"نشعر بالذل داخل سكناتنا الهشة" هي الرسالة التي أراد سكان حي 200 مسكن ببومعطي إيصالها لوالي ولاية الجزائر عبد القادر زوخ، أملين في النظر إلى وضعيتهم المزرية التي يعيشونها داخل سكنات هشة يعود تاريخ إنجازها إلى سنة 1911، تذوقوا داخلها مختلف أنواع المرارة في ظل غياب أدنى ظروف العيش الكريم. في اتصال هاتفي تلقته "السلام" مؤخرا من ممثل سكان حي 200 مسكن ببومعطي، طالب فيه نقل معاناتهم على صفحات الجريدة، مؤكدا أن يوميات العائلات القاطنة بالمجمع السكني مليئة بالمتاعب والتي يعجز اللسان عن وصفها، متسائلين عن سبب تهميش السلطات المحلية لمطالبهم المتعلقة بالترحيل، رغم أن سكناتهم هشة مصنفة ضمن المواقع الفوضوية التي تسعى ولاية الجزائر في القضاء عليها. سكنات هشة يعود بناؤها إلى 1911 "نحن من سكان العاصمة الأصليين" هكذا قال نبيل قاطن بالحي والذي تحدث عن أسباب انتشار القصدير في عدة بلديات بالولاية، موضحا في حديثه أن ظروف إقامتهم في المجمع السكني لا تشبه ظروف سكان البيوت القصديرية، حيث هؤلاء غالبيتهم دفعتهم الظروف الأمنية المتدهورة التي عاشتها الجزائر خلال التسعينات إلى الهروب والبحث عن أماكن أكثر أمنا واستقرارا وفضلوا تشييد سكنات هشة ببلديات بالعاصمة بشكل مؤقت لكنهم تعودوا على الإقامة بالمنطقة، في حين تقيم العائلات القاطنة بحي 200 مسكن منذ سنة 1911، مما يعطيهم الأولوية في الترحيل كونهم من سكان العاصمة الأصليين الذين يعانون ظروفا صعبة منذ سنوات طويلة مثلما أشار إليه محدثنا الذي ابدى استغرابه من إقصائهم من الترحيل رغم طلباتهم المتكررة وإيداع ملفاتهم على مستوى بلدية الحراش. انهيار أجزاء من السكنات زاد من مخاوف قاطنيها نبيل، واحد من سكان الحي السابق ذكره، الذي يعتبر من بين أقدم أحياء البلدية والواقع على مستوى حي بومعطي، يطالب الشاب وعلى لسان كل سكان الحي والي الولاية عبد القادر زوخ التعجيل في ترحيلهم إلى سكنات لائقة قبل أن يستخرجوا من تحت الأنقاض بعدما اهترأت سكناتهم عن آخرها ولم تعد صالحة للعيش ولم تعد قادرة على الصمود أكثر. وحسب نبيل، فإن مصالح البلدية عليمة بمطلبهم وبالوضع الكارثي الذي آلت إليه سكناتهم، غير أنها لم تحرك ساكنا، لافتا إلى أنهم يدركون جيدا أن الترحيل والإسكان بيد مصالح الولاية، لكن في الوقت نفسه على رئيس البلدية - كما يقول محدثنا - أن يتحرك بقوة ويضغط على الوالي، عبد القادر زوخ، قائلا "يقولون هزلك هزة تبانلك معزة، هكذا يجب أن يفعل رئيس البلدية، عليه أن يتحرك ويصر ويلح حتى يحمل زوخ على ترحيلهم إلى سكنات لائقة تحمي أرواحهم". وأضاف محدثنا أن البنايات التي يقطنونها هشة بشكل لافت للانتباه أسقفها وجدرانها متصدعة تكاد تسقط على قاطنيها ومهترئة، - مضيفا- " عليك أن تتخيل كيف تعيش أسرة على وقع تهديدات انهيار هذا البيت في أي لحظة" وقالت سيدة تقيم بالحي منذ سنوات طويلة "لم نعد نقوى على العيش في هذه الشقق الهشة، فالكل منا يعاني والكل لم يجد وسيلة للخروج منها، لأن وضعنا الاجتماعي لا يسمح لنا باكتراء سكنات أخرى، لذا نسأل أين مسؤولونا من كل ما نعانيه، ومتى يوفون بوعودهم التي قطعوها معنا؟"، وخلصت بالقول" بيوتنا تكاد تنهار علينا والمسؤولون لا يحركون ساكنا، بل نعتقد أن ترحيلنا سيكون بعد أن تسقط علينا ونستخرج من تحت الأنقاض موتى". وحسب بعض العائلات التي تحدثت مع "السلام"، فإن الملفات موجودة على مستوى المصالح المعنية والمسؤول الاول على البلدية وحتى الولاية على دراية بما يعيشونه من مخاوف الموت تحت الأنقاض، غير أنها لا تحرك ساكنا نحو ترحيلهم وإنقاذ أرواحهم، لافتين إلى أنه لو حدثت كارثة بشرية فإنهم لن يبقوا صامتين بل سيتحركون بقوة. حياة بدائية في قلب العاصمة وصف سكان الحي حياتهم بالبدائية