إن العلاقات الإنسانية تُبنى على قواعد وضوابط معينة، نحن بشر ونستفيد من بعضنا البعض لذلك فإننا نحظى بعلاقات مع مجتمعنا. هذه القواعد التي تنظم علاقاتنا هي المعيار الوحيد الذي يضمن حصول الإفادة والاستفادة. وكوننا نعيش في عصر طغت فيه الماديات بنسبة كبيرة فلا نملك إلا أن نقول أن العلاقات الإنسانية تعرضت للاختلال والضوابط التي تنظمها تعرضت هي الأخرى للتحطم والتفكك والضياع. لعلي أرجع كل هذه الآثار السلبية التي عايشها اليوم في مجتمعنا إلى الاحترام المفقود بين طبقات هذه الأمة، فالشعب الذي يضيع الاحترام ويدوسه غير آبه بقيمته هو شعب لن يضل أبدا إلى الوقت الذي يمكنه فيه أن يقيم علاقات صادقة، والإنسان الذي يفقد احترامه لنفسه أولا ولغيره هو إنسان لا يمكنه أن يناقش وستجده يتعصب لآرائه كأنها قرآن مُنزّل لا يحرف ولا يجب أن نقول عكسه. إنها لمصيبة عظيمة أن نفقد الاحترام، فنحن بفقدانه فقدنا ما يميزنا كأناس حضاريين. إنني لأشعر بالأسى والأسف على الواقع المعيب والمتردي والآخذ في الانهيار لهذا المجتمع. ليس من الحكمة أن نربي أجيالا تسب بعضها وتفقد الهيبة الإنسانية من قاموسها، إننا كبشر يجب علينا التعامل بمبدأ الاحترام قبل أن ننظر إلى اختلافاتنا، الاحترام يعلمنا أن نتقبل أفكار بعضنا، لا يهم إن كان من تناقشه وتتعامل معه ليس من ديانتك أو من مدينتك أو من بلدك أو من عرقك وأصل.. المهم أن تحترمه ويحترمك ! الاحترام حق أيها البشر ولكن الاحترام يبقى واجبا. لن نتفق في كل الأمور فلو اتفقنا وتشابهت آراءنا لما تقدمنا ولو قيد أنملة.. اختلافنا هو ما يصنع إنسانيتنا، اختلافنا هو ما يجعلنا أناسا نخطئ ونصيب لكن الاحترام هو الذي يضع القواعد لهذه الاختلافات. المهم ليس في جبروتك وزعمك لقوة زائلة وإنما في احترامك لغيرك. يحز في نفسي كثيرا أن أشاهد أمتي الجزائرية والعربية تعاني من غياب الاحترام، فلا شخص يحترم الآخر.. لا ابنا يحترم والديه، ولا تلميذا يحترم معلمه ولا معلمه يحترمه، لا صغيرا يحترم الكبير ولا كبير يحترم آراء الصغير، كلنا نفرض سلطتنا وندوس على الاحترام إما باسم العادات وإما باسم السن، نحن صنعنا قلة الاحترام في هذا المجتمع، نحن دفعنا بأنفسنا إلى حفرة عميقة نصرخ فلا يسمعنا أحد وندعو فلا تستجب دعواتنا.. ألسنا نحن من قررنا أن الاحترام فضلة في المجتمع؟ ألسنا نحن من دسسنا الاحترام في سراديب النسيان فلم ندري اليوم أي طريق يؤدي إلى هذه السراديب؟ ألسنا نحن من قللنا من احترام بعضنا البعض باسم الدين مرة وباسم العرق ألف مرة؟ لا يلوم الواحد منا إلا نفسه. لا سبيل لقيام علاقات صحيحة وقويمة من غير الاحترام. يجب علينا تقديس هذه الصفة، هي التي تحدد قابليتنا للتطور والتحضر من عدمها. نحن في طريق صعب المسالك ونبذ الاحترام لن يزيد إلا في حجم الهوة التي تفرقنا عن المجتمع الغربي الذي عرف الاحترام فعرف التحضر. قبل أن نحاول بناء المجتمع من جديد فلنحاول إعادة تكوين أخلاقنا من جديد بشكل يجبرنا على احترام بعضنا. على الأم أن تربي ابنها على احترام الآخرين مهما بلغ به الاختلاف معهم، على المعلم أن يدرّس أبناءنا احترام بعضهم مهما اشتدت المنافسة ومهما تخاصموا وتشاجروا، على رجال العلم أن يكونوا قدوة بدورهم فيحترموا بعضهم مهما بلغت بينهم الفروق والاختلافات، على الكبار أن يعلموا الصغار احترام كل الناس بغض النظر عن الديانة والأصل والعرق والفكر والمعتقد والآراء. لا خير في أمة نبذت الاحترام ولا خير في شعب داسه وتخلى عنه ولا خير في إنسان تبرأ من الاحترام وتبرأ الأخير بدوره منه. لا أرى طريقا يقود إلى مجتمع متحضّر من دون طريق الاحترام. إن الإنسان المحترم لنفسه ولغيره هو إنسان يصنع البشرية وتفتخر هي به.