بقلم: عبد القادر حمداوي لقد أمن المسلمون الأوائل بالعلم الذي أثار العقول وانتشر غربا وشرقا بحثا عن العلم واكتسبوا معارف جمة نهل أجدادنا خلال عصور تألقهم الحضاري من كل علم وازدادوا من كل فن وأدب، وتحملوا من اجل العلم كل المعانات، وبذلوا كل ما في وسعهم من اجل معرفة، وعلم وخبرة، واستخرجوا الكنوز من الأرض والبحار. لقد شهد علماء الغرب بقول ( ديورانت) في وضع المسلمين وحياتهم الثقافية ، كانت جميع مسالك العلم الإسلامي تعج بطلاب الدين والجغرافيا والمؤرخين انتشروا في الأرض بحثا وراء المعرفة في هذه الأوعية المتعددة عن ماذا يقرؤون وكيف يختارون ويستوعبون ذلك بسرعة ويسر مع حسن التركيز والإبداع والابتكار عند الحاجة. لقد استطاع أجدادنا أن يستوعبوا ما كان عند الأمم من ثقافات بما اتصفوا به من سرعة فائقة وقوة البديهة. لقد كان انتشار الإسلام سريعا في الجزيرة العربية وما حولها حتى وصل بلاد الأندلس ، لقد صحب هذا التوسع نشاط كبير وأصبح الكل طلاب علم من الرئيس إلى المرؤوس والى اصغر واحد فيهم. ويقول [نيكلسون] احد علماء الغرب: كان العرب يسافرون عبر قارات ثلاث: أوروبا _ أسيا وإفريقيا ، ثم يعودون إلى ديارهم كأنهم نحل عسل تشبع بالعسل ليضفوا بما جمعوا من محصول علمي ثمين إلى حشود من الطلاب المتشوقين للعلم ، وكما ألفوا بهمة عظيمة تلك الأعمال التي اتصفت بالدقة وسعة الأفق والتي استمد منها العلم الحديث. لقد اهتم العرب بالعلم حتى أصبح القارئ أفضل وأسمى من ذلك واجل فالعلم متعة لكسب المعلومات وتحريك للعقل وصقل الوجدان فتعويد تعلم الإنسان القراءة والترغيب بها هي مهمة الجميع بجميع فئاته: أسرة ومدرسة ومحيط اجتماعي ومؤسسات ثقافية متعددة أخرى. انطلق أجدادنا في أديم الأرض يكتسبون المعارف ويطلبون العلم حتى ارسوا دعائم العلم الحديث في وقت كانت أوروبا تتخبط في ظلام دامس ، فكانت تعتمد على تتبع أثار العلماء المسلمين وتترجم مؤلفاتهم. لازال المجتمع العالمي يشهد بان الإسلام هو الذي أرسى دعائم العلم الحديث ، يعتبر ويقرر التاريخ أن علم الكيمياء والطبيعة والرياضيات والطب والفلك من اختراع المسلمين. فلا جدال أن موسى جابر بن حيان هو أول من اخترع علم الكيمياء ، وهو أول من حضر الحوامض وحامض الكبريت وعمل تطبيقات كيمياوية كتقنية المعادن ومؤلفاته لها فضل كبير على علم الكيمياء كما وصف الحامض الازوتي والماء الذي يحلل به الذهب ونترات الفضة والعمليات الكيماوية كالتقطير والتصعيد ونبغ في علم الكيمياء. وعباس بن فرناس وهو أول من استنبط بالأندلس صناعة الزجاج من الحجارة وأول من اخترع محاولة الطيران في الجو. وابن الهيثم ناقض نظرية اقليدس وبطليموس بشان الإبصار ، وقدم وصفا صادقا عن العين وعن العدسات وكان للمسلمين في العلوم الرياضية باع طويل وأول من اشتهر في علم الحساب والنجوم. وأبو عبيد مسلم بن احمد كان عالما بحركات الكواكب وأحكامها ، ومن علماء الإسلام في الهندسة والنجوم. وأبو مسلم بن خلدون ومحمد بن موسى الخوارزمي الذي أعطى في كتابه حساب الجبر والهندسة المعادلات من الدرجة الثانية. وعلم الجبر لعمر أخيام وعبد الله البيروني هو الذي انشأ حساب المثلثات الحديث. لقد ألف المسلمون مؤلفات كثيرة عادت على الإنسان اجمع بالنفع الجزيل والكتاب معين على رقي الفرد والجماعة. لقد أصاب الفيلسوف ديكارت حين قال : إن القراءة والدرس معناهما العيش في صحبة اشرف شخصيات العصور الماضي وهل يحلم الإنسان الكامل البصير في أكثر من أن يكون مزاملا ورفيقا لخير الناس وأشرفهم وأفضلهم فيستفيد من سيرهم وطريقتهم التي ساروا عليها في حياتهم والاستفادة من تجاربهم وخبرتهم العالية بأعمالهم الجليلة فحين تدرس هذه الشخصيات منها: ابن خلدون الذي شرع في كتابه فأكمل مقدمته الخالدة في ذلك المكان الذي قدم أخباره ومتغلغلا في دراسة طبائع السكان وأحوالهم في علم الاجتماع، ويعتبر بحق شخصية بارزة في التاريخ ، وفي الواقع قطعة من تاريخ هذه البلاد. أما الهمذاني الذي ساق حديثه على الأرض ما يرتبط من أركان ومياه وهواء، واكتشف حقيقة وهي أن الكرة الأرضية تجذب الإنسان في كل جهاتها. وابن سينا الذي كان يملك مكتبة مختلفة من كل روض واستحضر الأساتذة لابنه وهو في السادسة من عمره ، قرر أن يدرس الطب بعد أن رأى الأمراض تفتك بالناس ، فخرج بنتائج مذهلة كانت فتحا جديدا في ميدان الطب إلى يومنا هذا لان اكبر الجامعات في العالم تدرس كتب ابن سينا في الطب وكانت شهرته كعالم وطبيب وفيلسوف. وابن رشد الذي تربى في أسرة علم والمنزلة الرفيعة درس علوم الفقه واللغة والأدب لقد كان إمام عصره في علوم الفلسفة والفقه تولى القضاء في اشبيلية في الأندلس وكان قاضي القضاة وكان يتمتع بملكة باهرة ويشهد التاريخ أن المسلمين اعتنوا كثيرا بالعلم ولم يقتصروا على جانب واحد بل توسعوا في البحث وأقاموا أماكن خاصة للعلوم يقصدها جميع الناس للاطلاع والتزود بالثقافة في مختلف العلوم والفضل يرجع إليهم ، أين نحن منهم اليوم ؟ أكد الباحثون والعلماء أن انتشار العلم والمعرفة يعود إليهم الفضل ونحن نعيش في مجتمع المعلومات المتدفقة والسريعة وبدوافع متعددة الأنواع ونتطلع دائما إلى ما هو جديد لنعرف العقبات وكيفية تجاوزها. إننا نريد أن نكون قادرين على أن نؤثر في هذه الحياة ونكون قوة في نفوسنا لتحقيق الأهداف لقد فرض أجدادنا وجودهم منذ ألاف السنين وسنبقى إلى أن يرث الله الأرض وما عليها علينا أن لا تتوانى الجامعات عن الاستثمار في اقتصاد المعرفة والعمل وعلى تطوير مهام الجامعة بما يعزز من دورها في الاستجابة لمتطلبات التنمية وحاجات المجتمع ومواصلة السير نحو الامتياز من خلال توسيع المعاهد الوطنية العليا وذلك ضمن تخصصات تراعي فيها نوعية التأطير وتوسيع دائرة البحث.