تظن طائفة من الذين يناصبونني العداء والخصومة لمجر التباين في الآراء والأفكار والمواقف، من بعض أتباع التيار السلفي أنني دائم السفر والترحال إلى بلاد الفرس وذلك على خلفية كتاباتي التي تعود لسنوات طويلة والتي عبرت فيها عن إعجابي بالتجربة الإيرانية التي استطاعت التوصول إلى حالة توفيقية في إدارة الحكم وذلك بتفكيك الاشتباك بين ما هوديني وما هوسياسي، الأمر الذي لم تتوصل إليه الأنظمة العربية ونخبها الدينية في البلاد العربية ذات الأغلبية السنية، كما أن هذا النظام تبنى بشكل واضح وصريح سياسة المقاومة ضد الهيمنة الغربية واستطاع أن يصمد لعقود طويلة أمام الحصار الذي لم يزده سوى مزيدا من التحدي والاعتماد على الذات، فكل هذه القيم وغيرها بلا شك تتماشى مع طبيعة ونفسية المجتمع الجزائري الذي تستهويه المروءة والرجولة بغض النظر عن مذهب صاحبها، أقول أنه للمرة الأولى أشد الرحال إلى طهران للمشاركة في الدورة 28 للمؤتمر الدولي للتقريب بين المذاهب، هذا التقريب الذي ناضلت من أجله لسنوات طويلة بقلمي لأنه تطبيق لفريضة الأخوة والوحدة التي أمرنا الله بها ما دمنا نتفق جميعا على كلمة التوحيد التي لا تتحقق مقتضياتها إلا بالوحدة مع الحفاظ على التنوع الذي هوسنة من سنن في الكون. إن مؤتمر التقريب بين المذهب الذي دامت أشغاله من 6 إلى 9 جانفي 2015 والذي تم فيه الاحتفال بالمناسبة بعيد مولد المصطفى عليه الصلاة والسلام تحت عنوان أسبوع الوحدة الإسلامية، كانت فيه الكلمة عند الجلسة الافتتاحية في اليوم الأول لرئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد روحاني والتي يمكن القول أنها كانت جوامع الكلم والأحاديث والمحاضرات بل وخلاصة المشهد الإسلامي كذلك، ففي خطابه أوضحه أنه رغم أهمية المؤتمرات الإسلامية إلا إنها غير كافية ولا يمكن لوحدها تحقيق الوحدة الإسلامية، فالوحدة في حاجة إلى تقديم الكثير من الإيثار والتضحية وإلى التحلي بقيم المروءة والرجولة وإلى سعة صدر كل المسلمين وتحمل بعضهم البعض كما وانه يجب البحث في المذاهب ما يحقق الهدف الواحد بدل النبش في دفاتر الخلافات والصراعات التي أضحت تغذيها بعض القنوات الفضائية المذهبية التي طالب روحاني بإدانتها ومحاربتها ونفس الموقف يكون كذلك مع المجموعة التي تتاجر بالدين وباسم الإسلام تحل دماء المسلمين ولكن يضيف روحاني بان أسوء من ذبح الأبرياء هو ذبح الإسلام والإساءة إليه ، ويتأسف روحاني بمرارة عما يحدث في العالم الإسلامي من تناحر وتنافر محملا المسؤولية للساسة ولحكام المسلمين الذين يعملون ضد تحقيق الوحدة الإسلامية حينما يقف بعضهم ضد البعض الآخر، وهنا ربما يقصد محور الاستلام في مواجهته لمحور المقاومة، بدل مواجهة العدو المشترك الذي يريد السوء بالمسلمين. لقد أوضح نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم خلال مداخلته التي كانت تقترب في عمق النظرة التحليلية من كلمة الرئيس روحاني، بأن هناك ثلاث قضايا مركزية سياسية لا علاقة لها بالمذهبية وهي في حاجة إلى توحيد الجهود، أولها قضية فلسطين التي شكل تحديا حقيقيا لوجودنا كأمة والتي للأسف تخلت عنها بعض الأنظمة والمنظمات العربية بحجة تعرضها للضغوط الخارجية رغم أن مقاومة إسرائيل غير مرتبطة بالمذهب أو بالإطار العقائدي وهو بذلك ربما يشير إلى فتوى التكفير التي صدرت من بعض المراجع السلفية بالسعودية والتي كفرت الشيعة وحزب الله خلال حربه ضد إسرائيل وبالخصوص في حرب تموز 2006، وثانيا قضية سياسة الهيمنة الأمريكية التي تحركها الرأسمالية المتوحشة وهذه كذلك مسألة تتعلق بسيادة الدول وشرف التحرر من التبعية، وثالثا وهو الداء الخطير الذي يفتك بالأمة، التكفير لحالة معادية للإسلام وللمسلمين وهنا يوضح الشيخ قاسم بان التكفير ليس تفسيرا خاطئ للإسلام وإنما هولا علاقة له بالإسلام