أصدر المعهد الوطني للإحصاء تقريراً قال فيه إن هناك أكثر من 11 مليون فتاة جزائرية عانس، بينهن خمسة ملايين تجاوزن سن الخامسة والثلاثين من أعمارهن، وهو رقم مرتفع، علماً أن عدد السكان في البلاد يقدّر بنحو 40 مليون نسمة. بذلك، تتصدّر الجزائر دول المغرب العربي لناحية ارتفاع نسبة العنوسة، تليها المغرب، وتونس ثم ليبيا. هذا الرقم يتطلّب إعداد دراسات للبحث في أسباب هذه الظاهرة والعمل على إيجاد حلول لها، علماً أن هذه النسبة باتت بمثابة كابوس لدى الشباب من الجنسين. دفعت ظاهرة العنوسة بالمتخصصين إلى دق ناقوس الخطر نظراً للنتائج السلبية المترتبة عنها بالنسبة للفتاة والمجتمع. سعوا إلى البحث عن الأسباب التي تُساهم في تفاقمها وإيجاد الحلول للحد منها. بحسب دراسة لمنظمة التنمية التابعة للأمم المتحدة، بالتعاون مع مجموعة من الباحثين الجزائريين، فقد وصلت نسبة العنوسة بين الفتيات إلى 31،3 في المئة نتيجة الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تعاني منها البلاد، بسبب الاضطرابات الأمنية التي بدأت شرارتها عام 1991، وأدت إلى ارتفاع معدلات البطالة وهجرة كثير من الجزائريين إلى أوروبا بحثاً عن عمل. مع بداية التسعينيات، كان عدد العوانس يقدّر بنحو ستة ملايين، ليصل الرقم في الوقت الحالي إلى نحو 11 مليوناً، أي بمعدل 200 ألف عانس سنوياً. بطالة هذه النسب جعلت بعض المواطنين يطلقون على بلدهم لقب (دولة العوانس). ويمكن القول إن عدد العوانس في الجزائر، بحسب الإحصائيات الرسمية، يفوق عدد سكان ليبيا، أو عدد خمس دول خليجية مجتمعة. في السياق، توضح الباحثة آمال بن عيسى، في رسالة الماجيستير التي حملت عنوان (ظاهرة العنوسة في الجزائر): (من خلال النتائج الميدانية للدراسة، تبيّن لنا أن الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها الشباب أدت إلى انتشار ظاهرة العنوسة. فالبطالة وصعوبة تأمين مسكن وارتفاع تكاليف الزواج في ظل غلاء المعيشة، كلّها عوامل تقف حاجزاً أمام إقبال الشباب على الزواج، وخصوصاً أن أسلوب الحياة قد تغيّر كثيراً بالمقارنة مع السنوات السابقة. لهذا الزمن مقتضياته ومستلزماته، وعدم توفرها قد ينعكس سلباً على حياة الشباب). تضيف: (الزواج يسرق من الشاب سنوات عمره. عليه أولاً التخرج من الجامعة وأداء الخدمة الوطنية، ثم البحث عن عمل مستقر يضمن له أجراً مناسباً لتحقيق أهدافه وطموحاته، والبحث عن بيت مستقل، ليصبح في الثلاثينيات من عمره من دون أن يكون قد تزوج بعد. وعندما يصبح جاهزاً من الناحية المادية، يفضّل اختيار زوجة أصغر منه سناً). تتابع بن عيسى أن (العنوسة في الأساس ظاهرة اجتماعية، وهي انعكاس مباشر للوضع الاقتصادي السائد. كما أن ارتفاع معدلات العنوسة لدى الذكور والإناث يرتبط بالوضع الاقتصادي. ويتحوّل البحث عن سكن مناسب إلى هاجس في ظل غلاء البيوت والأثاث والمهر وحفل الزفاف وجهاز العروس ومتعلقات الزواج، تحت غطاء العادات والتقاليد وغير ذلك). في الوقت نفسه، تلفت إلى أن (هناك ظروف خاصة تساهم في تسهيل الزواج أو عرقلته، وترتبط بالمجتمع والتعليم والعمل). تجدر الإشارة إلى أن معظم العائلات الجزائرية تشترط أن يكون عمر الزوجة ما بين 17 و25 عاماً، لافتين إلى أن الفتيات اللواتي تجاوزن ال25 عاماً لا يعدن مقبولات، باعتبار أن الأصغر سناً هن الأنسب للزواج. في المقابل، فإن بعض الفتيات لا يرين في العنوسة مشكلة حقيقية، وقد اخترنها لأنفسهن، فيما تفضّل أخريات التركيز على العمل. كذلك، فإن البطالة التي يعاني منها كثير من الشباب جعلتهم يعزفون عن الزواج، لافتين إلى أن تكوين أسرة لا يمكن أن يتحقق من دون وظيفة.