1 إلى 72.. نسبة دخولك الجنة!.. تلك هي نِسبة دخولك الجنة.. نعم عزيزي.. على الرغم مِن أنك تشهد _أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله_ وتُصلّي، ولكن نسبة دخولك الجنة هي 1 على 72؛ أي أن نسبة دخولك النار هي 72 مقابل نسبة 1 فقط لدخولك الجنة!! لا تتعجّب.. هذا ما يتمّ بيعه لنا وتفسيره لأحد الأحاديث الشريفة التي تقرّ بأن الأمة سوف تتفرّق إلى بضع وسبعين شعبة.. وأظنّ أن هذا الأمر طبيعي جدا.. أن تختلف الرؤى والاجتهادات بين المسلمين، ولعلنا سمعنا في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم خلاف الصحابة مع بعضهم في أحد الأحكام، ورجعوا بعد ذلك إلى رسول الله، وحتى بعد وفاة الرسول عندما بدأ الاختلاف في وجهات النظر بين الصحابة -وهم خير البشرية بعد الرسول- اختلفوا في رؤيتهم للحكم، وكيفية تولية ولي العهد من بعدهم، وزادت الاختلافات إلى مرحلة تقاتل فيها خير الخلق بعد الأنبياء وهم الصحابة. ولكن.. هل هذا يعني أنهم في النار؟؟ حاشا لله أن نقول مثل هذا القول على أناس صاحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ورسالته ونزل فيهم القرآن، ولكن بالفعل هذا الحديث يجب أن نقف أمامه ونحلله تحليلا قويا جدا. دعنا نتخيّل الحالة مِن بعد قراءة هذا الحديث من كل فرقة موجودة الآن على الساحة الإسلامية؛ فالمظلّة الشاملة لنا جميعا هي الإسلام، ومِن ثم ننزل إلى سُنّة وشيعة.. سلف وإخوان.. وقرآنيين وصوفية وأشاعرة ومدخلية وجهادية وتبليغ... والعديد من الفرق التي يوجد منها بعض المغالاة وبعض الفرق التي خرجت من الإسلام بالفعل؛ بسبب مغالاتهم لبعض الأمور أو الشرك بالله، ولكن دعنا ننظر إلى الأمة الإسلامية نظرة عامة. كيف لأمة أمرنا الله فيها بأن نعتصم بحبله جميعا ولا نتفرّق، وفي أمر إلهي في القرآن أيضا يأمرنا بأننا لا نتنازع فنفشل وتذهب ريحنا.. كيف لأمة المليار ألا تتحد، بالطبع لن تتحد لسبب واضح؛ أولا هذا التفسير للحديث الذي قد يحمل معنى التحذير أو معنى تربويا ما لم نفهمه نحن حتى الآن. ولكن.. من أسهل وأبسط أسباب عدم توحّدنا هو أننا بالطبع مسلمون ونؤمن بالقرآن والسُنّة؛ فما هو رد فعل المسلم عندما يقرأ قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ}، وآية أخرى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا ممَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}. هل تعلم أن هذه الآيات من أسباب التفرق في الأمة.. نعم.. حاشا لله أن أقصد أن القرآن أو الحديث الشريف الصحيح سبب في ذلك، ولكنه فهمنا نحن له هو الذي يتسبّب في تلك الحروب المقدّسة الواهية.. كيف؟؟ تخيّل معي الحرب السنيّة الشيعية التي تمتدّ منذ مئات الأعوام حتى الآن.. كل فرقة من هذه الفرق تعتقد بأنها الفرقة الناجية، وبالطبع تريد أن تنشر هذا المنهج لكل الفرق الضالة الأخرى. وفي الناحية الأخرى بالطبع الفرقة الأخرى تقول (هؤلاء المبتدعة يريدون نشر مذهبهم عندنا)، وبالطبع هم أيضا يقومون بالدعوة لمنهجهم، وأيضا تجدها في العراك السلفي الأشعري.. بين منهج يعتقد في التشبيه والتجسيم والمنهج الآخر في تأويل النص، وكل منهج من المناهج بالطبع يريد أن ينشر فكره، ولكن الفكر الآخر يقف له بالمرصاد؛ لأنه في اعتقاده هو الفرقة الناجية، وأن هذه الفرقة الأخرى هي فرقة نارية تريد نشر ابتداعها في أراضينا المقدّسة. وتظلّ هذه الحروب العقيمة بين الفرق المختلفة، وتظلّ القواعد المسلمة من تلك الفرق تتصارع أي الفرقتين هي الفرقة الناجية، وآلاف الكتب والكتيبات ومئات الساعات من الدروس المرئية والمسموعة.. في الردّ والرد على الرد والرد على رد الرد... ونظلّ في هذه الحلقة المفرغة.. بين مَن؟؟ بين رجال جميعا يؤمنون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. بالطبع.. ومما لا شك فيه أن هناك بعض الفرق التي ابتدعت لدرجة أخرجتهم من الدين؛ مثل مَن يدّعي نبوة لشخص بعد النبي، وفرق أخرى تؤمن بتحريف بعض آيات القرآن، وفِرق أخرى تُؤمن بأحقية شخص آخر غير محمد للنبوة والرسالة، ومنهم مَن يكفر بالذنب، ولكن أظنّ أن كل تلك الفرق هي شواذ في العالم الإسلامي، وأن مظلة الإسلام أوسع وأشمل من أن تجمع فرقة واحدة فقط. فقط واحدة في الجنة.. والباقي في النار.. لقد اتفقنا على أن نخرج بعضنا البعض من خارج تلك المظلّة الواسعة الرحيمة، وكل فرقة احتكرت تلك المساحة لها وحدها هي فقط، أو على الأقل هي ومَن يُشبهها من فرق أخرى. كيف لنا أن نعتصم بحبل الله ونحن نتصارع على أي منّا في الجنة؟!! كيف لأمة أرهقت نفسها وأرهقت عوامها في البحث عن إدخال الناس في النار ولم تنشغل بالتطوّر النووي لها؟ كيف لأمة تعترف بوجود أعداء لها في كل صوب وحدب يريدون لها الصلاح، ولكنها تنشغل بعراك قبلي تاريخي أدبي مزين بزينة دينية. وسنظلّ في هذه الحلقة المفرغة وهذا العداء المكبوت بداخلنا.. كل فرقة تظنّ نفسها هي الناجية، وتكره الفرق الأخرى؛ لأنها تدعو إلى منهجهم الفاسد، وهي أيضا منشغلة بنشر منهجها وإقناع الآخر به.. حلقة مفرغة لا خروج منها إلا بتحقيق المعنى الذي قاله الإمام الشافعي رحمه الله: (ألا يستقيم أن نكون إخوانا، وإن لم نتفق في مسألة؟). الخلاصة.. هل الحديث خاطئ؟ لا.. هل القرآن يفرّق ولا يجمع؟ حاشا لله، ولكنه نحن.. فهمنا وتفسيراتنا هي التي تفرّق ولا تجمع.. فساد ترتيبنا للأولويّات وفساد اختيارنا للحلفاء والأعداء.