تطرق بابها وتكشف جوانب معاناتها الدّواب لنقل الماء.. والحطب للتدفئة والطهي في زمن الشدة والحاجة هاهي عائلة أخرى تعاني من ويلات الفقر، عائلة عمي (سعيد) ببرج منايل أو عائلة المعذبون في الأرض أو المنسيين بين الأحياء، وقفنا على حجم مأساة لم نكن نتصورها لنكتشف واقع معيشتهم، ولم يتبادر إلى أذهاننا أن العوز يفتك بهذه العائلة ولم نتصور أن يرسم صورة أفظع من التي رأيناها، هي مناظر جعلتنا نصاب بالصدمة من الوهلة الأولى.
حسيبة موزاوي قابلتنا منذ دخولنا روائح كريهة تنبعث من الداخل، سألنا عن المطبخ لنتفاجأ بمكان لايشبه المطبخ في شيء يطهون فيه الأكل على الحطب ورائحة النار تملأ المكان، ومن المطبخ إلى غرفة النوم هي عبارة عن أرض خصصت للنوم وبعض الأغطية البالية يتدفأون بها وهذا كل ما يحتويه المنزل. استغاثة أب... تهد الجبال اقتربنا من رب العائلة الذي كان جالسا تحت شجرة غائب الذهن يفكر ربما في قوت أبنائه أو ما الذي سيفعله إن تهاطلت الأمطار في منظر تقشعر له الأبدان، جلسنا بجانبه ندردش معه فإذا به يروي لنا قصته مع هذا المكان الذي عاش فيه حوالي 20سنة أو 25 سنة بدون قطرة ماء ولا كهرباء ولا نقل في منطقة تفتقر لأدنى ضروريات الحياة، طالبا من السلطات العليا في البلاد النظر لأولاده الذين لا يعرفون معنى المدرسة ومنحهم سكنا يليق بهم حتى أنه تمنى لو تعينه الدولة الجزائرية بإحدى الشاليهات تحميه من العذاب شتاء والحر صيفا ليذرف مع هذه الأمنية دموعا حارقة قائلا (نحن أيضا جزائريين فلم تهضم أبسط حقوقنا)، مشيرا إلى أنه في العديد من المرات يتم إحصاؤهم ويطلبون منهم وضع ملف لطلب سكن لدى الجهات الوصية لكن لا حياة لمن تنادي لحد الآن وكلها وعود كاذبة. أبناء لا يعرفون إلى المدرسة طريقا كل هذه الحياة البدائية في كفة ومعاناة هؤلاء الأطفال في كفة أخرى، أطفال بعمر الزهور يركبون الحمير ويتوجهون إلى البئر الواقع أمام واد متسخ ليجلبوا الماء، في حين أن أقرانهم من الأطفال يتوجهون كل صباح إلى المدارس، أجسام صغيرة تجري هنا وهناك بملابس بالية ووجوه متسخة بدون أحذية يمشون حفاة الأقدام لأن معظمهم لايعرفها وهم أميون لم يدخلوا أبدا المدارس وهذا ما لمسناه منهم عندما اقتربنا للكلام معهم، فقد رفضوا ذلك لأنهم لا يجدون طريقة للتواصل مع الآخرين. بدافع الفضول اقتربنا من هؤلاء الأطفال تحدثنا مع سليمة أكبرهم سنا بصعوبة، سالناها عن عمرها فكانت المفاجأة أنها لاتعرف كم تبلغ من العمر لتواصل الحديث (منعرفش شحال في عمري لأنني مانقراش)، تمشي حافية القدمين مجيبة عن سؤالنا (لا أملك حذاء) حياتي كلها وأنا هكذا لم أدخل يوما المدرسة فلو دخلت لتعلمت، وببراءة وسذاجة تقول إنها تريد أن تصبح طبيبة أو شرطية. يعيش هؤلاء الأطفال في كابوس فظيع لامفر منه ولدوا في هذا المكان الذي وحسب شهادة السكان، يقطنون فيه منذ أزيد من 20 سنة، والغريب في الأمر أن معظم هؤلاء الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 6 سنوات إلى 15 سنة يعملون في جمع الخبز اليابس من الأحياء ويبيعونه للموالين بأثمان زهيدة حتى أنهم لايعرفون عد النقود ومنهم من لم يزر المدينة أبدا. ونحن داخل المنزل دخل أحد الأطفال حاملا بيده الخبز اليابس يستعد للذهاب لبيعه تقربنا منه ليفاجئنا وحده بالحديث دون أن نسأله قائلا (لا تسألونني لأنني لا أعرف شيئا لا أعرف الكتابة ولا القراءة ما عدا بيع الخبز اليابس حتى أنني لا أستطيع عد النقود حتى ولو سرقوني، أعيش على بركة الله، لأنني لم أدخل المدرسة بسبب انعدام الوثائق الثبوتية اللازمة لدخولي ما جعلنا أنا واخوني نتكبد هذه المعاناة وحدنا. هل من آذان صاغية؟ هي إذن الطفولة التي حرمت منها سليمة وسعيد وغيرهم من الأطفال استقروا في هذا المكان يعيشون حياة بدائية تفتقر لأدنى الحقوق، ويبقى الأكيد أن هاته الكلمات هي مجرد صرخة لأطفال، صرخة نداء واستغاثة إلى جميع الجهات المعنية فهل من ملبٍ وأين هي الدولة والقانون، أين هي منظمات حقوق الإنسان وكذا منظمات المجتمع المدني، أين هؤلاء من كل هذا، فالمسؤولية يتحملها الجميع، هل ستبقى هاته العائلة معلقة بين الواقع الأليم والأمل المنشود ومن يتحمل مسؤولية هؤلاء الأطفال، ليبقى السؤال في انتظار إجابة أو بالأحرى في انتظار حل عاجل لانتشال تلك الأسرة من حياة البؤس والشقاء.