أصلا ومن أن الخلاف المذهبي لا يوجد إلا عند الغلاة الذين يروجون للخلافات المذهبية مثلهم في هذا الشأن مثل الحكام المستبدين الذين يسقطون الخلافات المذهبية على الخلافات السياسية وعلاقتهم بالدين في حقيقة وواقع حياتهم هي جد بعيدة. رغم الإيمان بفريضة الوحدة الإسلامية إلا أن اللقاء الذي جمعني بممثل تونس وموريتانيا تم الاتفاق فيه على التعاون المشترك تحت مظلة الفضاء المغاربي بما يخدم المرجعية السنة المالكية في بلدان المغرب العربي وهذا ما يتفق مع رؤية الرئيس روحاني الذي قال بأن الوحدة لا تعني إلغاء هوية وخصوصية أي طرف بقدر ما تعني التلاحم والبناء العضوي الذي أشار إليه الحديث الشريف بقول الرسول عليه الصلاة والسلام »مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى«، وما يجعل المرء يشعر بالفخر والعزة هو عندما يجمع الإخوة على أن المغرب العربي لا يمكن أن ينهض بدون الجزائر صاحبة النضال والتضحية والاستشهاد كما وأن هذا الطائر الجزائري لا يمكن أن يحلق في السماء إلا بجناحين وهما تونس والمغرب ، وهذه حقيقة لا يمكن أن ننكرها أو نقفز عليها وبالتالي لابد من تحرك النخب السياسية والدينية والثقافية في الاتجاه الصحيح بما يحقق طموحات وآمال الشعوب المغاربية التي تتوفر على شروط الوحدة أكثر مما يتوفر عليه المشرق العربي الذي مزقته الطائفية والمذهبية المقيتة. إن الرسالة التي بلغناها بالمؤتمر في طهران هي التأكيد بأنه لا بد في هذه اللحظة التاريخية الخطيرة والحساسة التي تمر بها الأمة الإسلامية أكثر من أي وقت مضى من تجاوز ذاتيتنا القطرية، وللأسف الشديد التشخيص الذي وصل إليه رجال النهضة منذ القرن التاسع عشر وعلى رأسهم سماحة السيد جمال الديني من أن داء الأمة الأكبر يكمن في تفرق وحدتها لازال قائما، بل إن الذين يعملون على زرع الفتنة بين المسلمين والتفريق بينهم هم أكثر نشاطا وبذلا في العطاء من مالهم ووقتهم وحتى من أنفسهم مقارنة بمن عليهم واجب الدعوة والعمل من أجل وحدة المسلمين ولكن يبقى عزاؤنا في الذين هم متنبهون للمؤامرة التي تدبر لنا، فمنذ أكثر من ثلاثة عقود جاء على لسان سماحة الإمام الخميني رحمه الله خلال لقائه بموظفي ومستخدمي صناعة النفط في خطاب ألقاء بتاريخ 30 مارس 1982 قوله: »إن أهم مؤسسة أضحت هدفا للمجرمين هي مؤسسة النفط وموظفوها والقائمون عليها..« وما نشاهده اليوم لأكبر دليل على أن القوى الشريرة في العالم وبتواطؤ عملائها ممن ينتسبون للإسلام، يستخدمون هذه الثروة المادية كسلاح ووسيلة لتحقيق مشاريعهم الاستدمارية وهم بذلك يستخدمون هذا السلاح المادي بنفس الخبث الذين يستخدمون فيه السلاح المعنوي والروحي حينما يوظفون الخلافات الفقهية بين المذاهب لتشتيت وحدة المسلين ونشر النعرات والتعصب فيما بينهم لدرجة الاقتتال، وهنا لا بد من استحضار ما أكد عليه سماحة المرشد الإمام علي خامينائي حينما أكد خلال الكلمة التي ألقاها في ذكرى السيدة فاطمة الزهراء (ع) عام 1428 ه على ضرورة المحافظة على الانسجام الإسلامي، مبينا أن استفزاز المذاهب الإسلامية في الوقت الحاضر وإثارة الفرقة بين المسلمين سيلحق الضرر بالإسلام والتحرك باتجاه تحقيق المصالح الأمريكية والصهيونية". يمكن القول في هذا المقام أن أشغال وأجواء الدورة 28 لمؤتمر التقريب بطهران قد تحقق فيها ما دعا له صاحب دستور الوحدة بين المسلمين الشيخ المرحوم محمد الغزالي وهذا حينما حدد معالم طريق التصالح والإخاء بين السنة والشيعة بالتأكيد على: أ- أن يتفق الفريقان في مؤتمر جامع على أن القرآن الكريم هو كتاب الإسلام المصون الخالد، والمصدر الأول للتشريع، وأن الله حفظه من الزيادة والنقصان وكل أنواع التحريف، وأن ما يتلى الآن هو ما كان يتلوه النبي (ص) على أصحابه، وأنه ليس هناك في تاريخ الإسلام كله غير هذا المصحف