من المنصف أن يكون في حياتنا بعض الضحك الذي ينفع و لا يضر ، يريح فلا يتعب، يسعد فلا يؤلم الآخرين، هو في النهاية فن، و للفن أصول لا بد أن تحكمه بصدق ليجيد صاحبه القدرة على التعامل مع الآخر دون أن يزعجه أو يضر بمشاعره. هو الإضحاك الذي يمر علينا في مواقف إنسانية فريدة من نوعها، خالصة في حالاتها، لا تتكرر إلا نادرا، في أماكن محددة، و بين شخوص تمنحنا قدرة عجيبة على الاستمرار و التواصل مع ذاتنا. هو الإضحاك الذي يغرينا فينفعنا، يرمينا إلى حضن الحياة فيربكنا، ثم يرفعنا ملوكا على الأرض، هو الإضحاك الذي يقودنا إلى الجنون المشتهى، و إلى الجنون المشوّق في كل أبعاده و حالاته، هو الإضحاك الذي إن أجاده من أجاده امتلك قدرة فائقة على التواصل و جمع حوله من المريدين ممن ينصتون و يستمتعون في آن. ماذا لو أنصفنا الإضحاك على هذا النحو ليكون ممتعا و مسليا و في نفس الوقت مفيدا و هادفا؟ هل تغيرت طباعنا حتى صرنا نضحك على كل شيء و من كل شيء؟ هل هي قاسية هاذي الحياة على نحو ما يجعلنا نضحك من لا شيء ؟ هل أصبحنا نفتقد لحس الدعابة و روح الفكاهة و بلاغة النادرة حتى نجعل من عبارة لا تحمل معنى سوى أنها أبانت عن موقف صاحبها في لحظة إنسانية لها علاقة بحياته و يومياته لا بحايتنا و مشاغلنا؟؟ ( تاكلي الجاج ) أو لا تأكلي شيئا، أو كلي كل شيء، ماذا يهمني في ذلك ؟ لقد أكلت عقولنا فماذا تركت لنا لنحسّ أنّ ما نهتم به لا فائدة ترجى منه؟ كنّا قبل اليوم و قبل اليوم بوقت ليس بالطويل نسعد بقراءة بخلاء الجاحظ بكل ما تحمله من قيم إنسانية نادرة جدا، و نضحك من كل موقف فيها، لنحصل في النهاية على فائدة قد لا تعطيها لنا كل تجارب الحياة، فما الذي جعلنا نتغير ونرتبك في كل قراءاتنا لنفرح و نسعد " افتراضيا " بعبارة لا تسمن و لا تغني من جوع (تاكلي الجاج)؟ من المنصف مرة أخرى أن نقف وقفة ملهمة واعية لنتدارك أحوالنا و نعي تماما ما نحن عليه من سوء التفكير و قلة التعبير و فساد التدبير في كوننا لم نعد نكتب ما يضحك و يفيد في آن، وجب على كتابنا و مثقفينا أن يتدخلوا بكل ما يملكون من سلطة القلم و قوة الإقناع ليغيروا مسار تفكيرنا إلى الافضل في كل شيء حتى نقلع عن عاداتنا السيئة في التقاط كلّ شيء يدعو للسخرية لا للضحك، عليهم أن لا ينساقوا هم أيضا وراء موجة التعفن التي أصابت كل شيء، و تريد يدها أن تطال الفكر و الأدب أيضا . فهل من مجير و مجيب يشبع جوعنا الفكري و الثقافي قبل أن نسارع نحن أيضا و " ناكلو الجاج "؟؟؟ أحمد صانع الونشريسي / 16 أكتوبر 2015