على الرغم الحرب الشرسة التي تُشن على الإسلام في وسائل الإعلام البريطانية لتشويهه في أعين البريطانيين إلا أن هذا الدين يكسب كل يوم أنصارًا من علية القوم، لا بل من نجوم المجتمع الذين يملكون المال والشهرة، ولكنهم لم يجدوا فيها لا سعادة روحية ولا استقرارًا نفسيًا، وعلى الرغم من ضعف المسلمين وعدم وجود من يدافع عنهم ويحميهم، ويعرض الإسلام بصورته الناصعة، إلا أن الناس (المميزين) يدخلون في دين الله بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم قوة الدفع الذاتية الموجودة في هذا الدين الخالد. كان الموسيقي البريطاني براين هويت يعيش حياة عادية ليس فيها ما يثير فضول الصحافة والصحافيين إلى أن تصدّر اسمه صحيفة محلية في المنطقة التي يعيش فيها، حيث نشرت تلك الصحيفة خبرا عن براين بعنوان (براين يلجأ إلى الله)، معلنة بذلك اعتناقه للدين الإسلامي، وهكذا بدأت تغييرات كبيرة تحدث في حياة براين وتجعلها حياة غير عادية، بدأت بتغيير اسمه الذي اعتاد عليه من براين هويت إلى إبراهيم هويت. ومن ثم هجر الموسيقى والخمر والليالي الماجنة إلى العمل جاهدًا على اتباع ما أمر الله تعالى واجتناب نواهيه. من العنصرية إلى التسامح وقرر براين هويت في عام 1981 أن يصبح مسلماً باعتناقه للدين الإسلامي، ليدخل ضمن عشرات الآلاف من البريطانيين الذين اعتنقوا الإسلام خلال العقدين الأخيرين. وترك وراءه حياة الموسيقى الصاخبة. وكان هويت عازفاً موسيقيًا في فرقة موسيقية عسكرية. كما استقال من وظيفته في شركة للتأمين، وذلك للتفرغ للدعوة إلى الله، وتعلم المزيد من تعاليم الإسلام ومبادئه. ولد هويت في ثورث شيلدز، ولكنه كان لا يعرف شيئًا عن الجالية اليمنية في ساوث شيلدز، وهي من أقدم الجاليات المسلمة في بريطانيا. وهذه الجالية استقرت في بادئ هجرتها في شمال شرق بريطانيا قبل قرن من الزمان. وقال هويت واصفاً نفسه: إنه من المحتمل أن أكون عنصريًا متطرفاً في عنصريتي قبل اعتناقي للدين الإسلامي، الدين الذي علمني معنى التسامح والتراحم بين الناس، ونزع عني شرور التطرف والكراهية والقسوة. وأضاف هويت: أعتقد أنه من فرط عنصريتي وتطرفي أنني لم أتحدث مع شخص غير أبيض لمدة 21 عاماً من حياتي. فكنت شخصاً معتداً بنفسه وبلون بشرته أكثر من اللازم، وأعيش حياة نظيفة وراقية، وأجتهد في عملي كسائر أبناء الشمال البريطاني، وكنت أحسب أن العالم ينتهي عند مدينة ميدلسبره البريطانية، حيث تنشئتي وتربيتي هناك. وأوضح هويت أنه كعازف موسيقي متمرس مع فرقة موسيقية عسكرية، كان يشارك في الأداء الموسيقي مع فرق غنائية معروفة. ويتذكر أنه كان يعزف مع فرقة ستينج الموسيقية في إحدى الحفلات الغنائية في قاعة ألبرت هول بلندن، وذلك في عام 1975، وأقيمت هذه الحفلة الغنائية ضمن مسابقة لاختيار أفضل الفرق الغنائية الموسيقية على المستوى الوطني. مشاهدة المصلين كانت المفتاح وبعد المشاركة في تلك الحفلة الغنائية الموسيقية سافر هويت إلى جوهانسبرج في جنوب أفريقيا لزيارة عبدة، زوجته في ما بعد، وهناك بدأت معالم رحلته الإيمانية، إذ إنه ذهب إلى أحد المساجد في مدينة جوهانسبرج وشاهد مصلين من مختلف الأجناس والألوان يصلون مع بعضهم. وقال هويت: عندما رأيت ذلك المشهد الرهيب قلت لنفسي: ما هي حقيقة الإسلام؟ هذا الدين الذي يستطيع أن يجمع الناس في جنوب أفريقيا من كل الأماكن ومن مختلف الأجناس والألوان؟ وعندما عدت إلى بريطانيا حرصت على البدء في القراءة عن الدين الإسلامي. وقال هويت بعد تأثير مشهد ما، شاهدته في أحد مساجد جوهانسبرج، حيث اجتمع المصلون على اختلاف أجناسهم وألوانهم في مكان واحد يعبدون الله سبحانه وتعالى، قلت لنفسي: لا بد أن هناك سرًا عظيمًا في هذا الدين الذي استطاع أن يجمع هؤلاء على محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويجعلهم يتناسون خلافاتهم وفروقهم، فقررت إشهار إسلامي بعد دراسة عميقة للدين الإسلامي. وشعرت بارتياح وسعادة بالغتين لأن الله سبحانه وتعالى هداني إلى هذا القرار الخاص باعتناقي للإسلام. وسارعت إلى تعليق آلاتي الموسيقية وهجرت شرب الخمر والذهاب إلى الحانات والليالي الصاخبة، ولكن حياتي الجديدة بعد إسلامي لم تكن سهلة. فقد كان والدي منزعجاً ومتضايقًا