بالنظر إلى طريقة عيشهم التي يعتمدون فيها على وسائل بسيطة جعلتهم يشعرون وكأنهم في الريف، وليس في بلدية من أكبر بلديات العاصمة وهي الحراش. وقال أحد السكان " نشعر بانتمائنا إلى ولاية الجزائر عندما نغادر مساكننا نحو الخارج، حيث نجد عالما آخر ينسينا في معاناتنا داخل بيوتنا الهشة والتي نتذكرها بمجرد عودتنا إليها في المساء"، حيث لا أثر للحياة العصرية بالحي السكني الذي يشعر قاطنوه بالتهميش. عائلات تعتمد على غاز البوتان أكد بعض سكان الحي أنه رغم تشييد سكناتهم منذ 1911 إلا أنهم لم يستفدوا من الربط بغاز المدينة، حيث ما يزالون يعتمدون على قارورات غاز البوتان التي أثقلت كاهلهم والتي يجلبونها من أماكن بعيدة عنهم مثلما أشار إليه بعض المواطنين الذين صرحوا أن مصاريف اقتناء غاز البوتان أفرغت جيوبهم وأصبح البعض غير قادر على توفيرها، مما حرمهم من التدفئة في هذا الأيام الشديدة البرودة. عائلات تعتمد على الشبكة التقليدية في جمع المياه القذرة وما زاد أمر العائلات تعقيدا بالحي المذكور هو غياب قنوات الصرف الصحي ما جعلهم يتخلصون من المياه القذرة عن طريق استعمال الشبكة التقليدية والتي تسببت في تعفن محيط حيهم الذي أصبح ملجأ وفضاء لمختلف الحشرات الضارة والجرذان وغيرها من الحشرات الأخرى فضلا عن انتشار الروائح الكريهة التي تعبق المكان تتقزز لها الأبدان وتسد الأنفاس. وقال السكان أن اللجوء إلى الطريقة التقليدية في جمع المياه القذرة من خلال إنجاز حفر المطامير وتغطيتها زاد من مشاكلهم، فبمجرد امتلاء هذه الأخيرة تطفو المياه إلى السطح، محولة الحي إلى مجاري للمياه القذرة، مشكلة بذلك حالة من الفوضى والأوساخ وانتشارا رهيبا للحشرات الضارة والروائح الكريهة، مما يشكل منظرا تشمئز له الأنظار، يسمح بانتشار الأوبئة والأمراض بين أوساط القاطنين. هذا واشتكى قاطنو الحي من الرطوبة العالية داخل السكنات مما تسبب في إصابة العديد من السكان بأمراض مزمنة كالربو والحساسية، وتعرض لها بشكل كبير المسنون. التهيئة منعدمة بالحي قال سكان الحي السابق ذكره والتابع لبلدية الحراش والذين اتصلوا بالجريدة لنقل انشغالاتهم، أن التهيئة شبه منعدمة بالمنطقة، فالطرقات تفتقد للتزفيت خاصة تلك التي تربط بين السكنات، ما يجعل حركة التنقل بها صعبة في فصل الشتاء، حيث تتحول إلى مستنقعات للمياه، الأمر الذي دفع بالسكان في الكثير من المرات إلى وضع الحصى على الأرضيات لتجنب تشكل البرك المائية. وأضاف السكان أن الأرصفة منعدمة بالطرقات ما يضطر المارة للمشي جنب السيارات، فضلا عن نقائص أخرى جعلت الحياة بها صعبة. عائلات تستنجد بزوخ أطلق سكان حي 200 مسكن ببومعطي نداء استغاثة لوالي العاصمة زوخ، حيث يناشدونه بالنظر في وضعيتهم والتعجيل في ترحيلهم إلى سكنات لائقة تحفظ كرامتهم وتجنبهم الخطر المحدق بهم، مؤكدين أن انهاء معاناتهم تتجسد في حل واحد وهو الترحيل. وأعرب سكان الحي عن تخوفهم الشديد من الموت تحت الأنقاض بسبب تشقق واهتراء الجدران والأسقف والتي باتت في حالة جد متقدمة. من جهتهم، أشار محدثونا الى الانهيار الجزئي لعدد من البنايات التي تحولت الى مصدر خوف وقلق السكان الذين أبدوا استياءهم من تجاهل السلطات المحلية لذات الوضع، رغم مراسلاتهم المتواصلة التي لم تحرك المسؤولين، حسبهم. وجدد قاطنو الحي نداءهم لوالي العاصمة بغية إدراجهم في عمليات الترحيل المقبلة، مشيرين إلى خطورة الوضع في ظل السكنات التي يقطنون بها لسنوات. هذا ويعاني سكان الحي من عدة مشاكل أخرى كالربط العشوائي بالكهرباء وغياب النظافة وغيرها من المرافق التي يحتاجون إليها في حياتهم اليومية وهم يأملون في ترحيلهم في القريب العاجل إلى سكنات لائقة يودعون بها حياة البؤس والحرمان التي يعيشونها منذ سنوات طويلة.