لله سبحانه وتعالى في أجسادنا آيات ومعجزات تدل على عظمته وقدرته عزو وجل، وفي رحم المرأة ومراحل تكون الجنين فيه أمور عجاب، ذكرها القرآن الكريم بالتفصيل، مما أذهل العلماء المعاصرين من دقة هذا الوصف القرآني. وقد جاء وصف الرحم بأنه قرار مكين في موضعين من كتاب الله تعالى، قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ}..[المؤمنون: 13]، وقال تعالى: {أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ* فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ* إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ}..[المرسلات: 20-22]، وفي موضع ثالث جاء تعليق ذلك القرار بالمشيئة الإلهية، قال تعالى: {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً}..[الحج: 5]. القرار المكين هو الرَّحِم، ويقع في الوسط الهندسي تماما من جسم المرأة، فلو أخذ خط منصف طولي، وخط منصف عرضي، لكان موقع الرحم في تقاطع الخطيين، هذا معنى والمعنى الثاني أن هذا القرار المكين. ولكن هناك سؤال: لما سمي الرحم قرارًا؟ يقول العلماء أن ذلك لأن الرحم يفرز مادة لاصقة إذا جاءت البويضة الملقحة إلى الرحم التصقت في جداره، فهو قرار لها، وليس ممرا، ثم إن في الرحم من الأوعية الدموية بغزارة تفوق حدة التصور، كل هذه هذه الأوعية تمد هذه البويضة الملقحة بالدم ليتغذى، ولينمو في سرعة، تعد أسرع ما في جسم الإنسان من نسيج في تكاثره وانقسامه. قال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين}..(المؤمنون 12 13). فالنطفة ضعيفة لا ترى بالعين المجردة إلا بعد تكبيرها مئات المرات عبر التليسكوب، جعلها الله في هذا القرار _الرحم-، فتكاثرت وتخلقت حتى أعطت هذا البناء العظيم، وخلال هذه المرحلة كانت تنعم بكل ما تتطلبه من الغذاء والماء والأوكسجين، في مسكن أمين ومنيع ومريح، وتحت حماية مشددة من أي طارئ داخلي أو خارجي، حقاً إن هذا الرحم لقرار مكين. والجنين في رحم أمه مغلف بغشاء رقيق، وهذا الغشاء الرقيق معلق في أعلى الرحم، فهو لا يتأثر بجدر الرحم وفوق هذا وذاك أحيط هذا الجنين بسائل، هذا السائل يمتص كل الصدمات، كل هذا الشرح ينطوي تحت قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ}. وقد كشف العلم الكثير من التفاصيل لهذا الوصف الجامع المعبر، فالرحم للنطفة ولمراحل الجنين اللاحقة سكن لمدة تسعة أشهر، وبالرغم من أن طبيعة الجسم أن يطرد أي جسم خارجي، فإن الرحم يأوي الجنين ويغذيه، ويستجيب الرحم لنمو الجنين ويتمدد بدرجة كبيرة ليتلاءم مع نموه فهو قرار له، وهكذا فإن كلمة قرار قد استعملت في القرآن الكريم كل هذه المعاني وغيرها، متضمنة وظائف الرحم باعتباره مكاناً مناسباً لاستقرار الجنين وتمكينه من مواصلة نموه.