سطو اعتداء رذائل واحتساء للكحول سماسرة ينبشون القبور للحصول على الأعضاء البشرية رجال دين وقانونيون يطالبون بتسليط أقصى العقوبات كثر الحديث في الآونة الأخيرة بين مختلف شرائح المجتمع الجزائري عن ظاهرة أضحى انتشارها يتسع يوما بعد يوم وهي التعدي على حرمة الأموات في المقابر التي لم نكن نسمع بها من قبل، فالمقابر اليوم أضحت مركزا من بين مراكز عمل المشعوذات، فتحوّلت من مقابر لاستقبال الأموات إلى مراكز لفك الربط عن المربوطين من الأزواج ولتزويج العوانس، وماء القبر من أحسن الوصفات التي تستعملها المشعوذات، وموقع لاحتساء الكحول وقراءة الحظ، بل المخزي في الأمر أنها أضحت مكانا لتواعد العشاق على حوافي القبور، وملاذا آمنا للصوص الذين قد يهاجمون كل من يزور أهله من الأموات، خاصة وأن الرقابة والأمن يكادان يكونان شبه مفقودين في كثير من المقابر سواء الكبيرة منها كالعاليا، أو حتى الصغيرة مثل مقبرة القدحية بالرويبة، الرغاية والقائمة طويلة. تحقيق: حسيبة موزاوي للأسف الشديد بمجرد دخول أي مواطن جزائري إلى مقبرة معينة يلاحظ مختلف صور انتهاك حرمتها وذلك بانتشار بقايا السجائر وقارورات الخمر الفارغة وفضلات الطعام والنفايات من كل الأنواع التي لم تجد لها مكانا غير المكان الذي يرقد فيه الأموات وممارسة الشعوذة علنا وفي ضوء النهار، وفي بعض الأحيان على مرأى كل الناس التي أضحت مهنة رائجة في بعض المقابر التي زارتها (أخبار اليوم)، وكذا في بعض الأحيان أماكن لكسب الرزق من قبل محترفي التسول خاصة يوم الجمعة، والغريب في الأمر أنّ ظاهرة انتهاك حرمة الأموات ليست مقتصرة على فئة معينة من الجزائريين، بل أنّ حتى النساء المثقفات منهن دخلن إلى هذا العالم الإجرامي في حق الأموات الذي سيدفعن ثمنه في الدنيا والآخرة لا محالة. مقبرة العاليا...الوجهة الأولى لعلاج السحر والابتعاد عن العنوسة من خلال الجولة التي قادتنا إلى مقبرة العاليا كوجهة أولى، أكدت لنا عديد الزائرات وحتى الزائرين منهم أن تلك المقبرة تعد من أحسن وأكثر المقابر إقبالا من طرف فئة معتبرة من المشعوذات اللائي يسعين جاهدات إلى علاج السحر وحل مشكل العنوسة بأحقر الطرق وأكثرها دناءة، حيث حكى بعض المواطنين لنا الكثير عن الغرائب التي تجري في العاليا، التي تحوّلت في وقت قصير إلى مكان تعالج فيه الشابات اللواتي تعانين العزوبة أو حتى المربوطات -كما يقال- عن الزواج أو حتى التعطيل للإقبال على الزواج، هي قصص ذاع صيتها بين محبي التندر، وكلمات عديدة ساقنا إليها حب الاطلاع وكشف الحقيقة فبحثنا في يوميات رواد المقابر، ف(العاليا) تحولت في نظر الشابات إلى مركز للعلاج من السحر، ومن التخلص من العنوسة، أو فرصة للظفر بفارس الأحلام، قصدناها في أيام الجمعة صباحا، عند دخولنا ظننا أننا في سوق لولا مراقد الأموات التي أكدت لنا شيئا آخر، لأننا وجدنا نساء وشابات يتجولن في داخل المقبرة والملفت للانتباه، أنه لا مظاهر الاحترام في ملابسهن ولا في وجوههن، مما يوحي بأنهن لم يأتين لزيارة موتاهن، بل أكدت لنا العكس وحقيقة ما نبحث عنه، لأنه بعد أقل من ربع ساعة شاهدنا عجوزا