الشريف. ب- ان السنة هي المصدر الثاني بعد القرآن الكريم، والرسول أسوة حسنة لأتباعه إلى قيام الساعة، والاختلاف في ثبوت سنة ما أو عدم ثبوتها مسألة فرعية. ج- أن ما وقع من خلاف بين القرن الأول يدرس في إطار البحث العلمي والعبرة التاريخية، ولا يسمح بامتداده إلى حاضر المسلمين ومستقبلهم... د- أن يواجه المسلمون جميعا مستقبلهم على أساس من دعم الأصول المشتركة- وهي كثيرة جدا- وعلى مرونة وتسامح في شتى الفروع الفقهية ووجهات النظر المذهبية الأخرى. إن الجزائر كانت ولازالت من دعاة الوحدة وتعزيز الروابط الأخوية بين جميع أتباع المذاهب الفقهية الإسلامية وكانت حريصة على حضورها ومشاركتها جميعا في ملتقيات الفكر الإسلامي الذي كانت تحضره حتى شخصيات دينية مسيحية، وقد لعب المرحوم مولود قاسم وزير الشؤون الدينية آنذاك دورا مشهودا حينما جعل إمامة الصلاة لكل صاحب مذهب ليصلي أتباع المذاهب الأخرى كمأمومين مثل ما حدث للشيخ أبي اليقضان الاباضي مع الإمام الغائب موسى الصدر عجل الله عودته ، واستكمالا لمسير التقريب التي انتهجتها الجزائر فلا بأس للفائدة ولمن ذاكرته قصيرة أو منشغلة ومشغولة بقضايا هامشية وتكتيكية خاصة من استحضار وذكر المبادئ الأساسية التي جاءت في البيان الختامي لملتقى التفاهم بين المذاهب الإسلامية الذي عقده المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر في 25-27 مارس 2002 ، وهي: 1 - ان تعدد المذاهب الفقهية الإسلامية عامل قوة وتماسك ينبغي أن لا يؤثر في موقف الأمة الإسلامية من قضاياها المصيرية . 2- إنشاء مدارس فكرية اجتهادية تمكن الأمة من إقامة دينها وتنظيم شؤون حياتها في مخلف الميادين، لأنها كلها تنشد المصلحة العامة تحقيقا لمقاصد الشريعة، ولا تدعي العصمة. 3 - ضرورة التأدب بأدب الاختلاف وإشاعة روح التسامح بين أتباع المذاهب . 4- عدم تكفير احد من أهل القبلة. 5- يجب أن تظل حرمة النفس الإنسانية فوق كل الاختلافات العقائدية. وبناءا على هذه المبادئ الأساسية ،فان العلماء المشاركين في الملتقى على تعدد مذاهبهم ، يوصون بما ياتي : 1- الرفض القاطع لأي حكم بالتكفير مبني على أي خلاف مذهبي، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: من قال لأخيه المؤمن يا كافر فقد باء بها أحدهما. 2- تجديد مناهج تدريس الفقه المقارن ليشمل المذاهب الإسلامية المعتمدة في العالم الإسلامي مع التركيز على أدب الاختلاف. 3- إنشاء هيئة عليا من العلماء المتخصصين لمتابعة التوصيات والتنسيق مع باقي الهيئات المماثلة لها في العالم الإسلامي. 4- دعوة العلماء إلى تحمل مسؤولياتهم بالتكفل بقضايا الأمة، وسد الباب أمام أدعياء العلم والفتوى والمتطفلين عليها. 5- اعتماد الاجتهاد الجماعي تفاديا للفتوى الفردية لا سيما فيما يتعلق بالمصالح العليا للأمة، واعتبار كل فتوى تصدر عن غير أهلها من العلماء المستوفين لشروط الإفتاء باطلة. 6- دعوة القائمين على الوعظ والإرشاد إلى تجنب إثارة المسائل الفقهية الخلافية في خطبهم ومواعظهم. 7- وضع مدونة بالأحاديث الثابتة ذات الموضوع الواحد، يسهم في انتقائها علماء المذاهب الفقهية المعتمدة. 8- إنشاء مجلة علمية متخصصة في فقه المذاهب المعتمدة، يسهم في تحريرها أقطاب المذاهب، على أن يتكفل بإصدار هذه المجلة المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر. 9- إحداث موقع في الانترنيت يسهم في نشر أصول الفقه الصحيحة، تعزيزا للتكامل بين المذاهب ومد الجسور المشتركة بينها. 10- وجوب ترقية الجانب الروحي في حياة الأمة بتزكية النفس وتقوية الإيمان لبلوغ درجة الإحسان.. نعم هذا هو بيان الجزائر الذي لا تختلف حوله العقول السليمة ولكن للأسف تجسيده في واقع الحال لم يجد طريقه للتطبيق والتنفيذ لقطع الطريق على الذين يتربصون شرا بالأمة، سواء من الداخل أومن الخارج.