خلق الكون وخلقت معه البشرية، أمم تحتكّ وتتعلّم من بعضها البعض، شعوب تتعاون طمعا في النهضة بالإنسانية والارتقاء بها إلى مستويات أخرى.. كان الكون وسيظلّ مكانا تلتقي فيه حضارات متعدّدة وتقيم علاقات فتستفيد كلّ حضارة من الحضارات الأخرى وبهذا يكون كلّ شخص وكلّ فرد من كلّ حضارة مسؤولا ومشاركا في مسيرة التقدّم التي تعيشها الإنسانية. رغم جمال هذه الفكرة ورغم رغبة جلنا في العمل بها إلاّ أن الواقع فرض شيئا مختلفا وجعلنا نقارن أحلامنا بما نعيشه فلا نجد أيّ تطابق بينهما، لقد تحوّلت الحياة إلى صراع حضارات وصراع مجموعة من البشر الذين يملكون عرقا مختلفا، لقد تحوّلت إلى مكان يكره فيه الرجل الأبيض كلّ شخص أسود ويراه كأنه عبدا، ويقتل فيه الرجل الأسود كلّ شخص أبيض ويرى على أنه تهديد، بل وتجاوز الأمر إلى أبعد من العرق فأصبح الحديث عن الأصل والمنشأ. فالعرق العربي يملك ضغينة ضد العرق الغربي والعرق الغربي يتّهم العرق العربي بالتخلّف والانجراف وراء الأساطير معمّما هذا الأمر على الجميع، نحن نعيش صراعا فكريا وعرقيا جعلنا نذوّق وطأة التمييز العنصري. على مرّ التاريخ كان الميز العنصري هو أكثر ما يتحدّث عنه النّاس محاولين إيجاد أسباب وحلول له، لم يتقبّل البشر فكرة أن يعيشوا باختلافات فأصبحوا يطعنون في هذه الاختلافات ويعتبرونها وسيلة لافتعال المشاكل وسببا وجيها لنشر الحساسيات، ولعلّ هذه القضية اليوم هي أهمّ قضية على طاولة البشرية. التمييز العنصري أساسا هو شعورك بأنك أفضل من غيرك بناء على عرقك أو دينك أو أصلك أو مكان عيشك، التمييز العنصري يجعل البشر يحتقرون بعضهم البعض فيرى كلّ شخص منهم أنه الأحقّ بالعيش من غيره سواء لأنه أبيض أو لأنه من بلد متقدّم أو لأنه مسيحي أو يهودي أو مسلم. للأسف الشديد وصل الحال بالبعض إلى قتل الآخرين زعما منهم أنهم يصنعون معروفا للبشرية بالقضاء على جنس غير منتج ولا يستحقّ الحياة، التمييز هو كأنك تلبس ثوبا من الحقد والبغض اتجاه إنسان ذنبه الوحيد أنه ولد أسود البشرة أو بين عائلة مسيحية ومحاولة إيهام الجميع بصدق نيّتك في خدمة الإنسانية بأفعالك الذميمة. لا يمكن للبشرية بأيّ حال من الأحوال أن تتقدّم وما يزال أناسها يقتتلون تكريسا لثقافة الميز العنصري، فعوض أن تكون المسيرة هي مسيرة نهضة فإنها تصبح مسيرة توجّهات وألوان بشرة وأديان، والغريب في الأمر أن يتّخذ الميز العنصري من التوجّهات السياسية والطائفية والأديان والأفكار والمبادئ كأسباب له. كم من مرّة سمعنا نداء للجهاد ضد الكفّار هنا أو هناك، كم من مرّة سمعنا أحد العلمانيين يطعن في أحد الإسلاميين وكم من مرّة حدث العكس، كم من مرّة قذفنا أشخاصا بعبارة التخلّف لأنهم لا يناسبون أفكارنا وكم من مرّة تجاهلنا أشخاصا آخرين ونبذناهم لأنهم لا يملكون نفس مبادئنا. من المنطقي أن تكون هناك اختلافات لكن الشيء الخطير أن تتحوّل هذه الاختلافات إلى ذريعة للكره والحقد والتصرّفات اللاّ مسؤولة، والتي تنصّ كلّ الكتب السماوية على معاقبتها وتنتقدها بشكل لاذع كلّ دساتير العالم. لم ولن يكون شخص أحسن من شخص آخر بناء على عرقه أو دينه، كلنا بشر وكلّنا نملك الحقّ في الحياة والتمتّع بأيّامنا، التخلّف هو من ينتج هذا التمييز والعقلانية تشترط طرده من حياتنا، كلّ الأديان جاءت للتقريب بين الأمم والشعوب. أأسف عندما أدرك أنه في هذا العالم الواسع ما يزال هناك البعض يعاني لمجرّد أنه ولد أسودا أو مسيحيا أو اختار العلمانية منهجا، قد يكون هناك أمل لكن مثل هذه التصرّفات تجعلني أعيد التفكير في هذا الأمل. كلّ العظماء نبذوا هذا التمييز وحاربوه، لذلك ومثلما كان مارتن لوثر كينغ يملك حلما أن أولاده يوما سيمشون في الشارع دون أن يتحمّلوا نظرة النّاس البشعة إليهم، فإنه علينا أن نحلم بأنه يوما سنمشي في أيّ مكان فنجد الأخوة والمحبّة منتشرة رغم الاختلافات لأن التمييز هو مشنقة للإنسانية.