزخر شبكات مثل «فيسبوك»، «تويتر»، و«غوغل» بملايين البيانات الشخصية والصور للمشتركين، ولأن البيانات الشخصية أصبحت العملة الرائجة اليوم في الأسواق الرقمية، ومثلها مثل أي عملة، فإنها تحتاج إلى وجود أجواء من الاستقرار والثقة عبر إصدار تشريعات وقوانين لحماية البيانات الشخصية من عمليات الاختراق والسرقة التي تتعرض لها بصورة كبيرة حاليا. وتعتبر أرقام الهواتف المحمولة من أهم جوانب بيع وشراء البيانات وكذلك أرقام الحسابات البنكية، والبطاقات الائتمانية فالمستخدم العادي أصبح مستهدفا بأشكال كثيرة لسرقة بياناته وأمواله، والتي يمكن استخدامها في غسيل الأموال مثلا دون أن يدري، لذا يجب على المستخدمين عدم الاحتفاظ ببيانات شخصية أو مالية على أجهزتهم، لتقليل المخاطر التي يمكن الاختراق عن طريقها، وعليه اتفق خبراء التقنيات الجديدة على أن المعطيات الرقمية تمثل الوقود الحيوي لهذا القرن. وخلال الدورة الأخيرة لمؤتمر «ديجتال لايف ديزاين» (تصاميم الحياة الرقمية)، الذي يعقد سنويا في ميونيخ بألمانيا، أشارت فيفيان ريدنغ، نائبة رئيس المفوضية الأوروبية للعدل، إلى أهمية التركيز على تحكم المستهلكين ببياناتهم الشخصية لأنها العملة الرائجة اليوم في الأسواق الرقمية، ومثلها مثل أي عملة فإنها تحتاج إلى وجود أجواء من الاستقرار، والثقة عبر إصدار تشريعات لصالح المستهلكين لحماية بياناتهم الشخصية. 14 متضررا في الثانية ومليون ضحية في اليوم كشفت تقارير لشركات أمريكية لحماية الشبكة الإلكترونية، أن المعدل السنوي لكلفة الجرائم الإلكترونية حول العالم، يبلغ 114 مليار دولار، وأكدت أن 500 مليون بالغ يقعون ضحية للتهديدات الإلكترونية، أي ما معدله مليون ضحية يوميا و14 في الثانية، وأشارت التقارير نفسها إلى أن كلفة الجرائم الإلكترونية تجاوزت قيمة السوق السوداء للماريجوانا والكوكايين والهيرويين، والتي تبلغ 288 مليار دولار، وأن ثلثي البالغين حول العالم أي 69 بالمئة كانوا ضحايا للجرائم الإلكترونية في حياتهم. حسب الإنتربول: الجزائر تتوفر على إمكانات كبيرة لمكافحة الجريمة الإلكترونية بإفريقي صرحت ميراي باليسرازي، رئيسة المنظمة الدولية للشرطة الجنائية الأنتربول، أن الجزائر تتوفر على الإمكانيات الخاصة بمكافحة الجرائم الإلكترونية. وأشارت باليسترازي للصحافة على هامش أشغال الدورة ال22 للندوة الإقليمية الإفريقية للأنتربول بوهران قبل أشهر، الى أن الجزائر «تتوفر على وسائل مكافحة هذه الظاهرة بشكل أحسن من بلدان أخرى في المنطقة»، مضيفة أن «الأنتربول حدد كأولوية مساعدة البلدان الإفريقية التي تتوفر على وسائل تقنية أقل». وذكرت المتحدثة أيضا أن الجزائر تقيم علاقات تعاون تقني مع عدة بلدان بإفريقيا بجعل هذه الأخيرة تستفيد من خبرتها ومساعدتها، مضيفة بالقول «كثيرة هي البلدان الإفريقية التي تلتمس من الأنتربول تكوين متخصصين في مكافحة الجريمة الإلكترونية»، مشيرة إلى «صعوبة هذه المهمة كون المجرمين عبر الإنترنت يكيّفون باستمرار أساليبهم مع التطورات التكنولوجية». الجزائر في المراتب الأولى إفريقيا وعربيا من حيث الجريمة الإلكترونية إحتلت الجزائر بناءا على التقارير الأخيرة المراتب الأولى إفريقيا وعربيا بنسبة 85 بالمئة في القرصنة والجريمة الإلكترونية، ما جعلها الجزائر من بين أبرز عينات واهتمامات تقارير المنظمات والهيئات الدولية المختصة. وكانت الجزائر ضمن مجموعة الدول المدرجة في مشروع إعداد بحث لتحديد آلية تطور الهجمات الإلكترونية خلال السنوات الثمانية المقبلة، من طرف منظمة «التحالف الدولي لحماية أمن الأنترنت»، الذي يتضمن تقديم إرشادات لحكومات الدول والسلطات المحلية حول أفضل السبل المتاحة لمواجهة هذه الهجمات. وقالت المنظمة، التي تضم هيئات قانونية وشركات أمنية وتجارية مثل شركة «فيزا أوروبا» وشركة الفضاء والدفاع الجوي الأوروبية، إن توفير فرص إستخدام الإنترنت في أجزاء من قارات إفريقيا وآسيا وشرق أوروبا ستؤدي إلى بروز مشكلات. وأوضح رئيس منظمة التحالف الدولي لحماية أمن الأنترنت، أن «الأمر ليس مجرد وضع علامة سوداء على دولة بعينها، لأن الكثير من هذه الدول تستضيف شبكات الجرائم الإلكترونية رغما عنها». وأشار إلى أن «الهدف هو العمل مع هذه الدول عن طريق تقديم الدعم لتعزيز البنية التحتية لديها لمحاربة الجرائم الإلكترونية، ودعم إقتصاداتها والمؤسسات المنفذة للقانون التي تطارد مرتكبي الجرائم الإلكترونية الذين ينشطون في هذه الدول»، وعلى الرغم من أن المشروع الدولي بدأ حاليا، فإن المنظمة الدولية بدأت بالفعل في اتخاذ بعض الخطوات. فقد بدأ أفراد من وكالة مكافحة الجريمة المنظمة الخطيرة في بريطانيا العمل مع حكومة غانا لمساعدتها على اتخاذ إجراءات تقنية لمنع الجرائم الإلكترونية وضمان مقاضاة منفذيها.