السؤال: أثناء استعدادي للسفر لأداء فريضة الحج توفي زوجي، فتابعت الإجراءات بعد وفاته وسافرت وأديت الفريضة، ولكن قيل لي: إن حجك غير صحيح، فما رأي الدين في ذلك؟ * من المقرر شرعًا أنه يجب على المرأة المتوفى عنها زوجها أن تتربص وتعتد أربعة أشهر وعشرة أيام؛ لقوله تعالى: "والذين يُتَوَفَّونَ منكم ويَذَرُونَ أَزواجًا يَتَرَبَّصنَ بأَنفُسِهنَّ أَربَعةَ أَشهُرٍ وعَشرًا فإذا بَلَغنَ أَجَلَهنَّ فلا جُناحَ عليكم فيما فَعَلنَ في أَنفُسِهنَّ بالمَعرُوفِ واللهُ بما تَعمَلُونَ خَبِيرٌ" البقرة:234، ثم اختلف السلف: هل السُّكنى من لوازم الاعتداد: فجماهير الفقهاء من السلف والخلف على أن المعتدة تمكث مدة عدتها في بيتها، فلا تخرج لحج ولا لغيره؛ واستدلوا على ذلك بحديث الفُرَيعةِ بنتِ مالِكِ بنِ سِنانٍ -وهي أُختُ أَبي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ رضي الله عنهما- أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَمَرَها أَن تَمكُثَ في بيتها حتى تَنتَهِيَ عِدّتُها. رواه الإمام مالِكٌ في المُوَطَّأِ، والشّافعيُّ عنه، وأَحمَدُ وأَبُو داوُدَ والتِّرمِذِيُّ والنَّسائِيُّ وابنُ ماجه وصححه ابنُ حِبّانَ والحاكِمُ. ونُقِل عن بعض السلف مِن الصحابة والتابعين أن السُّكنى ليست مِن العدة، فيجوز للمعتدة أن تعتد حيث شاءت، ولا يحرم عليها أن تحج أو تعتمر في عدتها، رُوِيَ ذلك عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعائشة وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم، وبه قال الحسن البصري وجابر بن زيد وعطاء بن أبي رباح، وإليه ذهب الظاهرية، وحجتهم أن الآية دلت على وجوب العدة لا على وجوب السُّكنى للمعتدة، وأجابوا عن الحديث بأنه ضعيف، وأنه على فرض صحته فإنه واقعة عين. وقول الجمهور وإن كان راجحًا لاعتماده على الحديث الصحيح إلا أن القواعد المقررة شرعًا أنه لا ينكر المختلف فيه وإنما ينكر المتفق عليه، وأنه يجوز الأخذ بمذهب مَن أجاز عند الحاجة إليه، وعليه فيمكن الأخذ بمذهب هؤلاء النفر مِن السلف في حَجة الإسلام؛ وذلك لِمن يندر بالنسبة إليها تكرار فرصة الحج إذا فاتت، أو لِمن كانت قد دفعت نفقات الحج الباهظة بالفعل. واتفق الفقهاء جميعًا سواء في ذلك القائلون بالمنع والقائلون بالإباحة على أن مَن خرجت في عدتها للحج فحجها صحيح يُجزئها عن حجة الإسلام، وعلى ذلك فقول مَن قال إن حجك غير صحيح هو قول غير صحيح.