غياب الثقافة الاستهلاكية للفرد الجزائري وراء تفاقم الإشكال عادت حمّى اِلتهاب أسعار الخضر والفواكه إلى الواجهة من جديد عشية عيد الأضحى المبارك الذي لا يفصلنا عنه سوى أيّام قليلة، وهي المناسبة وغيرها التي يجعل منها بعض التجّار والسماسرة الفرصة السانحة للرّبح الوفير في ظلّ غياب قانون تحديد هامش الرّبح، إلى جانب انعدام الرّقابة وانتشار المضاربة، إضافة إلى ظهور العديد من الطفيليين في هذا المجال الذي أضحى في السنوات الأخيرة قطاعا متذبذبا بتذبذب الأسعار المعروضة التي تختلف من منطقة إلى أخرى ومن سوق إلى آخر· اِلتهبت كالعادة أسعار الخضر والفواكه في معظم الأسواق، خاصّة بالعاصمة التي كانت الجولة الاستطلاعية إلى بعض أسواقها دليلا على تحسّر المواطنين، خصوصا عشية عيد الأضحى المبارك، حيث قفز بعضها إلى أسعار خيالية لم يستطع المواطن البسيط استيعابها، خاصّة بعد ما عرفت استقرارا في الآونة الأخيرة· ففي كلّ مناسبة لا يتوانى تجّار الخضر والفواكه في اغتنام فرصة زيادة الطلب في المناسبات التي تغيب فيها الثقافة الاستهلاكية للفرد الجزائري، ممّا يؤدّي إلى رفع الأسعار رغم وفرة المنتوج وتزامن الفترة والكمّيات الهائلة المتساقطة من الأمطار، والتي تكون بمثابة المتنفّس للفلاح، غير أنه وفي كلّ مرّة يبقى تبادل التّهم بين كلّ الأطراف الحلقة المفرغة التي تسجّل في مثل هذه المناسبات· هل الرّقم 50 قدر محتوم على سعر البطاطا؟ يبدو أن الرّقم 50 سيرافق سعر البطاطا وإلى الأبد حتى يتسنّى للمواطن، خاصّة البسيط منه أن يعتاد على هذا السعر من هذه السنوات وصاعدا· فالبطاطا التي تعتبر المنتوج الأكثر استهلاكا على الموائد الجزائرية أضحت ومنذ أزمة السنوات الماضية من بين الخضر الأكثر غلاء، فمنذ نكبة ندرتها واستقدامها من كندا وما تبعها من ضجّة عارمة نتيجة رداءتها، غير أن الملاحظ في الأسواق هذه الأيّام يرى الوفرة على غير العادة والجودة كذلك، إلاّ أن العدد 50 دينارا لايزال يرافقها· حيث وحسب الجولة الاستطلاعية التي قادتنا إلى بعض أسواق العاصمة كالشرافة وبن عكنون على سبيل المثال لاحظنا أن سعرها كان يعرض ما بين 45 و55 دينارا، وهو الثمن الذي وجده أغلب المواطنين في غير متناولهم، خاصّة ذوي الدّخل الضعيف وكثيري عدد أفراد العائلة الواحدة، في الوقت الذي عزف فيه عدد كبير منهم عن اقتنائها، أمّا البعض الآخر فوجد ضالّته في المنتوج الرديء، حيث تعرض بعض أصناف من البطاطا الصغيرة الحجم والمختلفة ألوانها بسعر يتراوح بين 35 و40 دينارا، وهو الثمن الذي وجده البعض بالمهمّ غير أنه يبقى بعيدا عن مقدورهم بالنّظر إلى طبيعة المنتوج الأكثر طلبا واستهلاكا في الجزائر· الخضر تقفز إلى أكثر من 40 دينارا خلال أسبوع واحد من جهتها، عرفت أسعار الخضر ارتفاعا مذهلا ومنها الفلفل الحلو الطرشي والفلفل الحار اللذين عرضا بحوالي 200 دينار، الفاصوليا الخضراء بأكثر من 150 دج، الكوسا ب 90دج والفاصولياء الحمراء بأكثر من 150 دج، إلى جانب السلطة التي وصل سعرها إلى أكثر من 120 دينار· وهذه أسعار الخضر