عبّر أصحاب الجبة السوداء عن تفاؤلهم بالأحكام المنتظر أن تصدرها محكمة الجنايات بمجلس قضاء الجزائر الثلاثاء القادم في قضية سوناطراك 1، مجدّدين ثقتهم في التشكيلة القضائية على رأسها القاضي محمد رقاد. بدأت أجواء التحضير لفتح أكبر ملفات الفساد في الجزائر نهاية شهر ديسمبر الفارط على قدم وساق، وحرصت النيابة العامة على أن تكون الجلسة علنية للجميع من خلال الإستعانة بكاميرا داخل قاعة المحكمة الجنائية وإيصالها بجهاز عرض حائطي لنقل ما يحدث داخل القاعة، مع تخصيص كراسي خارجها لإستيعاب العدد الهائل من الحاضرين، كما عملت النيابة على تنظيم قاعة الجلسات تنظيما محكما من خلال تخصيص أربعة مدرجات للمحاميين، خمسة للصحفيين، صفين للشهود وصف للمترجمين المعتمدين لدى مجلس قضاء الجزائر. الخزينة العمومية الطرف غير المرغوب فيه إنطلقت جلسات المحاكمة المراطونية بتاريخ ال27 ديسمبر من السنة الفارطة، بتقديم دفوعات شكلية من قبل هيئة الدفاع التي دخلت في نقاش قانوني حاد بخصوص تأسس الخزينة العمومية طرفا مدنيا في القضية، وكان محاميها "حجر عثرة" حاول الدفاع إزاحتهما من الطريق منذ البداية تفاديا لأي تعويضات مالية تثقل كاهل موكليهم في الدعوة المدنية، إلا أن المحكمة الجنائية قررت تأجيل الفصل في ذلك إلى غاية الدعوى الجزائية. وانطلقت جلسة المحاكمة بقراءة قرار الإحالة الصادر عن غرفة الاتهام بمجلس قضاء الجزائر سنة 2011 والمتكون من 289 ورقة تضم تلخيصا للتحقيق الذي قامت به مصالح الضبطية القضائية السابقة لما كان يعرف بدائرة الأمن والإستعلامات، إضافة إلى محاضر استجواب المتهمين ال19 من أشخاص طبيعية ومعنوية أمام قاضي التحقيق في الموضوع والحضور الأول. لم تكن المهمة سهلة على كاتب الضبط الذي إستمر في القراءة لمدة ثلاثة أيام من التاسعة والنصف صباحا إلى السادسة مساء تتخلّلها استراحة بين الفينة والأخرى لمدة ربع ساعة إلى 20 دقيقة على أكثر تقدير. عرفت الجلسات الأولى من المحاكمة تغطية إعلامية وطنية ودولية مكثفة، خصوصا ما تعلق بالقنوات التلفزيونية، التي انسحب بعضها بعد انطلاق المحاكمة فيما استمرت أربع قنوات تلفزيونية في تغطية المحاكمة طيلة 24 يوما بالتوازي مع الصحافة المكتوبة والإلكترونية باللغتين العربية والفرنسية . لم يكن على السهل على المتهمين، محاميهم وأهاليهم قراءة الأسماء والتهم الموجّهة إليهم يوميا، ما خلق حساسية بين بعض المتهمين ومحاميهم من جهة ورجال الإعلام من جهة أخرى خصوصا أن تفادي ذكر الاسم كاملا للمتهمين كان سيؤدي حتما إلى خلط في الأسماء المتشابهة. انطلقت جلسات إستجواب المتهمين وأعطى القاضي الحرية الكاملة والوقت الكافي للمتهمين في الدفاع عن أنفسهم، إلا أن المحامين كانوا يعترضون أحيانا على أسئلة القاضي بصوت مرتفع وهو ما يمنعه القانون كون محكمة الجنايات تملك الصلاحيات في استجواب المتهمين، قبل أن تعطي حق السؤال لباقي الأطراف، ورغم تمادي