في 65 سنة من عمرها تجلس إلى جانب قبر وأمامها خمس بنات من عائلة واحدة جاءت لتحل لهم رباط السحر الذي يعانين منه واستعملت قارورة ماء وسقت بها قبر الميت الذي كانت تجلس بالقرب منه، وغير بعيد عن هذه المشعوذة شاهدنا ثلاث نساء يأخذن التربة من قبر ميت مدفون جديد، ويضعنها في أكياس صغيرة سوداء حتى لا ينتبه لهن أحد، وتساءلن كيف يحصل هذا وأعوان الأمن موجودين، لكن لا حياة لمن تنادي فهم غائبون عن العمل طوال فترة الدوام، وحسب ما أفادت به إحداهن بأنها تتسلل إلى الداخل بصفتها متسولة هذا ما يكون عائقا في وجه أعوان الأمن من طردها من المقبرة، وهي الحجة التي تدخل بها كثيرات أمثالها، فالمهم هو أن تحصل على تراب ميت. بالموازاة مع هذا انتشرت بشهادة كل الزوار ظواهر شاذة بكل أشكالها تجد مكانا لها في المقابر، منها ما يحدث في مقبرة (العاليا) التي تحوّلت إلى مركز لتواعد العشاق وعلى مدار السنة أصبحت مكانا للتواعد وهذا راجع لقربها من المركز الجامعي أي جامعة هواري بومدين والإقامة الجامعية للبنات بباب الزوار ليجدوا الراحة التامة بجنب الأموات، فلا رقيب ولا حسيب على الإزعاج الذي يقدمونه بالمجان للأموات، ولا أحد يعرقل جلستهم الحميمية، وجدير بالذكر أنّ بعض طلبة الجامعات أكد الأمر خاصة جامعة هواري بومدين بباب الزوار التي تعتبر أقرب الجامعات الجزائرية لمقبرة العاليا. المقابر... فندق بالمجان لإيواء اللصوص.. السكارى وآخرون أمثالهم أضحت المقابر اليوم مرتعا خصبا لإيواء السكارى ومتعاطي المخدرات والمتسولين وحتى اللصوص، وكذا مكانا للتخلص من كل أنواع النفايات والفضلات خاصة قارورات الخمر التي ترمى بجانب القبور، من غير استحياء ولا احترام لحرمتها، وحتى المشاجرات التي تحصل كثيرا بين المتسولين والسكارى، وتعالي الأصوات في كثير من الأحيان بالكلام الفاحش والبذيء داخل حرم المقبرة، وهو ما شاهدناه بإحدى المقابر بالعاصمة، كل هذا من الأفعال المخلة بالحياء تكون على مسامع الأموات، فعوض الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة، أضحت تصلهم شتائم السكارى، ولا يتوقف الأمر عند المناظر والروائح المقززة، بل تعداه إلى حالات كثيرة للاعتداء التي تتعرض لها النساء خاصة السرقة والاعتداء الجسدي، هذا ما حدّثنا عنه بعض حراس المقابر الذين باتوا يحذرون الزائرين عند دخولهم ونصحهم باختيار يوم الجمعة كيوم للزيارة دون سواه، عوض إعلام السلطات وطلب تعزيز الرقابة، وحالات السرقة كما قال الحراس كثيرة وتحصل تقريبا يوميا من طرف شباب يتعاطون المخدرات خاصة في المقابر الكبيرة المفتوحة وغير المسيجة، وذلك في ظل نقص الرقابة والأمن وهذا حال الكثير من المدافن في الجزائر على غرار العاليا ومقبرة القطار التي يستحيل زيارتها في أوقات الظهيرة. وتبقى الكثير من مقابر المسلمين في حالة ضياع تام دون أمن أو رقابة للأموات، وفيما يبقى الكثير يدعي حرصه على بقاء الأمان وتوفير الراحة لزائري المقابر والحفاظ على كرامة الأموات تبقى مقابر الجزائريين وكرا للفساد إلى أن ينطق الأموات منادين باحترامهم. الدّين يستنكر ويشدد على حرمة المقابر في