أماطت تقارير دولية حديثة اللثام عن واقع الحرّيات الدينية والفكرية في الجزائر، والتي شهدت خلال السنوات الأخيرة (طفرة نوعية) مصاحبة للاستقرار الأمني والسياسي الذي تنعم به البلاد خلافا لمعظم دول المنطقة الغارقة في دوامة العنف والتطرّف، وتأتي هذه التقارير الإيجابية لتكذّب مزاعم التقرير الأمريكي للحرّيات الدينية وتصريحات بعض المفكّرين التقدّميين ورجال الدين المسيحيين الذين اجتمعوا مؤخّرا بكنيسة السيّدة الإفريقية بالجزائر العاصمة، هؤلاء الذين انطلقوا في تحليلهم من صورة نمطية لا تمتّ بصلة إلى جزائر 2014، حسب العديد من الحقوقيين. امتدح تقرير أعدّته صحيفة (الأخبار اللبنانية) اليسارية أمس الجزائر واعتبر أنها (آخر بلد جميل تبقّى يمكن لعربي تقدّمي أو مسيحي أن يعيش فيه وهو منسجم مع نفسه دون أيّ مشاكل أو عراقيل). ورغم التحدّيات -يضيف نفس المصدر- إلاّ أن الجزائر تملك تراثا اشتراكيا وتاريخ تحرّر وطني يصلح للبناء عليه، فهي بلد لا يحتاج إلى الخارج، بل يملك قدراته الذاتية وموقعا استراتيجيا وجيشا وطنيا، لهذه الأسباب تحديدا فإن الدول الغربية تسعى لتشويه سمعة الجزائر. التقرير الذي حمل عنوان (ماذا نعرف عن الجزائر؟) استند أيضا إلى مؤشّرات صندوق النقد الدولي الذي تؤكّد أن النمو في الجزائر تمّ توجيهه حتى يكون (مناصرا للفقراء)، وأن مكتسبات العقد الماضي (أفادت الفقراء أكثر من الأغنياء، ممّا قلّص اللاّ مساواة). وهبط مؤشّر اللاّ مساواة من 0.34 عام 2000 إلى 0.31 عام 2011 (وهو أقلّ بكثير في المدن)، فضلا عن البطالة التي انخفضت من أكثر من ثلاثين في المائة عام 2000 إلى أقلّ من عشرة في المائة حاليا وتضاعف الإنفاق على الصحّة والتعليم. وعاد المصدر للحديث عن الخطّة القاسية لإعادة الهيكلة، والتي أجبرت الجزائر على صرف ما يقارب النصف مليون موظف حكومي في التسعينيات، هذه التجربة المريرة تضيف (الأخبار اللبنانية) حفظتها السلطة جيّدا وأعادت الاعتبار للسياسة الاجتماعية وباتت نموذجا عالميا يقتدى به. وتأتي الإشادة بمناخ الحرّيات الدينية والفكرية في الجزائر من طرف صحيفة لبنانية تنتمي إلى التيار اليساري ليكذّب ادّعاءات تقرير الحرّيات الدينية السنوي للعام الماضي الذي تصدره وزارة الخارجية الأمريكية، هذا الأخير قدّر عدد المسيحيين في الجزائر بين 30 و70 ألف يتمركزون في المدن الكبرى، خاصّة الجزائر وعنابة ووهران، بينما يشكّل -حسبه- المسيحيون الإنجيليون الأغلبية. وأوضح التقرير أن (الحكومة تطبّق القانون 06-03 الذي يسلّط غرامات مالية وعقوبة السجن على كلّ من يثبت في حقّه القيام بنشاط تبشيري في الجزائر)، وأبرز أن وزارة الداخلية (انتقدت علنا الأمريكيين الذي جاءوا إلى الجزائر كسياح ثمّ يقومون بنشاطات تبشيرية). في سياق متّصل، اعتبر أسقف وهران جون بول فاسكو في اجتماع بكنيسة السيّدة الإفريقية بالجزائر العاصمة مؤخّرا أن كنيسة الجزائر عرفت (عراقيل تمثّلت أساسا في قانون 26 فيفري 2006 الذي يضيّق على ممارسة النشاط الديني غير الإسلامي في الجزائر، إلى جانب العراقيل المتعلّقة بالتأشيرات، والتي أعطت انطباعا بأن الكنيسة الكاثوليكية في الجزائر تشكّل خطرا على المجتمع الجزائر). وخلّف هذا التقرير ردود فعل غاضبة من الجانب الجزائري، حيث يرى فاروق قسنطيني رئيس اللّجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، ما ورد فيه (قذفا) في حقّ الجزائر و(نفاقا) من الجانب الأمريكي، مشيرا إلى أن الجزائر تحترم (الأقلّيات الدينية ولا تحتاج في هذا المجال دروسا من أحد). وأوضح قسنطيني أن هذا التقرير (جاء مجانبا للحقيقة التي تعيشها الأقليات الدينية التي بإمكانها ممارسة شعائرها بكلّ حرّية وفقا لما يسطّره الدستور وقوانين الجمهورية)، لافتا إلى أن التقرير (لم يحمل أيّ جديد)، وهو ينطلق من (الصورة النمطية التي تنظر بها الولايات المتّحدة للجزائر في مجال الحرّيات الدينية).