تطالعنا الصحف الغربية من وقت إلى آخر أن يهود أوروبا يشعرون في الآونة الأخيرة بشيء من القلق إزاء تنامي عدد المسلمين في القارّة الأوروبية وزيادة نفوذهم وتأثيرهم من جهة وإزاء مواقفهم السياسية ضد الكيان الصهيوني واليهود من جهة ثانية، ما جعل اليهود يشنّون حملات مغرضة للتخويف من الإسلام في العالم من خلال الأبحاث والإحصاءات والتقارير والمقالات الخاصّة بظاهرة الخوف من الإسلام، وهو متعلّق بالفكر الصهيوني أو اليهودي المتشدّد الذي يعادي تاريخيا وواقعيا كلّ ما هو إسلامي، وقصد استشراء هذا العداء ونقله إلى مختلف المجتمعات البشرية غير المسلمة يبتكر شتى الأساليب الدعوية والإعلامية التي يسوق بواسطتها أفكاره الخبيثة بخصوص الإسلام. ممّا لا شكّ فيه أن ظاهرة الإسلاموفوبيا في معظم حيثياتها صناعة صهيونية محضة يراد بها إثبات أن الإسلام يشكّل خطرا محدقا بالكرة الأرضية، وما على المجتمع الدولي إلاّ مواجهته والحدّ من امتداده، لذلك من غير المستبعد أن تكون أغلب التقارير والإحصائيات والأدبيات التي يحذّر من خلالها الإعلام الغربي من الخطر الأخضر (الإسلام) من صياغة جهات صهيونية ويهودية تخدم في الخفاء، لا سيّما وأن أشهر المراكز الفكرية والمؤسسات الإعلامية التي تنشط في الغرب يسيّرها مثقّفون من أصول يهودية، بل ومنها ما يمّول من جهات صهيونية، ومن الطبيعي أن يصبّ فكرها في اتجاه مواجهة الإسلام بمختلف الآليات العسكرية والاقتصادية والثقافية والإعلامية وغيرها. * دور اللوبي الصهيوني كما أن اللوبي الصهيوني الشديد النفوذ في أوروبا يرى بوضوح أن الوجود الإسلامي في الغرب يمثّل أعظم تهديد لمصالحه التي اشتغل لتحصيلها مئات السنين حتى اتّخذ الغرب أداة لنفوذه العالمي وعدوانه على المسلمين، ويرى في نمو الوجود الإسلامي في الغرب تهديدا جادّا لمكاسبه وأطماعه، مع أن ما يهدّد الإسلام وأهله ومؤسساته في الغرب لن تقف ناره إذا اندلعت على الأقلّية المسلمة، بل ستطال الأقلّيات الأخرى ومنها الأقلّيات اليهودية النافذة، وهو ما أخذ ينبّه إليه بعض اليهود. وقد طالعتنا وسائل الإعلام العالمية بصور المظاهرات التي عرفتها ألمانيا والتحم فيها الصهاينة باليمينيين المسحيين المتطرّفين واختلطت فيها أعلام اليمين وأعلام إسرائيل ورفعت فيها لافتات تشير إلى منع بناء المساجد في ألمانيا، كما رفعت فيها شعارات تخوّف الأوربيين ممّا سمّي خطر الإسلام الداهم. والخطر الذي تخوّف منه الجهات الصهيونية واليمينية المسيحية المتطرّفة يتمثّل لها في المؤسسات الدينية الإسلامية، سواء تعلّق الأمر بالمساجد أم بالمراكز والمؤسسات التربوية الإسلامية. وحقيقة هذا التخويف والتهويل من شأن المؤسسات الدينية الخاصّة بالجاليات الإسلامية المهاجرة هو إقبال المواطن الغربي على الإسلام بعدما بدأت الشكوك تنتابه في مسرحية أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتداعياتها، إذ تأكّد أن الغرب بزعامة الولايات المتّحدة الأمريكية وبضغط من اليمين المسيحي المتطرّف واللوبي الصهيوني اختلق ذريعة الإرهاب لتطبيق مشروع العولمة الذي يناهضه الغربيون أنفسهم لأنه يقوم على أساس ابتلاع الحضارة الغربية لغيرها من الحضارات، ممّا يهدّد الإنسانية في خصوصياتها. * اليمين الصهيوني المتطرف تأتي قضية التخويف من خطر الإسلام في ظرف دقيق يتميّز بعودة اليمين الصهيوني المتطرّف إلى سدّة الحكم بعد حرب غزّة التي عرّت وجه الصهيونية للعالم عامّة وللغرب خاصّة، ممّا جعل الدعوات تتعالى للمطالبة بفتح تحقيق في جرائم الصهيونية في غزّة، وهو أمر تخشاه الأنظمة الغربية التي عمدت دون سبب إلى التسويق لأسطورة المحرقة من أجل ذرّ الرماد في العيون وصرف الرأي العام العالمي عن جرائم اليهود في غزّة. ومن وقت إلى آخر تظهر لنا تقارير يهودية تحذّر من تضاؤل عدد اليهود في أوروبا وتراجع تأثيرهم السياسي في الدول التي يعيشون فيها، وذلك في الوقت الذي تتزايد فيه قوة المهاجرين المسلمين في تلك الدول. وجاء التحذير الجديد بالتزامن مع دراسة أعدها مؤخرا اليهودي الأمريكي المتطرّف دانيل بايبس وأظهرت مدى الرعب الذي ينتاب اليهود الأمريكيين من تزايد أعداد المسلمين في أوروبا، وهو الأمر الذي يزعم اليهود أنه يمثّل تهديدا حقيقيا