* حوامل ورضع مهددون بخطر حمل فيروس السيدا * مختصو الصحة: لا خطر على الحوامل والأجنة إذا احتُرمت مقاييس السلامة ما زال قطاع الصحة في الجزائر مريضا، رغم الإصلاحات الكثيرة التي قام بها وزير القطاع، وهو الأمر الذي يتضح جليا في العديد من المراكز الاستشفائية بالعاصمة، ومن بين هذه المراكز عيادة جيروندو لأمراض النساء والتوليد التابعة لمستشفى لامين الدباغين المعروف بمايو سابقا، فقد بلغت مسامعنا الكثير من الأقاويل عند وضعية هذه العيادة، بعضها إيجابية وأخرى سلبية، فما كان علينا إلا التحقيق في صحتها. عتيقة مغوفل كانت الساعة تشير إلى حدود الواحدة والنصف بعد الزوال، وهو الوقت المخصص للزيارات بعيادة جيروندو فما كان علينا إلا اغتنام الفرصة والدخول إليها بحجة زيارة إحدى المريضات، وسط ذاك الجمع الغفير من الناس الذين كانوا يدخلون ويخرجون إلى هناك للاطمئنان على صحة قريبتهنَ رفقة مواليدهنَ.
ظروف استقبال مزرية للحوامل تضم عيادة جيروندو 6 طوابق وقد بدأنا جولتنا فيها من الطابق الأرضي الذي يعرف دخول وخروج الآلاف من الناس يوميا، وفيه مكتب استقبال وهو عبارة عن مكتب مبني من جدار عال يصعب فيه لقصار القامة التحدث للعاملة التي تجلس بذاك المكتب ما يضطر العاملات في العديد من الأحيان إلى الوقوف حتى يتمكن من التكلم مع الناس من شدة علو ذاك المكتب، بمحاذاته توجد حوالي ستة كراسي ليجلس الزوار عليها، تقدمنا قليلا نحو الداخل فوجدنا على يميننا السلالم التي توصل إلى الطوابق العليا أما في الاتجاه المباشر فقد كان هناك رواق ضيق جدا كانت الحوامل يسرن فيه بحذر، ومازاد الطين بلة كان موضوع فيه بعض الكراسي وهو الأمر الذي زاد من صعوبة التنقل فيه، انتابنا الفضول لمعرفة الجدوى من تلك المكاتب المصطفة في ذاك الرواق الضيق والتي كانت معظم أبوابها مغلقة، فبدأنا نقرأ اللافتات التي كانت مكتوبة على الأبواب، الأولى كانت قاعة لفحص الحوامل والثانية كانت مخبرا، والثالثة كانت قاعة لإجراء فحوصات الأشعة، وأخرى كانت مخصصة للسلك الطبي العامل هناك، وفي نهاية الرواق كان هناك قاعة مغلقة على ما يبدو كانت مخصصة لوضع بعض الأداوت القديمة، كل هذه القاعات في رواق ضيق، يصطدم فيه الأشخاص في كثير من الأحيان.
تسيب وإهمال ما رأيناه في الطابق الأرضي للعيادة جعلنا نصاب بفضول كبير لمعرفة ما يوجد في باقي الطوابق، فصعدنا السلالم درجة درجة متجهين إلى الطابق الأول، فور انتهاء السلالم وجدنا قاعة الإنعاش كتبت عليها لافتة الدخول ممنوع، وبمحاذاتها مكتب فارغ، ولكن رغم المنع إلا أننا لاحظنا دخول امرأتين لزيارة إحدى الأمهات رفقة رضيعها حديث الولادة غير آبهتين بما كتب على اللافتة، ولكن التساؤل الذي طرحناه حينها كيف يمكن أن تترك قاعة الإنعاش دون رقابة خصوصا في أوقات الزيارة، بعد خروجنا من هناك قابلنا في الجهة اليمنى من الرواق بالطابق الأول، قاعة العمليات يمنع الدخول إليها، وبينما كنا واقفين لمحنا إحدى الممرضات تدخل، وحين فتحت الباب من أجل الدخول رأينا مجموعة من الأكياس الصفراء ملقاة على الأرض، أردنا أن نعرف ما هي، فباغتتنا الممرضة التي دخلت وفتحنا الباب بحذر حتى لا نثير أي صوت، فوجدنا تلك الأكياس الصفراء وبجوارها مجموعة من الصناديق في رواق صغير، حاولنا أن ندخل قاعة العمليات إلا أننا لم نتمكن من ذلك فقد سمعنا حديثا كان يدور بالداخل فرجعنا أدراجنا إلى الوراء. من هناك صعدنا إلى الطابق الثاني للعيادة وهو طابق مخصص للنساء اللائي تستدعي حالتهنَ الصحيَة المكوث بعض الوقت بعيادة جيروندو، ويتعلق الأمر ببعض النساء اللائي أجرينَ لهنَ بعض العمليات الجراحية بسبب بعض المشاكل التي يعانينَ منها على مستوى الرحم، وبدأنا نتجوَل في الرواق الذي كان يضم العديد من الغرف، ولكنه لم يكن يضم الكثير من المريضات سوى 5 أو 6 كانت معظمهنَ في حالة يرثى لها بسبب حداثة العمليات الجراحية التي أجرينَها.
