بيع الشواء بالأحياء الشعبية عادة لا مفر منها مداخل المقابر تتحول إلى أقطاب تجارية لعرض كل شيء يعتبر عيد الفطر المبارك مناسبة عظيمة لاجتماع أفراد الأسرة الواحدة و كذا لقاء الأهل والأحباب من خلال الزيارات التي يقوم بها الناس لبعضهم البعض، ولكن هناك نوع آخر من الناس من يعتبر العيد فرصة ثمينة من أجل ممارسة التجارة وجني الربح الوفير الذي قد يجنى لمدة شهر أو أكثر في يوم واحد وهو ما يفعله العديد من الشباب. عتيقة مغوفل كثيرون هم من الشباب من يستغلون الأعياد والمناسبات من أجل المتاجرة في أشياء يحتاجها الناس في تلك الفترة من الزمن، وبما أنه حلّ عيد الفطر على الأمة الإسلامية يقوم الكثيرون باستغلال هذه المناسبة أتم استغلال. تجولت (أخبار اليوم) عشية عيد الفطر المبارك ببعض شوارع العاصمة على غرار بولوغين، الرايس حميدو وبينام، فعجبنا للعدد الكبير من الشبان الناصبين لطاولات عليها بضائع مختلفة من لعب ومأكولات على غرار الشواء بمختلف أنواع اللحوم على حسب ذوق الزبون وطلبه، فتقربنا من بعض هؤلاء الباعة لمعرفة الأسباب التي دفعتهم للتضحية بالاحتفال بالعيد مع العائلة وقضاء هذا اليوم في العمل. أنا لا أؤمن بمقولة اللي حاب يربح العام طويل أول من التقيناه كان هشام شاب يبلغ من العمر22 ربيعا ناصبا طاولة لبيع الألعاب بإحدى أزقة شوارع بولوغين، لمحناه من بعيد وهو منهمكا مع الأطفال في عرض أحسن الألعاب لديه محاولا إغراءهم لبيع بضاعته، تقربنا منه على أساس أننا زبائن وقصدناه لشراء بعض من سلعته المعروضة على المارة، بدأنا التحاور معه شيئا فشيئا إلى أن وصلنا إلى طرح سؤالنا عليه لماذا جعل من العيد فرصة للمتاجرة في الألعاب عوض الاحتفال به في البيت مع العائلة، فأجابنا قائلا: (أنا طالب جامعي في السنة الثالثة شعبة الحقوق والعلوم القانونية، وبالتالي فإني أحتاج إلى المال من أجل سد مصاريف دراستي لذلك فإنني أقوم بممارسة بعض الأعمال الموسمية من أجل جني المال، ومن هذه الأعمال بيع الألعاب للأطفال أيام العيد لما فيها من ربح كبير، فالعديد من الأطفال يحصلون على المال من ذويهم وأقاربهم بهذه المناسبة، وبما أنهم يحبون شراء اللعب التي تدر ربحا كبيرا على كل من يتاجر بها، فإني أقوم بنصب طاولة لها من أجل الربح وكسب فائدة كبيرة قد لا أجنيها لمدة شهر كامل، لذلك فأنا لا أؤمن بتلك المقولة الشائعة (لي حاب يربح العام طويل). تركنا هشام يبيع سلعته وانتقلنا إلى شارع آخر. ...التاجر الشاطر من يستغل المناسبات للربح من بولوغين إلى الرايس حميدو إحدى البلديات التي تعرف حركة كبيرة من المواطنين بأزقتها خصوصا أيام عيد الفطر المبارك، الزائر لهذه البلدية يشم ومن بعيد رائحة الشواء التي تخيم على جميع الأجواء، تبعنا الرائحة التي كانت تدغدغ الأنوف والمعدة، إلى غاية أن وصلنا إلى طاولة كانت ملكا لكل من ياسين وسمير شابان في مقتبل، بقينا لبرهة واقفين على بعد منهما من أجل إمعان النظر بهما ومراقبة نشاطهما، فلمحنا أن الطلب كبير على سندويتشات النقانق المشوية التي كانا يبيعانها، وبعد أن نقص عدد الزبائن تقربنا منهما من أجل الحديث إليهما ومعرفة الأسباب التي جعلتهما يعملان أيام العيد عوض البقاء في البيت والاحتفال رفقة العائلة فأجابنا ياسين قائلا: (أنا وصديقي سمير عاطلان عن العمل إلا أننا نعمل جاهدين على كسب بعض المال بطرق شرعية طبعا، لذلك فإننا نمارس بعض الأنشطة التجارية الموازية كبيع الملابس في سوق الدلالة وغيرها، بالإضافة إلى هذا فإننا ومنذ أربع سنوات نستغل فرصة حلول عيد الفطر المبارك من أجل بيع سندوتشات النقانق المشوية للمارة من هنا خصوصا للأطفال الذين تمتلئ جيوبهم بالمناسبة، وجني بعض النقود، فالتاجر الشاطر من يستغل مناسبة العيد للربح). المقابر سبيل آخر لتحقيق أرباح في العيد تركنا سمير وياسين يبيعان نقانقهما المشوية وتوجهنا فيما بعد إلى بينام، و بالتحديد إلى المقبرة المتواجدة بالبلدية، من أجل زيارة أحد القبور هناك، ولكن وبمجرد وصولنا إلى عين المكان وبينما كنا نهم بالنزول من السيارة وإذا بجمع من الأطفال يتجهون نحونا حاملين بأيديهم باقات من زهرة الريحان التي يستعملها الكثير من الناس من أجل تزيين القبور بها، لما فيها من رائحة عطرة كما أنه تقليد قديم بالنسبة للعاصميين، أما عن سعر الباقة الواحدة فيبلغ 30دج ويتجاوزها أحيانا، ومن أراد أن يزيد على ثمنها فهو مشكور عن الأمر مسبقا، سن أولئك الأطفال الباعة يتراوح ما بين 8 و 15 عاما على أقصى تقدير، تقربنا من البعض منهم من أجل سؤالهم من أين يأتون بباقات الريحان ولماذا يبيعونها صبيحة العيد بالمقبرة، فأجابنا زينو صاحب 9 سنوات مفسرا: (أننا نأتي بهذه الباقات من الريحان من غابة بينام لنقوم فيما بعد بإعادة بيعها لزائرين المقبرة)، أما عن السبب الذي يدفعهم للقيام بذلك فقال (نحن أبناء ناس زوالية نضطر للعمل في مثل هذه المناسبات لجمع المال وشراء الأدوات المدرسية اللازمة عندما يبدأ الفصل الدراسي للموسم المقبل). تركنا أولئك الباعة الصغار ودخلنا إلى المقبرة فوجدناها تعج بمجموعة أخرى من الأطفال، لكنهم لم يكونوا يبيعون باقات الريحان، بل هذه المرة كانوا يقومون بنشاط مغاير تماما لنشاط سابقهم فقد كانوا يقومون بغسل القبور بناء على طلب زوارها عوض أن يقوموا هم بذلك، فقد كان كل من هؤلاء الأطفال يقصد أصحاب القبر بمجرد وقوفهم إلى جانبه ويطلب منهم السماح له بمسحه مقابل بضع دنانير، ما يدفع بأصحاب القبور إلى الموافقة حتى يتجنبوا مشقة فعل ذلك، وعن الأسباب التي تدفع بهؤلاء الأطفال إلى القيام بذلك هو نفس سبب سابقيهم وهو تحصيل بعض المال من أجل مساعدة ذويهم في سد مصاريف الدخول المدرسي الذي أصبح عبئا على الأولياء.