رغم أنه لم تمض سوى ثلاثة أشهر على إعادة انتخابه لعهدة رئاسية رابعة، إلاّ أن لمسات رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة بدت واضحة من خلال الحرص على تجسيد الوعود التي تمّ إطلاقها خلال الحملة الانتخابية لرئاسيات أفريل 2014، وقد تجسّد ذلك على عدّة مستويات، فسياسيا تواصل حراك الإصلاحات واجتماعيا شهدت البلاد أكبر عملية ترحيل نحو سكنات جديدة منذ عقود طويلة، واقتصاديا تمّ الشروع في البحث عن بدائل للنفط رغم ما صاحب ذلك من جدل أثارته قضية استغلال الغاز الصخري. كان الدستور أولى الورشات السياسية التي فتحها الرئيس في عهدته الجديدة، واجتماعيا استفادت عشرات الآلاف من العائلات من سكنات جديدة، واستفاد عموم الجزائريين من إجراءات يمكن وصفها بالثورية بهدف تخفيف معاناتهم مع البيروقراطية وتحسين ظروف معيشتهم، ويبقى عدم تجاوب بعض المسؤولين التنفيذيين والمحلّيين مع الإجراءات المتّخذة نقطة سوداء يأمل الجزائريون التخلّص منها في أقرب الآجال. الرئيس ينفّذ وعوده لم ينتظر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كثيرا للشروع في تنفيذ وعوده الانتخابية، فمن مشروع الدستور التوافقي إلى مشروع قانون صندوق النّساء المطلّقات ورفع منحة المتقاعدين، مرورا بمشروع تقليص مدّة الخدمة الوطنية من سنة ونصف إلى سنة واحدة، ومن ترحيل عشرات الآلاف من العائلات إلى سكنات جديدة إلى تقليص الأعباء البيروقراطية على الجزائريين، يواصل بوتفليقة تنفيذ وعوده الانتخابية بسرعة كبيرة، حيث لم تمض سوى أسابيع قليلة على إعادة انتخابه لعهدة رابعة حتى بدأت الوعود التي أطلقها خلال الحملة الانتخابية لرئاسيات السابع عشر أفريل الماضي ترى النّور بصفة تدريجية ليثبت أنها لم تكن مجرّد كلام أو أوهام، بل (كلمة رجال). سكنات جديدة.. كانت الجزائر العاصمة وغيرها من ولايات القطر الوطني، بداية من السبت 21 جوان الماضي، على موعد مع عمليات ترحيل عشرات الآلاف من العائلات القاطنة في بيوت قصديرية وهشّة وشاليهات نحو مساكن جديدة، وهي العملية التي ستُستأنف بعد شهر رمضان لتشمل عشرات الآلاف من العائلات الأخرى المعنية بالاستفادة من سكنات جديدة. هذه العملية التي تمسّ مختلف ولايات الجزائر منذ أسابيع استفاد منها المواطنون الذين كانوا يقطنون في سكنات هشّة أو شاليهات أو في البيوت القصديرية، وصفها بعض الملاحظين بأنها أكبر عملية إسكان وترحيل منذ الاستقلال، حيث سيتمّ، إجمالا، توزيع ما يقارب 230 ألف وحدة سكنية. البداية كانت من العاصمة بالرويبة ومن ثَمّ ولاية وهران، حيث تمّ إسكان 400 عائلة في سكنات لائقة، كما ستكون العاصمة في الواجهة باعتبارها الأكبر من حيث عدد السكان ومن حيث البنايات المهدّدة بالسقوط أو المصنّفة في الخانة الحمراء. تمّ خلال أوّل عملية ترحيل عشرين ألف عائلة نحو سكنات جديدة بولاية الجزائر العاصمة قبل أيّام من بداية شهر رمضان المعظّم، وكانت الحكومة قد أصدرت تعليمات للوُلاّة بتوزيع كلّ السكنات الجاهزة والمقدّرة ب 230 ألف في التراب الوطني -حسب وزير العمران والبناء والمدينة عبد المجيد تبّون- في أقرب الآجال. واجتماعيا دائما، شرع أكثر من مليوني متقاعد قبل أسابيع في الاستفادة من زيادات جديدة في معاشاتهم الشهرية تبعا للزيادة التي أقرّهها رئيس الجمهورية بنسبة 12 