بقلم: أحمد ناصر حميدان / قضيتنا هي مبدئية رفضنا للعنف بكل وسائلة وتجاربنا على مدى العصور للأزمنة البشرية برهنت على أن العنف الذي بدأ على نحو صراع فردي وانتهى على نحو صراع اجتماعي بين أفراد وأفراد، وبين بعضهم بعضا كفئات أو طوائف أو طبقات، أو نتيجة سيادة الإنسان على الإنسان في صيغة السيطرة والتحكم والقسوة والاستعباد والاستغلال، ومن وجهة نظري كل من يستخدم العنف في الحسم خارج إطار الدولة هو إرهابي، ولا تخلو ساحات الصراع والتناحر والحروب الجارية بين التنظيمات والجماعات الإرهابية في الخارج والداخل من طاقات بعض شبابنا المغرر بهم، ممن ذهبوا بأعداد كبيرة وقوداً وضحية لتلك المحارق الجائرة على أفرادها وخصومها، وتحديداً حينما تم التغرير بهم واستقطابهم عبر العديد من الوسائل التي جعلت من الدين عباءة لاستنفار تلك العقول والقلوب الغضة، لتنساق وراء تلك الدعوات الجهادية الكاذبة، التي صوبت بنادقها ومفخخاتها نحو الأبرياء بدعوى الانتقام تارة، وتحت دعوى تصفية الحسابات مع خصوم المذهب والعقيدة تارة أخرى، بينما هي في الواقع تتحرك في هذا الاتجاه تقودها أطراف سياسية خارجية وداخلية، ليس لها أي علاقة بالدين أو المذهب لا من قريب ولا من بعيد، سوى أن الدين في تلك اللعبة السياسية كان مطية للقتل والتخريب وتمزيق البلاد وإضعافها وحشد الجماعات والتنظيمات التي تم بناؤها وتكوينها من أجل تنفيذ تلك المهمة والأهداف القذرة. لهذا كان مبدئنا أن نرفض العنف كوسيلة حسم ،لأنها تنتج منتصرا ومهزوما، رغم أن النصر هنا مؤقت، لكنه ينتج مستبدا وطاغية يحاول الحفاظ على نصره أكبر زمن ممكن. وتجاربنا مريرة في هذا المجال اليوم، لم نستطع حل تداعياتها في الجنوب وصعدة، وإذا بنا نزيد من هذه المعاناة، ففي كل منطقة وأرض اشتعلت فيها حرب لم تنتج غير مزيد من المآسي والآلام، قضيتنا ليست في الحسم العسكري لطرف ضد طرف قضيتنا فكرية وثقافية وتعليمية، هل نستطيع معالجتها في هذا الإطار.. فنتفوق عليهم فكريا وثقافيا ونؤثر في الوسط الاجتماعي لتحرير العقول والنفوس من سيطرة التزمت والتعصب في كل المجالات، أم نزيد من تعقيد الأمور وندفع لمزيد من التعصب الديني والفكري والأيديولوجي والعرقي والطائفي؟ كل هذا ممكن أن تفعله الحروب التي تقوم بها طائفة لقتال طائفة أو فكر لقتال فكر ما يخلق الأرضية الخصبة لنمو العصبية بأشكالها المختلفة وبأقبح صورها. الإرهاب والفساد قضيتان مدمرتان للأمم ولا يمكن معالجتهما خارج إطار القانون وأجهزة الدولة وتفعيل القوانين ودور الأجهزة هي الكفيلة بالمعالجة. بعضهم للأسف وجد الفرصة سانحة ليتهم دون وجه حق الأطراف السياسية بأنها تبحث عن نصيب أو لها أجنداتها الخارجية، واعتبر ذاته منزها وطاهرا. الحق أن هذا وطن للجميع والجميع شركاء فيه لا توابع، ومن حق الجميع أن يطرح وجهة نظرة ويخضع الكل لصوت الأغلبية. ما حدث في الإعلان الدستوري كفكرة وخطوة صحيحة وكانت مطلوبة للانتقال نحو التغيير الذي يتطلب أن تكون وفق التوافق والإجماع لا تفرض من طرف بقوة السلاح أو فرض الأمر الواقع. ثورة فبراير 2011 عمت كل الأرض اليمنية وشملت أكبر عدد من القوى السياسية، ولم تكن وليدة مربع جغرافي أو فكري أو مذهبي، ولم يكن لها قائد يديرها عن بعد بتحريك أدواته وجماعاته باسم الدين أو المذهب أو حتى العصبة، قادتها ميدانيون سلميون يضعون أفكارا ورؤى ومشاريع وطنية يجمع عليها الكل، كانوا جميعا في مخرجات الحوار وتوافقوا جميعا على أن الدولة الاتحادية هي الحل الأمثل لليمن، عيب ان يقال انه مشروع مستورد ومفروض من الخارج، ها هو الجنوب يئن والجماهير فيه تصرخ وترفض وحدة الفرض للأمر الواقع والضم والإلحاق تحت شعار الوحدة او الموت، هل تعود حرب 1994 لفرض الوحدة أو الحرب على الكل لفرض مشروعكم وأفكاركم تلك هي عنجهية المستبد وصورها واضحة في الانتهاكات التي تمارس على الأرض. نحن اليوم نفقد كل استحقاق ديمقراطي ثبت على الأرض وفرضته الثورة الشعبية، بل نفقد الهامش الديمقراطي الذي كان موجودا قبل ثورة فبراير، نحن نعود إلى عهد الطغاة والمستبدين في ممارسات وأعمال مشينة تهدم كل شيء تحقق على مدى سنوات.. لا حل لليمن بغير العيش والتعايش وفق نظام سياسي يجمع عليه الكل ليخرج اليمن من مرحلته الانتقالية نحو الدولة المدنية الضامنة للحريات والعدالة، نحن أمام امتحان صعب لقدرتنا على العيش والتعايش في وطن يضم الجميع، إنها إرادتنا بالعيش معا في وطن واحد، غني بتنوعه وراسخ في الانتماء الوطني والعربي ومتفاعل مع ثقافات العالم المعاصر، وطن يتطور وينمو وينتعش ويزدهر، حركته إيجابية وطن يسمو فوق كل الجراح والآلام والمعاناة والخصام، وطن يتجاوز مرحلة البؤس والشقاء والصراع والهيمنة، يتخلى الكل عن المكابرة والتحجر والتصلب لتتفوق مصلحة الوطن على كل المصالح الضيقة والأنانية. وفق الله الجميع لإنقاذ هذا الوطن من الغرق في وحل العنف والشتات والتمزق خذوا ما شئتم واتركوا لنا وطنا نعيش ونتعايش فيه بحب وسلام ووئام والتاريخ لا يرحم يدون الحقائق والوقائع بالمنطق لما يخدم المصلحة العامة.