للولايات المتّحدة ويمهّد للقضاء على ما اعتبروه مسيحية أوروبا ويُنذر بأسلمة (القارّة العجوز)، على حدّ قولهم. وزعمت الدراسة أن تزايد أعداد المسلمين في أوروبا يمثّل مشكلة حرجة على مستقبل القارّة، وأن هذا التزايد من شأنه أن تكون له نتائج هائلة على الإنسانية، خاصّة الولايات المتّحدة التي تربطها بأوروبا روابط اقتصادية حسّاسة، وقال إن مستقبل القارّة الأوروبية مرهون بثلاثة سيناريوهات، هي: (الحكم الإسلامي) و(طرد المسلمين) و(التكامل المتناغم)، مضيفا أن العديد من المحلّلين يتوقّعون أن ينتهي الحال في أوروبا ب (أسلمتها)، أي إن السيناريو الأول (الحكم الإسلامي) هو الأقرب إلى التحقيق. ويرى بايبس في دراسته أن هناك ثلاثة عناصر تدفع إلى أسلمة أوروبا، وهي: (العقيدة، الديموغرافيا السكانية والإحساس التاريخي)، مشيرا إلى أن المسيحية في أوروبا تتضاءل. أمّا السيناريو الثاني وهو (طرد المسلمين) فتزعم أنه الأنسب للتخلّص من المسلمين، وتقول إن الكثير من الكتّاب الأمريكيين يعتقدون أن أوروبا (أفضل مكان للإبادة الجماعية والتطهير العرقي)، ويزعم هؤلاء الكتّاب أن مسلمي أوروبا سوف يكونون (محظوظين إذا تم طردهم ولم يقتلوا). أمّا السيناريو الثالث وهو (التكامل المتناغم) فتقول الدراسة عنه إن المهاجرين المسلمين والأوروبيين سوف يجدون (طريقة للتعايش) والعيش معا (بشكل متناغم)، لكنها قللت من فرصة نجاح هذا السيناريو. * تناقص يهود أوروبا في تقرير آخر أصدره معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي للعام 2007 ذكر فيه أن عدد يهود أوروبا يتناقص من عام إلى آخر وأنا المجتمعات اليهودية الأوروبية آخذة بالاختفاء بسبب الهجرة والانصهار في المجتمعات التي يعيشون بينها ولكونهم مجموعة سكانية مسنّة، وأن مجموعات يهودية كثيرة في أوروبا يتوقّع أن تتقلص أو حتى أنها ستختفي بالكامل. ونقلت صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبرية عن التقرير والذي يترأسه المسؤول الأمريكي السابق اليهودي الأصل دنيس روس قوله إن المجموعات اليهودية أخذت تضعف وتفقد قوة تأثيرها السياسي مقابل تصاعد قوة المهاجرين المسلمين. وفي مقالة للكاتب مارك مازوير عرض فيها لكتاب (نظرات على الثورة في أوروبا.. الهجرة والإسلام والغرب) للكاتب كريستوفر كالدول قال إن مناقشات الكتاب تبي) انحدار أوروبا في حالة من حالات التشتت الثقافي، مضيفا أن هجرة المسلمين تمثل نقطة تحول خطيرة، وقد بين المؤلف أيضًا في هذا الكتاب أن الأوربيين أصبحوا يهربون للخارج خوفًا من الزحف الإسلامي. ويرى الكاتب أن سرعة وكثرة المهاجرين قد شكلت بما يسميه المراكز أو البؤر، وهي أن المهاجرين يمثلون طليعة قوة كبيرة من الغزاة لإعادة استعمار المدن التاريخية التي هُجرت من قبل أهلها الأصليين، فهجرة المسلمين ليس إلا مشروع لتطويق الأرض وضم أوروبا إلى أحضان الإسلام. * طرد المسلمين يضاف إلى هذه المقالة مئات الدراسات والمقالات التي نشرها اليهود في الغرب والتي تحمل على الوجود الإسلامي والحضارة الإسلامية وتستثمر بعض الأوضاع الأمنية في الغرب للتأكيد على همجية المسلمين، وبالتالي ضرورة الشروع في طردهم من الغرب لأنّهم يشكلون خطرا على التركيبة الأمنية والسياسية وحتى الاجتماعية والثقافية الغربية والحملات المتشعبة ضد الوجود الإسلامي في الغرب ليست بمنأى عن المشروع الذي خططّ له من يملك القدرة على إزاحة البشر من أوطانهم. وفي النهاية لابد من القول أن هذه التقارير والمقالات والكتابات الصهيونية للتحريض ضد الإسلام والمسلمين في الغرب يفرض علينا ضرورة إعادة النظر لطبيعة العلاقة بين العالم الإسلامي ومسلمي الغرب، فهذه النظرة التي تضعهم ضمن خصوم المشروع الصهيوني تعني بالضرورة أن يدفعوا ثمن اعتناقهم الإسلام، وأن يتعرضوا لدرجات متفاوتة من الاستهداف تفرض علينا مناصرتهم حسب ظروف كل حالة، كما أنها تعني أنهم رصيد للأمة الإسلامية لا يجوز التفريط به وقصر التعامل معهم على الجنسية التي يحملونها، فهم جزء من جسد الأمّة الذي ينبغي أن يتداعى إذا اشتكى منه عضو، وما تبع أحداث الحادي عشر من سبتمبر من تداعيات مسَّت أوضاع الكثيرين منهم على نحو سلبي يفرض ضرورة أخذهم في الاعتبار عند صياغة العلاقة مع الغرب.