بالمائة تنفيذا لوعوده. الخدمة الوطنية.. سنة فقط! يتذكّر الشباب أن عبد المالك سلاّل، مدير الحملة الانتخابية للمترشّح بوتفليقة، أطلق خلال الحملة الانتخابية وعدا يقضي بتقليص مدّة أداء الخدمة الوطنية من 18 إلى 12 شهرا، وبعد فوز بوتفليقة بعهدة رئاسية جديدة اتّضح أن الأمر لم يكن مجرّد وعد انتخابي لاستمالة الشباب، حيث سارعت الحكومة إلى مراجعة قانون الخدمة الوطنية وعرضت المشروع على نواب البرلمان. وفي هذا السياق، صادق نواب المجلس الشعبي الوطني بالأغلبية يوم الأربعاء الماضي في جلسة علنية على مشروع القانون المتعلّق بالخدمة الوطنية الذي تضمّن أساسا تقليص مدّتها إلى سنة واحدة بدل 18 شهرا. وقد عرفت الجلسة امتناع نواب حزب العمال وحزب جبهة العدالة والتنمية عن التصويت حول مشروع القانون الذي حظي بنقاش نهاية جوان المنصرم من طرف نواب الغرفة السفلى تمّ خلاله تقديم 26 تعديلا. وتمحورت التعديلات التي اقترحها النواب حول تقليص مدّة الخدمة من سنة إلى ستّة أو أربعة أشهر واقتراح حصرها على المواطنين الذكور والمطالبة بإلغاء المادة السابعة المتضمّنة عدم إمكانية التوظيف أو مزاولة مهنة أو نشاط حرّ لكلّ مواطن لم يبرّر وضعيته إزاء الخدمة الوطنية، إضافة إلى احتساب مدّة الخدمة في التقاعد المسبق والنسبي. دستور قادم واصل الرئيس بوتفليقة قيادة قطار الإصلاحات السياسية، وبعد أن وعد خلال الحملة الانتخابية بدستور توافقي أوكل إلى مدير ديوانه مهمّة الإشراف على ورشة مشاورات تعديل الدستور، مبقيا باب إجراء استفتاء شعبي على الدستور القادم مفتوحا، بعد أن عقد وزير الدولة، مدير ديوان رئاسة الجمهورية أحمد أويحيى، 114 لقاء وتلقّى حوالي 30 إسهاما كتابيا في إطار المشاورات الواسعة التي قرّرها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة قصد التوصّل إلى مراجعة توافقية للدستور، ومن المقرّر أن يتمّ تلخيص واستغلال كلّ المساهمات المسجّلة في نهاية أوت المقبل. جاء في بيان لرئاسة الجمهورية صدر يوم الأربعاء الماضي أنه تنفيذا لقرارات الرئيس بوتفليقة المعلن عنها خلال مجلس الوزراء المنعقد في 07 ماي الفارط والمتعلّقة بإجراء مشاورات واسعة قصد التوصّل إلى مراجعة توافقية للدستور، عقد السيّد أويحيى بين الفاتح جوان والثامن جوياية (114 لقاء مع شخصيات وطنية وأحزاب سياسية وجمعيات ومنظّمات، وكذا مع كفاءات جامعية). وبالإضافة إلى ذلك، (تلقّى ديوان رئاسة الجمهورية حوالي ثلاثين إسهاما كتابيا وردّ عن مسؤولين سابقين وعن جامعيين وجمعيات مختلفة). وأفاد البيان بأنه (بعد الانتهاء من مرحلة اللّقاءات سيتكفّل ديوان رئاسة الجمهورية إلى غاية نهاية شهر أوت المقبل بعملية التلخيص والاستغلال الوفي للمساهمات التي تلقّاها من جميع المشاركين في الاستشارة حول مشروع تعديل الدستور). عقب ذلك، يعرض الملف على رئيس الجمهورية الذي يقرّر المراحل المقبلة لعملية مراجعة الدستور كما أضاف نفس المصدر، وهو ما يعني أن إمكانية إجراء استفتاء شعبي على الدستور واردة إن ارتأى الرئيس بوتفليقة ذلك. وفي المجموع -يضيف نفس البيان- تمثّل اللّقاءات التي نظّمتها رئاسة الجمهورية والإسهامات التي تلقّتها (جانبا واسعا من المجتمع وهي تعكس إرادة رئيس الجمهورية في التوصّل إلى أوسع توافق ممكن حول مشروع مراجعة الدستور). ومن