مرة ثانية يعاود النائب الأمريكي (بيتر كينغ) الظهور في فضاء الإسلاموفوبيا للتعليق على حادثة إلقاء القبض على (خوسي بيمنتل) الذي تم إلقاء القبض عليه قبل أيام (تحديدا في 20 نوفمبر 2011) للاشتباه في تورطه في مؤامرة (إرهابية) تتضمن زرع قنابل أنبوبية في مدينة نيويورك وفي محيطها لقتل عدد من الجنود الأمريكيين العائدين من العراق وأفغانستان· وزعم (كينغ) في كلمته التي ألقاها أمام Islamophobic Muslim Hysteria Circus أن (المتحولين إلى الإسلام يمثلون خطرا داهما على الولاياتالمتحدةالأمريكية)· وبحسب تقرير صدر مؤخرا على موقع (هوفينغتون بوست) فقد زعم (كينغ) أن (المتحولين إلى الإسلام، والذين يتسمون بالراديكالية والتطرف، أكثر تكريسا من أقرانهم للقيام بالعمليات الانتحارية)· منتج عالمي وفي مقالة على نفس الموقع في 25 نوفمبر 2011 يصف (ويلفريدو عمر رويز)، إمام مسجد ومحامي ومحلل سياسي، هذه الاتهامات التي يكيلها (كينغ) ضد المهتدين إلى الإسلام بأنها (غير مسؤولة وعارية تماما من الموضوعية) وأنها لا تهدف في حقيقة الأمر إلا إلى (التكريس للخطاب الإسلاموفوبي والتجذير لمشاعر الكراهية ضد المسلمين في المجتمع الأمريكي وتوظيف هذا الخطاب لتحقيق مكاسب شخصية سياسية زهيدة تتساوق مع دعواته السابقة إلى عقد جلسات استماع بالكونغرس لمناقشة قضية ما أسماه بالجالية المسلمة الراديكالية)· فالراديكالية و(الإرهاب) حسب (رويز) ليسا لهما وجه معين أو وجهة بعينها، سواء كان هذا الوجه، أو تلك الوجهة، دينية أو عرقية؛ بل إن أسوأ الجرائم (الإرهابية) التي ارتكبها مواطنون أمريكيون على أرض الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تصدر من متعصبين مسلمين، وإنما جاءت من قبل أفراد ينتمون إلى جاليات دينية أخرى، ويستدل (رويز) على هذا الطرح بتفجيرات أوكلاهوما سيتي عام 1995 التي كان بطلها (تيموثي ماكفي) والتي حصدت أرواح أكثر من مائتين مواطن، فضلا عن جرح سبعمائة آخرين· الخطر الحقيقي وفي هذا الجزء من المقالة يؤكد (رويز) أن الخطر الحقيقي الذي يجثم على صدر مستقبل الولاياتالمتحدة بما في ذلك أمنها القومي وتماسكها الاجتماعي اللذان يقومان على التعددية الدينية والعرقية والتنوع الحضاري والثقافي، يكمن في ذلك الخطاب الإسلاموفوبي المتصاعد وحالة اللا تسامح التي لا تقتصر على الولاياتالمتحدة فحسب بل تتجاوزها إلى غيرها من أرجاء العالم الغربي؛ فالخطاب التنميطي وسياسات التمييز الديني هي التي تمخضت عن النماذج الراديكالية المتطرفة من أمثال السفاح النرويجي (أندريس برينغ بريفيك) الذي قام بقتل ما يربو على 76 شخصاً إثر مهاجمته لمعسكر شبابي يتبع حزب العمال في جويلية الماضي، فضلاً عن ضلوعه في تنفيذ سلسلة من التفجيرات بمنطقة الهيئات الحكومية بالعاصمة النرويجية أوسلو· كذلك لم يكن المسلمون أو المتحولون إلى الإسلام هم مصدر الإلهام للمذكرات التي قام (بريفيك) بكتابتها وتدشينها في 1500 صفحة عبر العديد من المواقع على الإنترنت، ووصف فيها نفسه بأنه (في مهمة لإنقاذ أوربا من ويلات الإسلام والهجرة والتعددية الثقافية)، والتي استقى طروحاتها المتطرفة ودليلها العملي، بحسب (رويز) من الفاشستيين الجدد بالولاياتالمتحدةالأمريكية· لقد استلهم الشاب النرويجي تقنية استخدام الأسمدة كمتفجرات من (تيموثي ماكفي) في أحداث تفجيرات أوكلاهوما، أما دوافعه وراء هذا العمل الإجرامي فتتشابه إلى حد كبير مع الخطاب الذي تتبناه الجماعات المناهضة للإسلام مثل تلك التي يقودها الإسلاموفوبي المتطرف (روبرت سبنسر)، والذي كرس حياته لتشويه الإسلام والمسلمين، حيث تردد اسمه في منشور (بريفيك) أكثر من خمسين مرة· "الإرهاب" إشكالية حضارية إن قضية (بيمنتل) الذي وصف بأنه أحد المتعاطفين مع القاعدة دون أن يعمل معها أو يتلقى أية تدريبات على يد أي من أعضائها، مما دفع الجهات الرسمية لأن تطلق عليه (الذئب الوحيد) بحسب (رويز) تمثل صورة مفجعة في المشهد الأمريكي، وهي من ثم تثير تحديات هامة على عاتق كافة مكونات هذا المشهد، مسلمين وغير مسلمين على السواء· فالعديد من الأمريكيين لا يزال غير قادر على تفهم ملابسات القضية وكيف فشلت الإدارات الفيدرالية المختلفة ووحدات مكافحة الإرهاب المتعددة في الانتباه إلى رجل يخضع للرقابة من قبل شرطة نيويورك· فعلى مدى سنتين من الرقابة، لم يثبت تورط شخص أو مؤسسة، محلية أو أجنبية، في أية نوع من التعاملات مع (بيمنتل)، ولا يزال المجتمع القانوني بالولاياتالمتحدة يترقب بلهفة تفسيرا يتعلق بالدور الذي قام به بيمنتل، الأمريكي من أصول دومينيكية، في التخطيط وتنفيذ تلك الأعمال الإجرامية· ويشير (رويز) إلى أنه في خضم هذا الجدل بشأن قضية (بيمنتل) البالغ من العمر سبعة وعشرين عاما، أثارت الإجراءات الأمنية عاصفة أخرى من الجدل في الإعلام الأمريكي على مدى الأسبوعين الماضيين بشأن إدعاءات عن تورط إدارة شرطة نيويورك في القيام بأعمال قمع وحشية لتفريق المحتجين الذين احتلوا شارع وول ستريت· كذلك تتعرض إدارة شرطة نيويورك لانتقادات حادة جراء شكاوى واتهامات متعددة من الجالية المسلمة لقيام الإدارة، بالتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، بأعمال تتعلق بالتمييز الديني والتجسس على المسلمين على مدى السنوات العشر الماضية· وكشفت وكالة Associated Press الأمريكية مؤخرا عن عملية تجسس قامت بها إدارة شرطة نيويورك ضد عدد من القادة المسلمين الذين يمثلون رموزا للجهود الدعوية الإسلامية، فضلا عن عملية اختراق للعديد من الجماعات الطلابية الإسلامية غير المشتبه بها ودون توجيه أي تهمة إليها· وبعد هذا السرد للعديد من القضايا التي تقع في قلب اهتمام المجتمع والدولة الأمريكية بكافة مؤسساتها الإعلامية والسياسية والقضائية ومؤسسات المجتمع المدني والجماعات الحقوقية، يخلص (رويز) إلى أن التهم التي يكيلها (بيتر كينغ) ضد الجالية المسلمة بغير حساب تمثل خطيئة كبرى في حق الولاياتالمتحدة، وأن وضع حد لهذا التفكيك لوحدة المجتمع الأمريكي يقع على عاتق كافة مكونات هذا المجتمع، كل بحسب دوره· فهذه التوجهات لا تمثل خطرا على الجالية المسلمة وحدها، وإنما تطال كافة الجاليات الدينية والجماعات العرقية؛ لأن الولاياتالمتحدة لن تستطيع التصدي للإرهاب بنجاح ما لم تؤمن بأن التطرف والإرهاب ليس له مصدرا تنميطيا، وإنما يمكن أن تعبث مخالبه من اليمين أو اليسار، ومن قلب تيارات المحافظين أو الليبراليين، ومن داخل معسكرات المؤمنين وغير المؤمنين وعن الجاليات الإسلامية أو اليهودية أو المسيحية لأن الإرهاب في النهاية داء بشري لا يختص بحضارة دون أخرى أو يتعلق بأيديولوجية دون سواها· وتعتبر اتهامات (كينغ) للمتحولين إلى الإسلام بأنهم يمثلون خطرا داهما على الولاياتالمتحدةالأمريكية خرقا واضحا لمبادئ حرية العقيدة التي أقام عليها الآباء المؤسسون صرح المواطنة الأمريكية، بل يمثل خيانة للدستور الذي أقسم بالدفاع عنه· * أسوأ الجرائم (الإرهابية) التي ارتكبها مواطنون أمريكيون على أرض الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تصدر من متعصبين مسلمين، وإنما جاءت من قبل أفراد ينتمون إلى جاليات دينية أخرى، ويستدل (رويز) على هذا الطرح بتفجيرات أوكلاهوما سيتي عام 1995 التي كان بطلها (تيموثي ماكفي) والتي حصدت أرواح أكثر من مائتين مواطن، فضلا عن جرح سبعمائة آخرين·