ومثلما راهنت فرنسا الاستعمارية على عامل الزمن خلال حقبة الاحتلال لفرض واقع الاستدمار واعتقدت أن الجزائريين "سيقبلون" بالواقع الاستعماري مع مرور الوقت، راهنت السلطات الفرنسية، في فترة ما بعد استقلال الجزائر، على عامل الزمن أيضا لفرض واقع النكران، نكران الجرائم الاستعمارية وضحاياها الجزائريين الكثيرين، وظنت أنها ستصبح صديقة للجزائر مع مرور الوقت، وأن الجزائريين وإن لم يسامحوها ولن يسامحوها على ما اقترفته من جرائم في حق إخوانهم وآبائهم وأجدادهم فإنهم سينسون تلك الجرائم مع مرور الوقت، فتصبح نسيا منسيا، ولكن هيهات هيهات، فالجزائريون لم ولن ينسوا جرائم الاستعمار، بدليل أن مطلب تجريم الاستعمار المجرم بإجماع كل العاقلين على الأرض ظل أبرز مطلب خارجي للجزائر على مدى عقود عديدة، وبعد نصف قرن من نهاية الحقبة الاستعمارية مازال أبناء الجزائر يطالبون فرنسا بالاعتراف بجرائم الاستعمار ومن ثمة الاعتذار عنها وتعويض ضحاياها! ولكن بين ما يطلبه الجزائريون، وما تريده فرنسا، هوة سحيقة تجعل الاعتراف الفرنسي الرسمي بالجرائم الاستعمارية حلما بعيد المنال، أما الاعتذار والتعويض فلم يرتقيا بعد إلى مصاف الأحلام، ومازالا مجرد وهمين يتوهمهما المتفائلون بتوبة رسمية فرنسية، ولو بعد حين·· والظاهر أن معظم جرائم الاستعمار تبقى دون عقاب، في الحياة الدنيا على الأقل، ولنا في تجارب غيرنا دروس وعبر، ولعل آخر تجربة تستحق التوقف عندها بإمعان تجربة الشعب العراقي الشقيق الذي ما يزال يعاني تحت وطأة الاحتلال الغربي، والذي كشفت الوثائق السرية المنشورة أخيرا مدى الظلم الذي تعرض له، وكشفت أيضا بعض أسماء المجرمين الذين سفكوا دماء أبنائه، ومع ذلك لم تتحرك أجهزة العدالة في العالم لوضعهم تحت طائلة العقاب، أو على الأقل التحقيق، وبالتأكيد فإن الجرائم الاستعمارية قد تبقى بلا عقاب لمدة طويلة، ولكنها لن تبقى كذلك إلى الأبد، وإن بقيت بعيدة عن دائرة العقاب في هذه الحياة، فإن الآخرة خير وأبقى··