المحامين في هذا الموقف، إلا أن القاضي محمد رقاد أبدى صبرا واسعا وطول بال جعله يرد بحكمة على كل تلك الإستفزازات تفاديا لأي مناوشات بين هيئة المحكمة والدفاع. كانت البداية بالمتهم آل اسماعيل محمد رضا جعفر شاب في العقد الرابع من العمر امتلك من الممتلكات الفكرية والخبرة المهنية ما يكفي ليشرح طبيعة نشاط الشركات التي أسّسها وكيف شق طريقه للظفر بمناقصات مع المجمع النفطي، بدى الذهاء على آل اسماعيل واضحا بطريقة لفتت انتباه المحكمة التي كانت تطرح عليهم أسئلة محدّدة وتعيدها بين الحين والآخر للتأكد من أن المتهم لم يغيّر أقواله، استمر استجواب آل اسماعيل أزيد من يوم أجاب بكل ثقة على أسئلة النيابة العامة الطرف المدني وحتى محاميه ليأتي الدور على المتهم حساني مصطفى مدير الإنتاج بنشاط المصب كهل في العقد السادس من العمر قدم إجابات جد مختصرة على أسئلة القاضي في حدود اختصاصه، أما المتهم شيخ مصطفى مسؤول التنقيب بنفس النشاط فلم تتجاوز مدة استجوابه من قبل المحكمة نصف ساعة. جاء الدور على بلقاسم بومدين نائب المدير العام المكلف بنشاط المنبع كانت سيرته الذاتية مرآة عكست الخبرة والمؤهلات المهنية التي يمتلكها في مجال المحروقات. جاءت إجابة "هواوي بومدين " كما نادى القاضي المتهم عن زلة لسان، متسلسلة من حيث الأحداث والوقائع وتحديد المسؤوليات من خلال التنظيم الهيكلي لسوناطراك. زرقين يريد حق الرد جاء الدور على محمد رضا مزيان الابن البكر للمدير العام لسوناطراك، الأخير قدم إجابات استفزازية نوعا ما وكان واثقا أنه لم يخطئ عندما تعاقد مع شركات أجنبية كمستشار، رغم أن هذه الشركات كانت تشارك في صفقات مع المجمع النفطي الذي يشرف والده على تسييره وراح يقارن الأمر مع ابني المدير العام الأسبق عبد الحميد زرقين العاملان مع شركة " شلومبارغ" ،وهو الخبر الساخن الذين تصدر مقدمات الأخبار الرئيسية وعناوين الصحف الوطنية في اليوم الموالي ما أثار حفيظة زرقين الذي راح يبحث عن حق الرد في بعض الجرائد. بشير فوزي أكثر رزانة بعد رضا نادى القاضي على بشير فوزي الابن الأصغر لمحمد رضا مزيان كان في صحة متدهورة واضطر القاضي إلى استجوابه وهو جالس، بدى عليه التأثر وهو يروي تفاصيل علاقته "الباردة" مع والده وراح يبكي كالطفل الصغير عندما تذكر أمه جرود قوسم التي توفيت خلال التحقيق في القضية ما اضطر القاضي إلى رفع الجلسة إلى غاية أن يهدأ بشير فوزي، الأخير كان أكثر حكمة وهدوء في إجاباته بخصوص التهم الموجهة إليه أكثر من أخيه، وهو ما أثار انتباه المحكمة، حيث قال له القاضي " يبدو أنك الأكبر سنا من أخيك". أمام المتهم مغاوي يزيد إلياس فبدى مرتبطا كثيرا بوالده المتهم مغاوي الهامشي ووجد نفسه في موقف محرج وهو يقبع في السجن رفقة والده، بسبب تهم أكد أنه لم يرتكبها. أما المتهمين زناسني بن اعمر، عبد الوهاب عبد العزيز، صنهاجي محمد، رحال شوقي وايت الحسين مولود فقدموا صورة للإطار