تترقب العائلات القاطنة بحي "سان جورج" ببلدية بئر خادم نصيبها من الترحيل في العملية رقم 22 المبرمج لها قبل نهاية شهر مارس المقبل، مؤكدين أنهم يجهلون مصيرهم، حيث لم يتم إبلاغهم بموعد ترحليهم إلى سكن لائق يُنهي معاناتهم الطويلة داخل بيوت تصلح على حد أقوالهم لتربية الماشية.. مشيرين إلى أن صبرهم بدأ ينفد داخل سكناتهم الهشة، بالنظر إلى الحالة الكارثية التي آلت إليها خلال السنوات الأخيرة ولم تعد تنفع معها أشغال الترقيع التي تقوم بها العائلات من وقت لآخر. "نريد الترحيل" هي العبارة المكتوبة على أحد جدران مسكن هش بمدخل الحي وفضّل صاحب المسكن كتابتها باللون الأحمر، حيث تلفت انتباه كل من يزور المنطقة، وهي تلخّص مطالب السكان القاطنين بالحي الفوضوي بين بلديتي السحاولة وبئر خادم والذين حسب – خالتي مريم – أرادوا من خلال كتابة تلك العبارة لفت انتباه المسؤولين لمعاناتهم طيلة أكثر من 20 سنة داخل بيوت تفتقد لأدنى شروط الحياة الكريمة، زد على ذلك تقول – خالتي مريم- القاطنة بالحي منذ قرابة 15 سنة، أن حياة العائلات تتعقد كل فصل شتاء حيث يُسجّل انهيارات جزئية بالسكنات، مما يزيد من مخاوف قاطنيها وهو حسب محدثتنا ما قد دفع صاحب العبارة لكتابتها باللون الأحمر دلالة على الخطر المحدق ببعض القاطنين بالمنطقة. موقعه بين بلديتين أخَّر ترحيل قاطنيه يقع الحي الفوضوي "سان جورج" بين بلديتي بئر خادم والسحاولة، وهو سبب أساسي حسب قاطنيه في تهميش الحي وإقصائه من مختلف عمليات لترحيل السابقة التي برمجتها ولاية الجزائر، حيث يبقى بعيدا عن أنظار مسؤولي البلديتين – حسبهم- كما أنه لا يشكل أي نقطة قوة بالنسبة للبلديتين، مما جعله في آخر اهتمامات المسؤولين. وأضاف السكان، أن البعض يظن أن الحي تابع لبلدية سحاولة رغم أنه تابع لبلدية بئر خادم التي ينتمون إليها على الورق على حد تعبير محدثنا. حياة السكان تتعقد في فصل الشتاء قال سكان الحي الفوضوي أن يومياتهم مليئة بالمعاناة والبؤس والشقاء، مضيفين أنه كل العبارات لا تفي للتعبير عن الواقع الذي يعيشونه، واصفين سكناتهم بالأكواخ التي لا تليق حتى بكرامة الحيوانات، فما بالك ببني البشر. وتزداد مخاوف السكان كلما تتهاطل الأمطار وتهب الرياح، حيث تسجل انهيارات جزئية بأكواخهم القديمة المهترئة.. وحسب قاطنيها فهي لا تحمل من كلمة البيت غير الاسم بدل الصفة.. فلا وجود لنافذة بغرفة، هي كل ما تملكه عائلة أحدهم يقطن بها رفقة زوجته وأبنائه الأربعة، وسقف مكون من أعمدة خشبية متقاطعة شيدت لتنصب عليها قطع من البلاستيك هي كل ما يحمي عائلة، أم رفقة بناتها الثلاثة وابنها البكر الذي يتقاسم معهم البيت باتخاذه لإحدى الغرفتين سكنا له رفقة زوجته وأطفاله، وألواح من الصفيح المهترئ والزنك وبراميل حديدية متآكلة أعيد تشكيلها لتصبح عبارة عن صفائح، هي كل ما يفصل بين غرف الأكواخ أو بين الجار وجاره، وغيرها من الصور الصادمة التي قال قاطنوها أنها لا تكفي الكلمات لوصفها. قطرات من الأمطار تُغرق الحي في البرك المائية تدهور الطرقات المؤدية للحي الفوضوي ضاعفت من معاناة قاطنيه الذين يجدون صعوبة كبيرة في الولوج إليه خاصة في فصل الشتاء، حيث تساقط قطرات من الأمطار تجعل الأرضيات تغرق في البرك المائية التي يصعب اجتيازها حتى بالنسبة لأصحاب المركبات الذين اشتكوا من كثرة الأعطاب بها نتيجة الحفر والمطبات المتواجدة بالمسالك التي ما تزال ترابية ولم تستفد من أشغال التهيئة. ويضطر السكان خلال كل فصل شتاء إلى لبس الأحذية البلاستيكية في تنقلاتهم اليومية إلى مقرات