غرف ضيقة.. نوافذ مغلقة وروائح كريهة خرجنا من هناك وتوجهنا إلى الطابق الثالث، وفور انتهاء السلالم لمحنا لافتة كتب عليها أمومة وطفولة، كان يعج ذاك الطابق بالنَاس، بالإضافة إلى الضوضاء الكبيرة التي كانت تنتشر في الأرجاء فانتابنا الفضول لزيارة غرف ذاك الرواق وبدأنا نمشي فيه لنفهم بعدها أنه حيز خصص للنساء النفساء، لذلك كان يعج بالزائرين والمهنئين، دخلنا الغرف الواحدة تلو الأخرى وكنا في كل مرة نتظاهر أننا نبحث عن إحدى المريضات من أجل زيارتها وكنا كلما نسأل عن اسمها نعطي اسما وهميا، وكنا أحيانا نعطي اسمنا لأننا نعلم أنه يستحيل أن تكون هناك مريضة بنفس الاسم، لكن ما شَد انتباهنا وجود غرف تضم 6 أمهات رفقة رضعهنَ، وما زاد الطينة بلة أن هذه الغرف كانت ضيقة ونوافذها مغلقة حتى لا يبرد الرضع، بالإضافة إلى أنها كانت تعج بالزوار مما جعل التنفس بداخلها صعب، وهو الأمر الذي جعلنا نحس بحرارة كبيرة، دون الحديث عن روائح الأكل المختلفة التي كانت تنبعث من مدرجات الأمهات، حتى يخيَل للداخل إلى ذاك المكان أنه داخل إلى مطبخ لا إلى غرفة بعيادة للتوليد. كما لمحنا أيضا وجود مصعد جربناه إن كان يشتغل ولكننا وجدناه معطلا حاولنا الاستفسار عنه فقيل لنا أن به خلل تقني لذلك لا يستعمل. فيروس السيدا يهدد الأمهات والرضع ومن خلال جولتنا في الرواق الموجود بالطابق الثالث لعيادة التوليد جيروندو ، لمحنا وجود غرفة مغلقة بالمفتاح ألصقت بها لافتة كتب عليها غرفة خاصة ، بصراحة أكثر أردنا أن نعرف بمن هي خاصة هذه الغرفة، فتقربنا من إحدى العاملات بالعيادة وبعد أخذ وعطاء معها في الحديث، عرفنا أن تلك الغرفة مخصصة للنساء المريضات بالسيدا واللائي يوجهنَ من مستشفى القطار للأمراض المعدية إلى عيادة جيروندو ، حتى يضعن مواليدهن فخصص مسؤلو العيادة تلك الغرفة لهؤلاء النسوة، حتى لا يتم خلطهنَ مع بقية الأمهات، عدنا وسألناها مرة أخرى عن وجود قاعة ولادة مخصصة لهنَ، فردت العاملة أنهنَ يلدنَ في نفس قاعة الولادات التي تلد فيها بقية الأمهات، وهي الإجابة التي جعلتنا نصاب بالذهول لأن الولادة في نفس قاعة الجراحة يعني خطر انتقال عدوى فيروس السيدا إلى كل الأمهات اللائي يلدن بعد المرأة المصابة، وهو الإشكال الذي طرحناه على عاملة العيادة التي ردت علينا أن السلك الطبي العامل هناك يأخذ احتياطاته من خلال رمي كل الأشياء التي تستعمل في توليد النسوة المريضات بالسيدا كما يتم تعقيم المكان فيما بعد، لنسألها فيما بعد عن الرضيع الذي يكون حتما مصابا من أمه فردت علينا أنه يوضع مع بقية المواليد الجدد، مما جعلنا نتساءل عن إمكانية انتقال العدوى من الطفل إن كان مصابا من أمه إلى بقية الرضع هناك. وما زاد الطينة بلة أننا لمحنا وجود مرحاض جماعي واحد وهذا يعني أنَ كل المريضات الموجودات بالطابق الثالث يدخلنَ إلى ذاك المرحاض بما فيهنَ المصابات بالسيدا، والجدير بالذكر أنَ النفساء تكون في هذه المرحلة في وضعية حرجة جدا مما يعني أنَ فيروس السيدا يهدد كل من بالطابق الثالث في عيادة جيروندو ، لأن العدوى تنتقل عن طريق الدم. طابق الإدارة.. ب خمس نجوم أكملنا بعدها جولتنا في العيادة من الطابق الثالث إلى الرابع الذي كان مخصصا هو الآخر