إحتضن المجلس الأعلى للغة العربية الذي يرأسه الوزير والشاعر عز الدين ميهوبي، سهرة أول أمس، فاتحة برامجه ونشاطاته الثقافية خلال الشهر الفضيل وتمثلت في محاضرة للدكتور سعيد بن زرقة حول الأدب والكتابة الساخرة. ؤنطلق الدكتور سعيد بن زرقة، في مقاربته للكتابة الساخرة من غياب أنطولوجيا توثق وتجمع هذا الغرض الأدبي سواء في الشعر أو في المسرح على مستوى الجزائر، وأكد على أن المطلوب في المرحلة القادمة هو العمل على ترتيب أنطولوجيا الأدب الساخر، مشيرا إلى أننا قد نفقد ونسقط خلال هذه المرحلة بعض الأسماء. وتحدث بشأن وجود تداخل لمجموعة من المصطلحات التي تتقاطع في بعض جوانبها الدلالية مع السخرية مثل الاستهزاء والتهكم والتندر، وقال إن المختصين مطالبون بفض هذا الاشتباك. وعرض بعض الكتب التي قال إنه استأنس بها في تناوله للموضوع مثل: الحمار الذهبي لأبوليوس، الذي قال إنه أقدم نص روائي في التاريخ الإنساني ويحوي جرعات كبيرة من السخرية، وكتاب منامات الوهراني للشيخ ركن الدين محمد بن محمد بن محمد بن محرز الوهراني، الذي يقال إنه عاش محبطا من ناسه وعصره وأنه عكس كل ذلك في كتاباته وكتاب الضحك لهنري برجسون والفكاهة لسكاربيت روبير والمسرح في الجزائر لصالح مباركية. أورد الدكتور بن زرقة بعد ذلك مجموعة من التعريفات للسخرية، فقال إنها التذليل ومحاولة إخضاع الخصم وقال هي اللين والدهاء عكس التهكم الذي يدل على الهدم المباشر، وقال إنها السقف الأعلى لليأس، حيث أن الكاتب عندما يجد كل الأبواب موصدة أمامه سيلجأ إلى هذا الغرض وهو أشبه ما يكون بالعملية الانتحارية في النهاية لأنه يقدم على كسب عداوات بالجملة فإذا كتب عن أشخاص سيدفع الثمن وإذا كتب عن السلطة سيدفع الثمن أيضا. مضيفا أن من خصائص السخرية أنها لا تورث وساق نموذجا كوننا عندما نقرأ الجاحظ قد نضحك ولكن من عايشوه يضحكون أكثر بكثير منا لأنهم يفهمونه أكثر، ولهذا على كل جيل أن يكتب سخريته الخاصة لأن السخرية تتبخر ولا تورث ومن يكتب السخرية يجب أن يكون صاحب رؤية عميقة. وفي سياق تشريحه للأدب الساخر عربيا، قرأ الدكتور نصا لمحمد الماغوط "الآن إذا كتبت أموت من الخوف وإذا لم أكتب أموت من الجوع"، وقال إنه يحمل الكثير من المواربة. وأشار إلى أن دراسات كثيرة اشتغلت على أن الإضحاك واجب كون الضحك من الصفات اللازمة للإنسان مثله مثل الكلام. ومن ثم تطرق إلى المعايير التي على أساسها يصنف من يكتبون أدبا ساخرا عن غيرهم، فشدد على أن المعيار الرئيسي هو إخضاع الأعمال للتحليل الكمي للأسلوب ويجب أن يكون لدى الكاتب في النهاية ما يفوق 45% من حجم الكتابات المدروسة تعرض للسخرية. وصنف السخرية إلى نوعين فهناك السخرية الشعبية والسخرية الإبداعية. واختتم حديثه بالإشارة إلى عمار يزلي، الذي قال إنه اشتغل في رسالة الدكتوراه على السخرية كشكل من أشكال المقاومة ورضا حوحو والأخضر السائحي الكبير الذي صنفه في أدب الفكاهة وأحمد منور والمرحوم أبو العيد دودو والفيروزي الأزهر في الشعر الساخر. وفتح بعدها باب النقاش مع الحاضرين أين كانت هناك جملة من التساؤلات والتعقيبات من الروائي والإعلامي الصادق بخوش، الذي كان يدير الجلسة إلى الشاعر والإعلامي ابراهيم صديقي وغيرهم.