الجزائري الذي يبدي إخلاصا كبيرا لمسؤوله وأكدوا أنهم كان ينفذون الأوامر لا غير. من جهتها، أبدت المتهمة ملياني نورية موقفا "عدائيا" اتجاه الصحافة وهو ما ظهر في أولى الكلمات التي نطقت بها أمام القاضي، حيث اتهمت الإعلام في المساس بشرفها بسبب نشر أرقام حساباتها البنكية وممتلكاتها داخل وخارج والوطن نقلا عما جاء في قرار الإحالة، وهي الأرقام التي قالت المتهمة إنها مضخمة من قبل المحققين. ... العلامة الكاملة للمترجمة الإيطالية لوحظ طوال جلسات المحاكمة اهتمام ممثل الشركة الإيطالية سايبام كونراكتينغ الجزائر بما يدور في الجلسة، حيث كانت المترجمة تعيد له بين الحين والأخر ما يقال في الجلسة، كما أبدت المترجمة كفاءة عالية في الترجمة الفورية للحوار الذي دار بين القاضي محمد رقاد وممثل شركة سايبام، فيما اضطر ممثل الشركة الألمانية فونكوراك بليتاك للحديث باللغة الفرنسية، ما حال دون تدخل مترجم اللغة الألمانية وعوضّه مترجم اللغة الفرنسية، خاصة أن القاضي محمد رقاد حرص أن يكون الحديث في الجلسة باللغة العربية احتراما لمقومات الدولة الجزائرية رغم تحّكمه في عدد من اللغات. مزيان يغير تعامله مع الصحافة وعلى عكس ما بدر منه في جلسة شهر مارس الفارط، غّير محمد مزيان من طريقة تعامله مع الصحافة، حيث كان ودودا، مبتسما لا ينسى التحية، أما أهالي باقي المتهمين فاختلف تعاملهم مع الإعلام واتهموه بالتشهير. جاء الدور على المحامين في طرح الأسئلة وأخذوا من الوقت أكثر ما أخذه القاضي في مناقشة كل التهم خصوصا محامي الخزينة العمومية، الذي كان يطرح أسئلة على كل المتهمين، فيما لم يظهر سليني نقيب المحامين المتأسّس في حق المجمع النفطي إلا يوم مرافعته. أعطيت الكلمة للنيابة العامة التي قدمت إلتماسات تراوحت بين عام و15 سنة سجنا في مرافعة لم ترق للمتهمين ولا دفاعهم، إلا أن النيابة بنت مرافعتها على المنطق والحجج. مرافعات جماعية لإنقاذ الكّل محامون يحصّلون ما لا يقل عن 300 مليون سنتيم في القضية أسّرت مصادر، أن محامين متأسسين في قضية سوناطراك والذين يقارب عددهم 40 محاميا حصلوا على مبالغ مالية معتبرة تزيد عن 300 مليون سنتيم، خاصة أن التشكيلة الدفاعية ضمت من يعرفون ب"نجوم المحاماة ". ولوحظ أن مرافعة بعض المحامين لم ترق لموكليهم حيث صار كل محامي يدافع عن جميع من في قفص الاتهام على رأسهم المدير العام لسوناطراك وابنيه رغم أنهم لم يوكّلوهم للقيام بذلك، وإذا كان الأمر من وجهة نظر البعض استراتيجية خاصة لإسقاط التهم عن الجميع على اعتبار أنهم في "مركب واحد"، إلا أن البعض اعتبرها خطة من محامين للحصول على رضا بين الأشخاص لضمان توكيلهم مرة أخرى في حالة تم الطعن في القضية أمام المحكمة العليا.
وركز أغلب المحامين في مرافعاتهم على الجانب السياسي للقضية وتهاطلت اتهاماتهم على المصالح السابقة لدائرة الأمن والاستعلامات فيما ذرف محامون دموع وهم يدافعون عن موكّليهم.