لأن الكاميرا غائبة، لأنهم يقطنون في مكان لا تصله الصور، لأنهم وُجدوا في زمن لا يعترف بالإنسانية إلا المفروضة منها، كان لزاما على هذه العائلة أن تنتظر حضور سعيدة بن حبيلس، إلى قطارة والبويقلة لتلتقط لهم صورة تختزل معاناتهم. ثلاث أشقاء مكفوفين، أمٌ عجوز لم تعد قادرة على مقارعة الحياة ووالد رحل ولم يدرك ما حل بمن خلفه، صور الفيسبوك لم تحمل من يدعي العمل الخيري ويأخذ معه الصور، للوصول إلى تلك البقعة المنسية المنفية، فحرارتها شديدة وقرها صعب وطريقها طويل، قد يزيل الروائح العطرة ومستحضرات التجميل المشتركة، لأن القفة التضامنية أضحت للبعض حلما، وللآخرين سلما يصعدون به الرتب، يسددون بها الديون الانتخابية، ويحققون بها غاياتهم المادية المقيتة. ولأن هؤلاء ليست لهم بطاقة ناخب ولا حلم انتخاب، فقد نسيهم الزمن، ولأننا أصبحنا لا نهتم حتى بمن هم بالقرب منا، و أصبح مبلغ همنا "نحن" وفقط، وأن نبرهن، ولو لم يطلب منا ذلك، عن ولاءنا. فقد سقط أصحاب الصور من أجندة أعمالنا واهتماماتنا، ولهذا فنحن كلنا مسؤولون، من يسكن بالقرب منهم و نسيهم، من هم من أقربائهم وأهملوهم، من تولى تسيير شؤونهم انتخابيا و لم يصلهم، من ينقل صور معاناتهم ولم يتكلم، من استغل وضعهم ليظهر بثوب البطل. ويح عمر الذي خاف من بغلة أن تعثر ببغداد فيحاسبه بها الله، وهو أمير المؤمنين المقيم في المدينة، فكيف الحال بالجلفة، وأنتم المسؤولون.