يزداد إقبال الكثير من القاصرات على وضع الماكياج الصارخ بعلم الأولياء أو بدونه, وفي الوقت الذي يلقى جلهم صعوبة في التعامل وإجبار البنت على التخلي عن تلك المستحضرات, تبقى المؤسسات التعليمية من إكماليات وثانويات تلعب دور الرادع ولو خلال الساعات التي تقضيها التلميذات داخل المدرسة. بودرة بتركيز عالي, مسحوق خدود زهري, رموش مرفوعة وحتى أحمر شفاه فاقع, هي الطلة التي تطل بها العديد من القاصرات في مختلف الأماكن, بل منهن من تتجرأ على الذهاب إلى المدرسة على ذلك الحال, ضاربات بذلك قوانين المؤسسة التعليمية عرض الحائط. تتفنن الكثير من الفتيات في عمر الزهور في وضع ماكياج أقل ما يقال عنه أنه ماكياج لا يصلح إلا لسهرة, فيما تراه هي خفيف للغاية, ورغم أنهن على قدر وافر من الجمال, إلا أن ذلك لم يشف رغبتهن الجامحة في البروز أكثر فأكثر مما يضعهن في مشاكل مع المراقبين والمعلمين. عينتنا كانت من إحدى الثانويات بجسر قسنطينة, أين بلغتنا أخبار تفيد أن الإجراءات الردعية في قمع صاحبات الماكياج قائمة على قدم وساق بدءا من الهندام إلى الماكياج إلى المئزر, وذلك بشهادة كل من يدرسون في ذات الثانوية, حيث يؤكدون أن المراقبين لا يغفلون عن أدق التفاصيل تقول إحدى التلميذات بقسم الثانية ثانوي: «تقف المراقبة عند مدخل الثانوية كل صباح لنمر الواحدة تلو الأخرى وكأننا تحت كشف السكانير, ومن وجدتها قد وضعت الماكياج مهما كان نوع المستحضرات ودرجة حدتها فإنها تعود من حيث أتت», وتضيف أخرى وهي تستنكر الوضع داخل الثانوية وتشبهه بالسجن قائلة: «تحد تلك القوانين من حريتنا لدرجة كبيرة, فتخيلوا أننا نطرد لمجرد أن ترى إحدى المراقبات أن واحدة منا لم تربط شعرها». تلميذات يفسرن حرص المراقبات على تطبيق عملهن بالغيرة تشعر العديد من القاصرات أن المراقبات تشعرن بغيرة كبيرة منهن, لأنهن وحسب اعتقادهن صغيرات, جميلات ويحرصن كل الحرص على مظهرهن وعن هذا تقول إحدى التلميذات: «إن المراقبات لا عمل لهن سوى مراقبتنا وأنا أفسر بعض السلوكات التي تصدر منهن بأنها لا تنم إلا عن الغيرة التي تكتنف فوسهن», تضيف وهي تروي ما سمعته من حوار بين المراقبات داخل الثانوية: «سمعتهن بأذني وهن يقلن أننا نثير الفتنة كثيرا وبالتالي فنحن القاصرات نقف حجر عثرة في وجوه الكثيرات», قالت محدثتنا ذلك بكل جرأة ودون خجل لتؤيدها الرأي كل البنات المحيطات بها. واصلنا الحوار مع بعض القاصرات اللائي حدثننا أن الطرد ليس القرار الوحيد الذي يصدر في حق كل من تسول لها نفسها الدخول إلى حرم المدرسة بشعر غير مربوط,تنورة قصيرة أو حتى بعض الرتوشات من مستحضرات التجميل وحتى وإن تمكنت من تجاوز الحاجر عند الباب فإنها لن تسلم من العقوبة في حال ألقي عليها القبض, فهي مضطرة لغسل وجهها بالماء وغاسول الملابس الذي وضع في المرحاض خصيصا لواضعات الماكياج وواضعي كريم تثبيت الشعر بالنسبة للذكور, تقول إحداهن: «وضعت يوما بعض الكحل مع المسكرة قبل أن تباغتني المراقبة التي أخرجتني من الدرس وضيعت علي نصف ساعة وأنا في المرحاض أغسل وجهي وهي واقفة أمامي تعاتبني وكأنني ارتكبت جريمة لتتوعدني في المرة القادمة أنها ستستدعي ولي أمري». أدوات الماكياج تعرقل سير الدرس لا يختلف رد فعل الأساتذة عن المراقبين كثيرا, فكم من مرآة كسرت على مرآى من صاحبتها التي أرادت التأكد من أن شكلها مقبول وسط الدرس, وكم من علبة ماكياج رميت من النافذة بمجرد أن لمحها الأستاذ, تروي إحدى التلميذات