نعم لقد اقتربت العشر الأواخر من رمضان لكي تحكي لنا قصة (قرب الوداع) لهذا الشهر الكريم ولكي تحكي لنا (ليلة القدر) لعل النفوس أن تنافس ولكي تروي لنا (حلاوة الاعتكاف) فأين المتنافسون؟؟ لقد اقتربت العشر وبدأ السباق، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها، وهو القدوة في علو الهمة فأين المقتدون المهتدون؟؟ إن ليالي رمضان قد آذنت بالرحيل ولسان حالها: أدركني فإنما أنا ساعات) وقد لا تدركني في أعوام قادمة. إنها ليالي العابدين، وقرة عيون القانتين، وملتقى الخاشعين، ومحط المخبتين ومأوى الصابرين. فيها يحلو الدعاء ويكثر البكاء. إنها ليال معدودة وساعات محدودة، فيا حرمان من لم يذق فيها لذة المناجاة.. ويا خسارة من لم يضع جبهته لله ساجداً فيها. إنها ليال يسيرة.. والعاقل يبادر الدقائق فيها لعله يفوز بالدرجات العلى في الجنان.. (وإنها ليست بجنة بل جنان). فيا نائماً متى تستيقظ؟ ويا غافلاً متى تنتبه؟ ويا مجتهداً اعلم أنك بحاجة إلى مزيد اجتهاد، ولا أظنك تجهل هذه الآية ((وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ)) فماذا سيرى الله منك في هذه العشر إن أفضل الليالي هي ليالي رمضان، وأفضلها العشر الأواخر، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يخصّها بِمزيد عبادة واجتهاد. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ، وَشَدَّ الْمِئْزَرَ. رواه البخاري ومسلم وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ. كما في الصحيحين. وذلك طلبا لِليلة القَدْر، وتحريًّا لها وتفريغا لِنفسه مما قد يشغله عن العبادة في تلك العشر الفاضلة. موافقة ليلة القَدْر أرجى ما تكون في العشر الأواخر، وأرجى العشر هي ليالي الوتر، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، وقد أُرِيت هذه الليلة ثم أُنْسِيتها، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين مِن صبيحتها، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وِتْر. قال أبو سعيد رضي الله عنه: فَمَطَرَتْ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَة، وكان المسجد على عريش، فَوَكَف المسجد، فَبَصُرَتْ عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته أثر الماء والطين مِن صُبح إحدى وعشرين. وقال عليه الصلاة والسلام: تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. رواه البخاري ومسلم.