ضمن الشركاء الذين تمّ استقبالهم أو الذين قدّموا إسهاما كتابيا هناك 50 حزبا سياسيا ومجموعتين برلمانيتين مستقلّتين يمثّلون من جهة 80 بالمائة من أعضاء البرلمان، ومن جهة أخرى 90 بالمائة من المنتخبين بالمجالس الشعبية البلدية والولائية. الحرب على البيروقراطية تتواصل بعد أن توجّس المتتبّعون خيفة من إلغاء الوزارة المكلّفة بالخدمة العمومية وتكليف الوزير محمد الغازي الذي كان يديرها بمهمّة الإشراف على وزارة العمل، وعبّروا عن مخاوفهم من عودة غول البيروقراطية إلى الواجهة بقوة، واصل الجهاز التنفيذي بقيادة الرئيس بوتفليقة حربه على البيروقراطية من خلال إطلاق إجراءات جديدة ترمي إلى تسهيل الأمور على المواطنين، ولعلّ أبرز ما تمّ اتّخاذه في هذا الإطار قرار تمكين الجزائريين من استخراج شهادة الميلاد 12 (نسخة أصلية) من أيّ بلدية بعد أن كان الأمر مقتصرا على البلديات التي وُلدوا فيها، وكذا عدم ضرورة تقديم ملف جديد لاستخراج شهادة الجنسية بالنّسبة لمن استخرجها مؤخّرا. كما وجّهت وزارة الداخلية والجماعات المحلّية مؤخّرا تعليمة إلى الوُلاّة تتضمّن إجراءات (فورية) بهدف مساعدة المواطنين على تصحيح الأخطاء المسجّلة في سجِّلات الحالة المدنية والقضاء على المتاعب التي يعانون منها في هذا المجال. وتتمثّل هذه الإجراءات -حسب ما جاء في التعليمة- في (إعداد نماذج لطلب التصحيح بالتنسيق مع مصالح العدالة حسب طبيعة كلّ خطأ ووضعها بين أيدي المواطنين المعنيين لاستعمالها عند الحاجة) و(إعداد دليل يتضمّن الوثائق المطلوبة لكلّ نوع من هذه التصحيحات ووضعه بين أيدي المواطنين المعنيين وذلك لمعرفة الوثائق التي يجب أن تقدم في ملف طلب كلّ تصحيح). كما تتضمّن الإجراءات أيضا (تعيين موظّفيْن مؤهليْن على مستوى كلّ بلدية وتكليفهما بمساعدة المواطنين الرّاغبين في تصحيح الأخطاء المكتشفة عن طريق اتّخاذ الإجراءات اللاّزمة أمام مصالح العدالة عوضا عن المواطنين المعنيين، وذلك حسب الإجراءات المنصوص عليها في المواد من 49 إلى 54 من الأمر رقم 70-20 المؤرّخ في 19 فيفري 1970 المتضمّن قانون الحالة المدنية والنصوص التطبيقية له). وطالبت التعليمة الوُلاّة بموافاة وزارة الداخلية ب (الحصيلة الأسبوعية لهذه التصحيحات مفصّلة حسب طبيعة كلّ خطأ). نقطة سوداء..! يُحسب للرئيس بوتفليقة حرصه على وضع الجزائريين في أفضل الظروف الممكنة، لذلك فقد قدّم العديد من التعليمات والتوجيهات لأعضاء الحكومة والمسؤولين في مختلف المواقع بهدف الاستجابة لانشغالات الجزائريين، لكن ما يؤسف له أن بعض المسؤولين هنا وهناك يضربون بتوجيهات القاضي الأوّل في البلاد عرض الحائط، وهو ما يلمسه المواطن يوميا من خلال مشاكل تواجهه على المستوى المحلّي. ومن المؤسف أنه رغم الجهود الكبيرة جدّا التي تبذلها السلطات العليا في البلاد لتحسين الإطار المعيشي للسكان مازالت بيوت بعض المواطنين بلا كهرباء، ومازالت الطرق غير معبّدة في بعض المناطق، ومازال بعض أطفال المناطق النائية يقطعون مسافات طويلة لبلوغ مدارسهم. ويبقى من واجب الحكومة تنفيذ تعليمات وتوجيهات الرئيس، وكذا مراقبة المسؤولين التنفيذيين والمحلّيين الذين كثيرا ما يتسبّبون في احتجاجات وغضب السكّان بسبب مخالفتهم لسياسة الرئيس بوتفليقة الرّامية إلى تحسين أوضاع الجزائريين.