إن الكلمة الغربية المنصفة للإسلام وأمته وحضارته هي أمضى الأسلحة في مواجهة حمى (الإسلاموفوبيا) التي تنتشر في الغرب هذه السنوات، مشبهة الإسلام بالشيطان، وزاعمة أنه أخطر من النازية والفاشية والشيوعية جميعا. وإن تسليط الأضواء على شهادات العلماء الغربيين المنصفين للإسلام هو الرد المفحم على الجهلاء الذين يسيئون إلى الإسلام، خصوصا وأن هذه الشهادات تجيد مخاطبة العقل الغربي، وهي صادرة عن علماء لهم مكانتهم في الثقافة الغربية. ومن نماذج هذه الشهادات الغربية ما كتبته المستشرقة الألمانية (سيجريد هونكة) (1913- 1999م) عن سماحة الإسلام، ودور هذه السماحة في ازدهار الحضارة الأندلسية التي تتلمذت عليها أوربا في خروجها من عصور الظلمات إلى أنوار النهضة الحديثة. وفي هذه الشهادة تقول (سيجريد هونكة): (إن سماحة النفس العربية وتسامحها الآسر الغامر الذي نما في ثرى تلك القارة تحت ظلال الحضارة العربية الفريدة كان لهما أبلغ الأثر في ازدهار إسبانيا العربية _ على العكس من اضطهاد (ايزيدورس) لليهود والمارقين إبان عصر القوط الغربيين. لقد سمح العرب لضروب الفكر على تباين المفكرين واختلافهم أن تتلاقح وتثمر في تساوق سام، وانسجام تام، دون أن يدب إليها الانحطاط إذا سكنت رياحتها، لا فرق بين العرب والقوط، والبربر والمصريين واليهود والسوريين وسكان أيبريا والفرس، ولقد انسحب ذلك على المسلمين _ وقد كانوا الأغلبية _ وعلى غيرهم من اليهود ومن النصارى غير مغبونين. إن العرب هم الذين أبدعوا إبداعا يكاد يكون من العدم، هذه الروعة الحضارية الشامخة في إسبانيا، تلك الجنة فريدة الجمال الأستاذة في فن العمارة، والمغنيين والمغنيات، والشعراء والشاعرات والعلماء، بل جنة المرأة التي نسج الغرب حولها صورا خيالية شيطانية غاية في الوحشية دون أن يكون له أدنى معرفة أو حتى إلهام طفيف ضحل بها. إن الكتب آنذاك كانت نادرة الوجود شمالي جبال البرانس، حتى أنها كانت في الأديرة تثبت بالسلاسل بينما ذهب رجال الدين النصارى آنذاك إلى أن طلب العلم والمعرفة _ بعد أن نزل الإنجيل- تجديف وكفر بالله، مثلما زعم من قبل ترتوليان: (160 _ 220 م) وأغسطس (354 _ 430م) اللذين لعنا حب الاستطلاع، أو (الفضول المريض) واصفين إياه بأنه واحدة من أخطر صور الوسوسة والضلال مما يسلم الفضولي إلى الملاحقة والتعذيب! وبينما عاشت النصرانية في ظل الحكم الإسلامي قرونا طوالا في الأندلس وفي صقلية وفي البلقان فإن انتصار النصرانية على الإسلام في الأندلس عام 1492م لم يعن سوى طرد المسلمين واليهود واضطهادهم وإكراههم على التنصر، واستئناف نشاط محاكم التفتيش التي قامت بتعقب كل من يتخذ سوى الكاثوليكية دينا، والحرق العلني في احتفالات رسمية تحفها الطقوس والشعائر الكنسية لكل من اعتنق الإسلام أو اليهودية، ولم تلغ محاكمة التفتيش إلا في عام 1834م. لقد كفلت معاهد السلطان الكامل (615 635 ه ، 1218 _ 1238م) ابن أخي صلاح الدين الأيوبي (564 _ 589 ه، 1169 _ 1193م) مع القيصر فريدريك الثاني (1194 _ 1250م) المساواة التامة بين المسلمين وغير المسلمين، والاحترام المتبادل والحرية الكاملة لليهود والنصارى والمسلمين في إقامة شعائرهم الدينية في أنحاء الأرض المقدسة كافة كما شاؤوا. ولقد كتب بطريرك القدس (تيودوسيوس) في أوائل القرن الحادي عشر إلى الأسقف (إخناتيوس) في بيزنطة _ يقول: (إن العرب هنا هم رؤساؤنا الحكام، وهم لا يحاربون النصرانية بل على العكس من ذلك يحمونها ويذودون عنها، ويوقرون قساوستنا ورهباننا ويجلون قديسينا). بينما أصدر وعاظ الحروب الصليبية (برنارد كليرفوكس) أمره إلى المحاربين الصليبيين (إما التنصير أو الإبادة). ولقد وصف المؤرخ الأوروبي (ميشائيل درسيرر) مذبحة المسلمين في القدس عام 1099 على يد الصليبيين، وكيف كان البطريرك نفسه يعدو في زقاق بيت المقدس ووسيفه يقطر دما حاصدا به كل من وجده في طريقه، ولم يتوقف حتى بلغ كنيسة القيامة وقبر المسيح، فأخذ في غسل يديه تخلصا من الدماء اللاصقة بهما، مرددا كلمات المزمور التالي: (يفرح الأبرار حين يرون عقاب الأشرار ويغسلون أقدامهم بدمهم فيقول الناس حقا إن للصديق مكافأة وإن في الأرض إلها يقضي). ثم أخذ في أداء القداس قائلا: (إنه لم يتقدم في الرب بأي قربان أعظم من ذلك ليرضي الرب)! وعندما احتل الصليبيون دمياط عام 615ه ، 1218م، أبادوا جميع من بها بناء على أوامر البابا ومبعوثيه الكرادلة ورجال الكنيسة، فلما انتصر السلطان الكامل على هذه الحملة عام 1221م أكرم أسراهم ولم يقتص منهم، وإنما أطعمهم في مسغبة أربعة أيام طوالا، مرسلا إلى جيشهم المتضور جوعا كل يوم ثلاثين ألف رغيف ومواد غذائية أخرى، وشهد بهذا الإكرام أحد هؤلاء الأسرى عالم الفلسفة اللاهوتية (اليفروس) من كولونيا نهر الراين بألمانيا. * عن موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين -بتصرف-