التي فاقت ال 100 دج بعدما كان بعضها منذ مدّة ليست بالبعيدة لا يفوق ال 80 دج، فيما لم تتعدّ الأنواع الأخرى من الخضر ال 100 دج، لكن تبقى مرتفعة لدى المواطن البسيط، كما أن بعضها كان مستقرّا في حدود ال 30 و40 دج ليرتفع عشية العيد، وهو أمر لم يستحسنه المواطنون الذين صادفناهم في السوق· من جهته، وصل سعر البصل إلى ما بين 40 و60 دج، الطماطم ب 80 و100دج، الجزر 70 دج بعدما كان سعره منذ أسبوع 40 دج، واللفت ب 80 دج، أمّا الشفلور فقد وصل سعر الكيلو غرام الواحد منه إلى 120 دينار· كما شهدت أسعار الخضر التي لا يستهلكها الجزائريون كثيرا ارتفاعا هي الأخرى، فقد وصل سعر الباذنجان والخيار وكذا البسباس إلى 80 دج، والخرشوف إلى 56 دج، أمّا سعر الخرشف فكان يتراوح ما بين 50 إلى 60 دينارا· أردنا الاستفسار عن سبب غلاء الأسعار التي زاد لهيبها مع اقتراب عيد الأضحى الذي هو على الأبواب، غير أننا لم نتمكّن من ذلك فالكلّ من البائعين وأصحاب الطاولات تجنّبوا الكلام معنا حتى أن بعضهم أمرنا أن نسأل تجّار الجملة عن التهاب الأسعار، وأنهم ليسوا المسؤولين عن هذه الوضعية التي تتكرّر في كلّ مناسبة مماثلة· في حين، قال أحد التجّار الذي كانت له الجرأة في ذلك إن ارتفاع أسعار الخضر والفواكه أمر طبيعي لأن أغلبها ليست في موسم جنيها، وأعطى مثالا بالبطاطا التي قال إن قسما منها يباع في هذه الفترة كبذور، كما أن الموجودة منها تمّ جنيها في التوّ والدليل على ذلك الطّين الممزوج بها، إضافة إلى شرائها بأسعار غالية من الفلاّحين· كلّ أنواع الفواكه تفوق ال 100 دينار يشهد منتوج الفواكه هذا الموسم وفرة في الإنتاج وجودة معتبرة، غير أن أسعارها ملتهبة كذلك· وكانت الفواكه أكثر وفرة في السوق هي البرتقال التي رغم أننا في موسم جنيها إلاّ أنها تباع بين 100 و120 دينار، المندرين ب 140 دج، العنب ب 150 دج، الموز ب 130 دج والتفّاح المتوسّط النّوعية ب 100 دج، أمّا التمر الرديء فيباع ب 120 دج والأجود ب 280 إلى 320 دينار· وعن غلاء هذه الفواكه، أرجع أحد البائعين أن بائعي الجملة هم المسؤولون عن ارتفاع الأسعار في السوق، في حين يرجع هؤلاء الإشكال إلى الفلاّحين الذين يتحكّمون في السوق، حيث كلّما كان العرض من طرفهم كبير كلّما انخفض السعر والعكس صحيح، كما أن انتشار بعض الوسطاء في المجال الفلاحي والتسويق أثّر بشكل سلبي على القطاع الذي تتحكّم فيه البزنسة على حساب المواطن البسيط· كلّها آراء خطفناها من أفواه بعض العارفين بالقطاع الذين اجتمعوا على كلمة واحدة وهي ضرورة إحداث قانون تحديد هوامش الأسعار من أجل القضاء على الطفيليين الذي عاثوا في القطاع فسادا، إلى جانب سوء التوزيع· فهناك بعض المناطق تتوفّر على نسبة هائلة من المنتوج، فيما لا يتمّ توزيعها في المنطقة التي تشهد ندرة فيه، بالإضافة إلى أن غياب ثقافة الاستهلاك لدى الفرد الجزائري يؤدّي إلى اضطراب الأسعار واغتنام التجار الفرصة لارتفاعها، كما أن غياب الأسواق الجوارية هو الآخر تسبّب في فوضى أسعار الخضر والفواكه دون أن ننسى المضاربة·