للأمهات النفساء أيضا، صعدنا بعدها إلى الطابق الخامس الذي كانت فيه إدارة العيادة، فور وصولنا إليه والوقوف بالرواق إلا وانتابنا إحساس أننا في عيادة بأحد أرقى الدول الأوروبية بسبب النظافة فالمكان كان براقا جدا، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط، فقد رأينا أحد العمال يستعمل المصعد من أجل النزول إلى الأسفل مع أنه كان معطلا في الطابق الثالث مكان تواجد باقي المريضات، وهو الأمر الذي جعلنا نطرح سؤالا جوهريا لمن الأولوية في المصعد للسكرتيرة ذات الكعب العالي، أم للأم التي تنقل على جناح السرعة حتى تضع إنسانا مفعما بالحياة قادما لهذه الدنيا؟ حاولنا بعدها أن نكمل جولتنا الاستطلاعية إلى الطابق السادس الذي كان يضم المطبخ الذي تحضر فيه المأكولات التي تقدم إلى الأمهات هناك، ولكننا لم نتمكن من ذلك فقد منعنا في آخر لحظة من الصعود إلى هناك. احترام المقاييس والمعايير لا يحدث عدوى وحتى نتمكن من الإجابة عن العديد من التساؤلات الكثيرة التي طرحناها أثناء زيارتنا لعيادة جيروندو بباب الوادي، ربطت أخبار اليوم اتصالا هاتفيا بالسيد سليم بلقاسم مكلف بالإعلام والاتصال لدى وزارة الصحة، الذي أكد لنا بدوره أن خطر انتقال العدوى من مصابة بفيروس السيدا إلى أخرى بعيادة جيروندو غير وارد تماما، مادام السلك الطبي العامل هناك يسهر على احترام المقاييس والمعايير المعمول بها دوليا، لأنه وفي جميع مستشفيات العالم يتم التعامل وبشكل عادي مع هذه الفئة من المصابات فهو مرض كغيره من الأمراض له خصوصياته وضوابطه لعدم انتقال العدوى، بالإضافة إلى هذا هناك تعليمات وبروتوكولات دولية خاصة فمن الجانب الإنساني لا يمكن رفض التكفل بهؤلاء المريضات لأنهن بشر قبل كل شيء، لذلك يتم توليدهن في أي مركز استشفائي مع أخذ الاحتياطات اللازمة لعدم انتقال العدوى لباقي الأمهات. من جهة أخرى، قامت أخبار اليوم بربط اتصال هاتفي بمصالح مستشفى القطار، حتى نتمكن من معرفة كيف يتم التعامل مع النساء الحوامل الحاملات للفيروس، وأين يتم وضع حملهن، فكانت الإجابة التي تلقيناها أنه يتم إرسال النساء الحوامل إلى عيادة جيروندو وإلى مستشفى مصطفى باشا وإلى مستشفى بني مسوس، لأنَها مراكز استشفاء تضم قاعات جراحية خاصة بهؤلاء، كما أكدت ذات المصالح من جهة أخرى أنه بعدها يتم وضع المواليد الجدد في مصلحة الطفولة والأمومة، ليتم العناية بهم وليس من الضروري أن يكون المواليد مصابين بالفيروس إذا ما كانت أمهاتهم في مرحلة مبكرة من الإصابة وكن يأخذن أدويتهن بانتظام.
.. وتبقى الوقاية خير من العلاج لكن رغم التصريحات التي تلقتها أخبار اليوم من طرف القائمين على القطاع إلا أن خطر انتقال العدوى من مصابة إلى امرأة سليمة غير وارد، تبقى الوقاية خير من العلاج دوما، وهنا السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه، لماذا لا تقوم مصالح الصحة في بلادنا بتخصيص قاعات للتوليد في كل ولاية لهؤلاء الأمهات عندما يأتيهنَ المخاض، لكي لا يتم توليدهنَ في قاعات الجراحة مع باقي الأصحاء، رغم أن العديد من الأمهات تم انتقال العدوى لهن عن طريق الخطأ وهن غير مذنبات ولكن وحتى نتمكن من تقليص عدد الإصابات وجب إيجاد حلول مستعجلة لهذه الظاهرة.