الوضع المتعفن الذي أصبحت تعرفه الأحزاب الإسلامية في بلادنا يدعو وبشدة إلى دق ناقوس الخطر، ويفرض علينا إطلاق صفارة الإنذار، للتحذير من وضع لا يمكن السكوت عنه، ففي الوقت الذي كان لابد للتيار الإسلامي أن يكون القدوة الحسنة في تقديم الصورة المثلى لأسلوب راقٍ في الحوار وإعطاء مستوى مؤدب وأخلاقي في ممارسة السياسة، تحولت وبمعية مشايخها ورموزها إلى فضاء للإقتتال وآلة للهدم وإنتاج العنف، فما وقع في بيت الإصلاح من مواجهة بين الأخوة الفرقاء، إستعملت فيها السكاكين والمتاريس والآلات الحديدية، ليست بالظاهرة الفريدة أو الوحيدة التي يعرفها حزب إسلامي، فقد وقعت أحداث مشابهة من قبل عاشتها كل من حركة النهضة، وكذلك حركة حمس وقبلهما الحزب المحل وحتى أيام السرية كانت قد وقعت مواجهات وصدامات بين ما كان يطلق عليهم حينها”بالإخوان المسلمين”، حيث عرفت مواجهات بين تيارات محسوبة على أطراف ضد أطراف أخرى، وكل هذه الموجات كانت تحصل عندما يتخلى التيار أو الحزب عن عمله الدعوي ويركب قطار البحث عن السلطة أو طموح قيادته لتبوء مناصب في الدولة. الإسلام السياسي الذي سعت وجوه وقيادات معروفة في النشاط الدعوي أن تجعله لا يختلف عن الممارسة الحزبية، وناضلت لسنين من أجل إقناع الرأي العام بأنه يمكن تسييس الإسلام، اتضح في الأخير بأن لا زواج بين السياسة والدين، وما التحول الذي أبداه كل من جاب الله وبن عبد السلام ومناصر، من أن لا تخندق بعد اليوم في رواق الحزب الإسلامي وأن الأحزاب التي أعلنوا عنها ستكون مفتوحة لكل التوجهات، لدليل على أن لا مكان بعد اليوم لما يعرف بالإسلام السياسي في قاموس النضال الحزبي، وأن السياسة لا يمكن تغليفها بالإسلام واللعب على الوتر الحساس للتمويه، واستدراج الأتباع ودغدغة المشاعر ولكن ليس لأن الإسلام لا يصلح لأن يكون مشروع سياسي، وليس لأن الإسلام لا يرتقى لأن يكون نظام حكم وإنما العكس، لأن السياسة لا يمكنها أن تتوافق مع الإسلام. ويبقى الإختلاف مهما حدث ظاهرية صحية في الممارسة السياسية، إذا ما كان مبنيا على أسس الرأي والرأي الآخر، ومستوحى من أدبيات النضال السياسي المحترف، فكما يقول المثل: “إذا اختلفنا، فمعنى هذا أننا في الطريق الصحيح للوصول إلى الحقيقة، وإذا لم نتفق فليس بالضرورة علينا أن نفترق”، لتبقى السياسة الوسيلة الأساسية للوصول إلى الحكم، ويبقى الإسلام الميثاق الذي يبنى به الحكم، وتهذب به السياسة.