عندما تستنجد المعارضة بالشعب، في "هيئة التشاور والمتابعة"، في رسالة إلى الجزائريين بمناسبة ستينية الثورة، تقول فيها "سنزل إلى الشارع إذا احتضن الشعب النداء"، فهذا دليل على غربة المعارضة أو أن التنسيقية استهلكت خطابها الذي لم يتجاوز البُعد النظري في طرح فكرة تغيير النظام. الخرجات الأخيرة لتنسيقية الانتقال الديمقراطي، وما صاحبها من شقلبات في خطاب فاعليها، أعادت المعارضة إلى وضع الدفاع، وربما البحث عن تكتيك جديد لعله ينجح في تمرير فكرة تغيير النظام، ولا نقول "مشروع" في وقت حضرت أرضية التغيير وغابت أساليب تجسيده، فلما تدرج المعارضة في رسالتها للشعب أن "طريق الخلاص ينبني على التوافق دون إقصاء لأي طرف للخروج من الأزمة، وتنظيم انتقال ديمقراطي توافقي مع السلطة السياسية"، فهذا يعني أن المعارضة لم تنجح في تثبيت موقفها المنبثق عن ندوة مزفران. ما سمعناه منذ أشهر لا ينسجم مع هذه الفكرة، فهل مبادرة الأفافاس دفعت التنسيقية لتغيير تكتيكها؟ وإن كان التسويق الجديد إيجابي يعكس تراجعا عن الخطاب المتصلب، وهو ما ظهر أيضا في تراجع رئيس "حمس" عن تصريحاته ضد نقاش الإجماع الوطني الذي طرحه الأفافاس، وعاد وقال "إن المبادرة ايجابية من حيث الفرز الذي ستحققه للمنظومة الحزبية ولا توجد فرصة للمنافسة بين المبادرات".. وهي مؤشرات أن التنسيقية عادت إلى فكرة تغيير النظام من الداخل، بعدما استهلكت كل خطاباتها الرافضة للفكرة وأطلقت سيلا من الاتهامات ضد الأفافاس. وظهرت جبهة القوى الاشتراكية، التي أعطت الانطباع أنها ستمُر بفكرة الإجماع، إلى أفق بعيد يتجاوز كل الإيديولوجيات بتحريكها لملف أكبر من السلطة والمعارضة، يطرح أسسا جديدة لبناء دولة مدنية تحقق آمال الجزائريين في كل المجالات، وهي أمام مشكل حقيقي في الاتصال بعد إطلاقها للمشاورات الثنائية، فعادت لتهتم بالمسائل الهامشية والدفاع الذاتي في ردها على اتهامات المعارضة بعقد صفقة مع النظام، بالتذكير بمسار الحزب ونشاطه في البرلمان، لكن الحقيقة أن هذه الإتهامات كانت تلاحقها في كل السنوات الأخيرة، ونفس المعارضة بدأت تُغير خطابها، فكان على حزب الدا لحسين تجاوز الأمر والمضي لتجسيد المبادرة وعدم الالتفات خطوة إلى الوراء. في الضفة الأخرى تحاول السلطة التي استهلكت الشرعية الثورية إرسال رسائل عبر أحزاب الموالاة، للخروج من أزمات متعددة، فلما يقول أمين عام الأفلان عمار سعداني بخصوص مبادرة الأفافاس "لن نتأخر عن دعم أي مبادرة سلمية هدفها حماية الجزائر من المخاطر الخارجية، وتوحيد الصف الداخلي، ولم الجهود من أجل التنمية وخدمة المواطن وبناء دولة مدنية" فهو بذاته اعتبار نداء الأفافاس "نداء وطنيا لا يجري تحت الضغوط، أو تدفعه أطماع سياسية"، ما يعني أن هناك غرادة في التغيير وأن السلطة بحاجة ماسة إلى منقذ لتعثر مشاورات الدستور، ما اتضح جليا في رسالة سعداني للأحزاب بقوله "أعتقد أن جميع الأحزاب الوطنية ذات الوزن السياسي ستستجيب لنداء الأفافاس".