الجزائر في خضم دردشة (أخبار اليوم) مع أحد رجال الدين حول ذات الموضوع، شدد على حرمة المقابر ودعا الجهات المعنية بالأمر إلى أخذ الأمر بجدية، ليسوق في خضم حديثه عن حرمتها أقوال بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية بأنّ قبر المسلم له من الحرمة ما جاءت به السنة، إذ هو بيت المسلم الميت، فلا يترك عليه شيء من النجاسات بالاتفاق ولا يوطأ ولا يداس، ولا يتكأ عليه عندنا، وعند جمهور العلماء، ولا يجاور بما يؤذي الأموات من الأقوال والأفعال الخبيثة، ويستحب عند دخول هذه الأماكن السلام على القبر، ليشير إلى الأفعال القبيحة والخبيثة التي أضحت تنظم بجوار بيوت الأموات من مهرجانات غنائية مؤذية للأحياء فما بالك بالأموات. استدرك وأوضح أحد الأئمة في حديثه مع (أخبار اليوم) بأنّ الشريعة في الوقت ذاته تدرك أنّ هناك ربما ضرورات تفرض على الناس التعرض لقبور الموتى ونبشها، كأن يحدث عجز واضح ومؤكد عن إيجاد أماكن يدفن بها الموتى، أو أن يكون في نقل الموتى مصلحة قصوى للأحياء، أو أن تكون المقابر قد تعرضت للغرق أو ارتفاع منسوب المياه الجوفية، ما يعرض الجثث إلى الأذى أو أن يكون نبش القبر استجابة لما طرأ على حياتنا الحديثة من مستجدات، كأن يكون في استخراج جثة وإعادة الكشف الطبي عليها كشفا لتفاصيل جريمة يكون من نتائجها تبرئة مظلوم وإدانة آخر، أو غير ذلك مما يضطر القائمين على الأمر نبش القبور أو نقلها وهو ما يقدره أهل العلم والاختصاص لا المشعوذين الذين باتوا يترددون باستمرار على المقابر بحجة فك السحر وإيجاد حل للغز العنوسة التي تعاني منه فئة معتبرة من النساء سواء المثقفات أو غير المثقفات منهن. رجال القانون: غرامة مالية على نبش الأموات ليست عقوبة رادعة في اتصال ل (أخبار اليوم) بالأستاذة (خليدة.م) محامية أشارت إلى أنه وكالعادة فإنه ثمة قصور قانوني شديد في التعاطي مع إشكالية نبش القبور، سواء ما تعلق منها بسرقة أشياء الموتى أو سرقة أجسادهم، إذ أن المشرع الجزائري يعاقب نابش القبر بغرامة مالية، وهي عقوبة كما يتضح غير رادعة على الإطلاق، إذ هي لا تبلغ في أقصاها ثمن جثة واحدة عند بيعها لأحد سماسرة الأعضاء البشرية، أو تجار المخدرات، الأمر الذي دفع إلى استمرار وجود الجريمة، بل وتزايد أنشطة مرتكبيها ، وإزاء هذا القصور القانوني، وفي محاولة لرفع حد العقوبة وتشديدها للحد من هذه الظاهرة التي أصبحت وفي ظل غيبة العمل بالشريعة الإسلامية تؤرق العديد من الأسر، كما أكد بعض رجال القانون أن البرلمانيين ممثلي الشعب لم تسجل لهم إلا تدخلات تعد على رؤوس الأصابع فيما يخص قضية نبش القبور. المقابر المسيحية بوابة أخرى لتسجيل جرائم قتل المقابر المسيحية أيضا لم تسلم هي الأخرى من الظاهرة، ففي وقت تتعرض فيه المقابر الإسلامية للنبش وممارسة مختلف الطقوس، يقدم بعض المدمنين على الكحول على السهر هناك للصباح، وهو حال المقبرة المسيحية بالرويبة التي سجل فيها منذ مدة حسب مجلس قضاء بومرداس جريمة قتل جاءت بعد تشاجر بعض المدمنين انتهت بقتل أحدهم، وهو الأمر الذي يؤكد أنّ المقابر كلها في حالة يرثى لها وأنّ أغلبها لم تسلم من الأمر، المسيحية منها والإسلامية على حد سواء. الأمراض النفسية سبب في تفشي تلك الظواهر أرجعت الأستاذة (فاسي) أخصائية نفسية بأن الأسباب التي أدت إلى لجوء عدد من ضعاف النفوس للسحرة والمشعوذين ودفعهم للتعدي على حرمات القبور، بأنها تعود نتيجة عجز الطب الحديث والأطباء في الوصول إلى علاج لبعض الأمراض النفسية، إضافة إلى التأثير في الشخصية كالسذاجة والحقد والانتقام، مع الجهل بتعاليم الشريعة الإسلامية وتغليب العاطفة على العقل، فيغفل الفرد عن دينه ويتبع هوى نفسه ليحصل على مراده، وطالبت الأستاذة في نفس السياق، بآلية جديدة لمراقبة أسباب تفشي الظاهرة وتدخل الطب الحديث بكل مقوماته للحد منها، خاصة وأنها (باتت تشكل هاجسا كبيرا لدى العديد من العائلات الجزائرية). سنن حميدة راسخة بالمقابر من خلال جولتنا لبعض المقابر شدّت انتباهنا مقبرة بئر خادم التي بدا منظر الاعتناء بها من الخارج، حتى جدرانها كانت مطلية نظيفة ومساحاتها بالداخل كانت هي الأخرى نظيفة، أما الملفت للانتباه هو اكتظاظها، حيث لم يبق فيها موقع للدفن، ونفس المشهد تكرر في مقبرة القدحية بالرويبة، ناهيك عن وجود عائلات جزائرية كثيرة لا تزال بعض السنن الحميدة راسخة عندها، كقراءة القرآن عند قبر الميت وغرس الأشجار، والجلوس أمام المقبرة دون بكاء أو نواح. دعوة إلى تضافر الجهود وتعزيز الرقابة في مقابر الجزائر من خلال الزيارة التي قادتنا إلى عديد المقابر الإسلامية الجزائرية تبيّن أنّ ظاهرة انتهاك حرمة الأموات تزداد توسعا سنة تلو الأخرى، إن لم نقل يوما بعد آخر، ولعلّ على حد تعبير بعض المختصين هذا الأمر راجع لغياب الرقابة عبر مختلف المقابر ببلديات العاصمة وضواحيها سواء بالنسبة للجهة الشرقية أو الغربية منها للجزائر، حيث دعا من أجل هذا رجال القانون من جهتهم إلى ضرورة فرض عقوبات صارمة ردعية على كل من ينتهك حرمة الأموات في مقابرهم بدل الاكتفاء بفرض غرامات مالية، في حين ندد من جهتهم رجال الدين بمثل هذه الأفعال المخلة بالحياء وبعض الطقوس الخرافية التي تمارس في وضح النهار في مقابر كثيرة، داعين إلى ضرورة العودة إلى سنة الله ورسله والتيقن بأنّ كل مكاتيب الله ستحقق لكل مسلم ما هو أفضل له، بدل اللجوء إلى الطرق الملتوية في تحقيق مرادهم وأمانيهم الدنيوية، في حين ناشد عديد المواطنين الذين يترددون باستمرار على المقابر السلطات المعنية وطالبوا هم أيضا من جهتهم بضرورة توفير أعوان أمن عند مدخل المقابر وحتى داخلها، علّ هذه الإجراءات من شأنها أن تردع المدمنين على الكحول وحتى المخدرات واللصوص الذين يعتدون عليهم بين الحين والآخر بالسلاح الأبيض داخل المقبرة، وتكون حلا ناجعا من شأنه أن يخفف درجة الرعب التي يعاني منها الكثير من الزائرين بمجرد أن يضعوا أقدامهم على المقبرة، ويتمكنوا من زيارة أمواتهم بسلام ويدعون لهم الرحمة والمغفرة دون أية مشاكل أخرى قد يكون زوار القبور في غنى عنها، ما تحول في معظم الأحيان بشهادة بعضهم إلى العزوف عن زيارة الأموات حتى وإن كان ذلك يوم جمعة تفاديا لأية مشاكل أو اعتداءات يتعرض لها الزائرون.