من هذا القرار. وقال هويت: إن والدي عندما عرف قرار اعتناقي للدين الإسلامي لم يرحب به، بل كان قلقا ومنزعجا منه، إذ إنه كان يعتقد أنني أصبحت باكستانيًا وليس مسلمًا بريطانيا، فهو يظن أن من يعتنق الإسلام من البريطانيين يريد أن يصبح باكستانيا، ولم يكن يعلم أن الإسلام دين الله للجميع ففيه الباكستاني والبريطاني. وكلهم عند الله سواسية لا يُفضل بعضهم على بعض إلا بالتقوى. وفي النهاية قررنا أنا ووالدي أن نتفق على ألا نتفق حول مسألة اعتناقي الإسلام. وأضاف هويت: لا أستطيع أن أقول: إنه كان لدي أصدقاء من الباكستانيين قبل أن أصبح مسلما في عام 1981. الاختلاف والتوافق ومن نافلة القول: أن نذكر أن هويت يعيش في شمال لندن. كما عمل لمدة عامين المساعد الشخصي للداعية الإسلامي يوسف إسلام، الذي كان قبل إسلامه، يعرف بكات ستيفنس، وكان مغنيًا شعبياً معروفًا، ولكن هويت يعمل حاليًا في مجلس التعليم الإسلامي في بريطانيا. كما أنه حج إلى بيت الله الحرام أكثر من مرة، ولكن تغيير ثقافته من الثقافة الغربية إلى الثقافة الإسلامية لم يكن بالأمر السهل. وقال هويت: إن مسألة اختلاف ثقافتين أي اختلاف الثقافة الغربية والثقافة الإسلامية من التجارب الصعبة التي يمر بها المسلمون البريطانيون الجدد، خاصة بين المسلمين الجدد البيض، إذ إن أحدهم إذا دخل المسجد لأداء الصلاة يلاحظ أن كل رؤوس المصلين تلتفت إليه وتحدقه بنظراتها، لا لشيء سوى أنه شخص أبيض، وهي نظرات فيها قدر من الارتياب وتساؤل غير محدد. والغريب أن البريطانيين خاصة، والغربيين عموماً ، يرتابون في المسلمين الجدد البيض، وكأن الإسلام هذا دين قاصر على السود والملونين فقط، وكأنه أيضاً دين محصور في الفقراء والطبقات الدنيا من المجتمع. بينما الإسلام في حقيقته ليس كذلك، بل هو دين الله لكافة عباده. ويتضح ذلك جلياً في قول الله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم). وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (كلكم سواسية كأسنان المشط). فمن هنا يتبين لنا أن الإسلام لا يفاضل بين العربي والأعجمي ولا بين الأبيض والأسود إلا بالتقوى. وأن المسلمين كلهم سواسية كأسنان المشط. وأضاف هويت: إن الذين يحدقون بنظراتهم في المسلم الأبيض الذي دخل المسجد لنفس الغرض، بعد التأكد من هذه النظرات نجدهم لا يحدقون في أخ مسلم، بل ينظرون إلى رجل أبيض تطفل بالدخول في حي آسيوي، خاصة بعد أن أصبحت كثير من المساجد في بريطانيا أشبه بالأحياء الآسيوية، إذ إن بعض هذه المساجد تقتصر الصلاة فيها على مجموعات آسيوية من دون المجموعات المسلمة البريطانية الأخرى. وذهب هويت إلى أن المسلمين السود الذين يمثلون المصدر الرئيسي لأولئك الذين يهتدون إلى الإسلام في المجتمعات الغربية يواجهون نفس نظرات الارتياب التي يواجهها إخوانهم المسلمون البيض في مساجد بريطانيا من قبل الإخوان الآسيويين خاصة من ذوي الأصول الهندية والباكستانية والبنغلاديشية. ودعا هويت المسلمين في بريطانيا إلى التغاضي عن اختلاف الألوان والأجناس، والتمسك بتعاليم الإسلام التي لا تعرف هذه الفوارق. كما انتقد هويت المسلمين الإنجليز الذين لا يحيّون إخوانهم المسلمين بتحية الإسلام الخالدة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. وانتقد أيضاً سلوك بعض الآسيويين في التعامل مع إخوانهم المسلمين الآخرين، إذ إنهم يعاملون المسلم الجديد قياساً على اتباعه لثقافتهم الآسيوية، فإذا لم يأكل طعامهم (الحار)، أو يمجد ثقافتهم، فهو ليس أخاهم في العقيدة والدين. من هنا لا بد من الإشارة إلى أن كثيرًا من المسلمين البريطانيين يواجهون مشكلة الاختلاف بين الثقافتين، خاصة أولئك المسلمين البيض. فهناك اختلاف كبير، وفوارق جوهرية بين ثقافتهم الأصلية التي نشؤوا وتربوا عليها، وهي الثقافة الغربية وبين ثقافتهم الجديدة التي يحرصون على التكيف معها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وهي الثقافة الإسلامية. لذا نجد هؤلاء المسلمين البريطانيين الجدد (البيض) يتنازعون بين هاتين الثقافتين. ويجتهدون في البحث للتعرف على القواسم المشتركة بينهما، والعمل جاهدين على المواءمة بين هذه القواسم المشتركة للثقافتين الغربية والإسلامية.