عملهم والمؤسسات التربوية.. وفي هذا السياق أكد محدثونا من سكان الحي أن أبناءهم يعانون كثيرا في تنقلاتهم اليومية إلى المؤسسات التربوية. وللتقليل من حالة تدهور المسالك، قال أحد السكان إن البعض منهم يلجأ إلى وضع الحصى بالقرب من سكناتهم لتسهيل حركة السير ومنع تجمع مياه الأمطار. ونفس المعاناة تحدّث عنها سكان الحي الذين أشاروا إلى تطاير الغبار والأتربة التي تتسبب في تلوث المحيط. مخاطر عديدة تهدد حياة العائلات أكثر ما يزيد من مخاوف العائلات القاطنة بالحي في فصل الشتاء، ارتفاع منسوب مياه الوادي المحاذي لهم، والتي تسربت في الكثير من المرات إلى داخل السكنات مثلما جاء على لسان السكان في حديثهم ل"السلام"، وهي الوضعية التي أثارت مخاوفهم أكثر في خلال الأمطار المتهاطلة بغزارة مؤخرا، حيث أدى ذلك إلى انزلاق التربة التي لحسن الحظ لم تتسبب في انهيار سكناتهم، لكن الخطر يبقى قائما على حد تعبير البعض الذين أكدوا أن حياتهم مهددة بالخطر. ومن جهة ثانية أشار السكان إلى المياه القذرة التي تتجمع بالوادي والنفايات التي يتم رميها به من قبل مواطنين مجهولين، الأمر الذي ساعد على ظهور الأفاعي والحيوانات الضالة والحشرات السامة ما أثّر سلبا على صحة السكان وساهم في إصابتهم بمختلف الأمراض الخطيرة كالأمراض التنفسية، الحساسية والربو والأمراض الجلدية... وهو ما أكدته العائلات القاطنة في نفس الحي عن حجم المعاناة وعن تلك السموم التي يتجرعونها يوميا. كما تطرق السكان إلى اهتراء قنوات الصرف الصحي التي أصبحت تهدد صحة السكان القاطنين بعد أن أصبح يشهد تسربات للمياه القذرة في الأزقة والمسالك، الأمر الذي نتج عنه انتشار كبير للروائح الكريهة والحشرات. وحسب السكان، الأطفال هم الأكثر عرضة لهذه المخاطر، باعتبار أنهم لا يجدون ملجأ لهم للعب سوى بالقرب منها، وهذا راجع إلى غياب المرافق الترفيهية التي تفتقر إليها المنطقة والتي يمكن أن تخفف من عبء المعاناة التي يتجرعها السكان. الترحيل... الحل النهائي لرفع الغبن عن العائلات بحي سان جورج، يحلم الصغير فيهم قبل الكبير بحلم أقرب إلى الأمنية منه إلى مطلب، حلم الرحلة وفرصة الحصول على سكن لائق يحتضن أفراد أسرهم هو كل ما يرتسم بمخيلاتهم، وهو ما لمسناه من حديث الطفل "نسيم" الذي كان رفقة والده إبراهيم القاطن بالحي منذ قرابة 16 سنة، إذ لم يتوقف عن طرح أسئلة بريئة بين الفينة والأخرى تتعلق بالرحلة.. وبنبرة يكسوها السرور والشوق لسماع إجابة تفرحه ظل يردد "هل لديك معلومات عن الرحلة؟؟" وغيرها من الأسئلة التي تعكس حلمه لهموم تفوق سنه ومقاسمته لآلام وآمال عائلاته التي تعيش الحرمان وتقضي حياتها بأكواخ من صفيح لا تضمن راحة ولا طمأنينة ولا أمن من المخاطر التي تتربص بهم من كل جانب، فبدل أن يستمتع الأطفال بالحي بالعطلة الصيفية كأقرانهم، تجدهم يتجولون بين البيوت القصديرية ويمرحون فيما بينهم من خلال ألعاب بسيطة استوحوا مضامينها من خلال البيئة التي يعشون فيها، فلا يتوفر بحيهم مكان مخصص يقضون فيه أوقات فراغهم ولا فضاء للعب والترفيه. عائلات تضع ثقتها في الوالي زوخ ورغم تأخر ترحيل العائلات القاطنة بحي سن جورج الذي يضم حوالي 500 بيت فوضوي، إلا أنهم يضعون ثقة كبيرة في تصريحات والي الولاية عبد القادر زوخ، الذي أكد القضاء النهائي على القصدير بالعاصمة قبل نهاية 2017، وهو ما يأمل فيه سكان الحي الفوضوي ببئر خادم، حيث قال قالت خالتي مريم "رغم كل شيء، عندي ثقة في والي الولاية... وسيتم ترحيلنا حتى وإن لم يكن هذا في العملية المقبلة سيكون في أخرى".