قائلة: «يتعرض بعض الأساتذة لنوبة غضب بمجرد أن يروا أن إحدى التلميذات أخرجت مرآة لترى نفسها, وهذا ما حصل لي, حيث توقفت أستاذة الفيزياء عن الدرس وراحت تفتش في محفظتي قبل أن تخرج المرآة وتضعها على الأرض وتهم بكسرها بكعب حذائها». أما صديقة لها فندمت أنها أرسلت علبة ماكياج التي اشترتها بثمن غال لتراها صديقتها أثناء الدرس قبل أن تأخذها معلمة اللغة الفرنسية وترمي بها من النافذة, أما أخرى فتقول: «ليتها رمت علبة الماكياج لكنت قد وجدتها ولكنها أخذتها مني ورفضت إرجاعها». حاولنا الغوص في نفسيات البعض من تلك القاصرات لنعرف سبب إقبالهن على الماكياج رغم أنهن صغيرات في السن ورغم علمهن بأنه ممنوع داخل المؤسسات التعليمية فوجدنا من تصر على وضعه نكاية في إحدى المراقبات أو المعلمات, في حين تقول أخريات أن منهن من تريد أن تظهر جميلة أمام من تحب من زملائها, تقول سهام, تلميذة في الأولى ثانوي وهي التي تطرد بشكل يكاد يكون يوميا بسبب الماكياج الذي تضعه على وجهها, ولكنها تصر عليه وتعتبر أن ذلك يدخل في حريتها الشخصية, ومادامت لا ترتكب أي أخطاء داخل المدرسة, فليس من حق أي كان منعها في لبس أو وضع ما تريد, في حين تقول سمية, وهي التي أبدت وجهة رأي مغايرة, مؤكدة أن البنات يعملن بما يضعنه من ماكياج على إثارة غرائز الشباب ممن يدرسون معهن في ذات الثانوية ويجعلونهم لا يكترثون في دراستهم, بل وصار كل واحد منهم يتباهى بأنه يصاحب أجمل واحدة في القسم أو في المدرسة وغيرها من التصرفات الصبيانية. هو نفس السيناريو الذي يكاد يكون متكررا حتى في أبرز ثانويات وإكماليات العاصمة. وإذا كان قانون المؤسسة التربوية مطبق لدى أغلبهم, فإن آخرين لا يكترثون كثيرا للوضع, تقول إحدى التلميذات من ثانوية أخرى: «نحن على علاقة طبية بمراقبات ثانويتنا, بل حتى أننا ننصحهن بالماركات الجيدة من الماكياج وحتى أن منهن من تسأل بعض التلميذات عن طريقتها في الماكياج وتطلب خطواته». تقصير كبير من طرف الأولياء يرجع العديد من المراقبين والمعلمين تزايد إقبال القاصرات على الماكياج إلى تقصير بعض الأولياء في تربية ومراقبة بناتهم, حيث يوجد من يرفض الأمر جملة وتفصيلا, ولكن يوجد بالمقابل من يترك الحبل على الغالب للفتاة. فمن المعروف أن سن المراهقة هو من أصعب المراحل العمرية التي يريد خلالها الشباب تجربة كل شيء ويتمردون على القوانين مهما كان نوعها, إلا أن سوء تدبير بعض الأولياء يزيد الطين بلة, حيث تؤكد كريمة, مراقبة, أن بعض الأولياء وبالتحديد الأمهات لا يردعن بناتهن ويرون في الماكياج أمرا طبيعيا, وفي حال تم استدعاءهن, يتظاهرون أنهن لا يعلمن بالأمر, في حين تؤكد بعض التلميذات أنهن خرجن من البيت بهذا المظهر, ولا حق لأحد أن يمنعها مادام والداها قد سمحا لها, ولكن يوجد من الأولياء من انهال على ابنته ضربا داخل الإدارة, لأنه سمع أنها تضع الماكياج في المدرسة, في حين تخرج من البيت على طبيعتها, وفي هذا الصدد تعلق حليمة معلمة في الإكمالي: «لقد كان الماكياج هو الفرق بين المتزوجة والعزباء, ولكن كل الفتيات اليوم بغض النظر عن سنهن يضعنه, حيث يملن بذلك إلى تقليد الكبار أو حتى صديقات السوءو فيكفي أن تضع واحدة الماكياج حتى تتبعها الأخريات». ولكن من الضروري أن تنصح كل أم ابنتها بأن تعيش سنها, وألا تهتم بأمور تكبرها إلى أن تصل إلى السن المناسب لذلك, وما على البنات إدراكه أنهن يخاطرن بجمال بشرتهن ونعومتها ويخدشن جمالا طبيعيا خلقه الله.