ليس من السهل تفصيل حقوق كل من الزوجين قبل الآخر أو تفصيل حق واحد منهما؛ لكثرة تنوع تلك الحقوق وتجددها؛ لأنها تشمل كل ملابسات الحياة في جميع حقائقها ومظاهرها، ولقد فصل القرآن الكريم بعض الحقوق التي لكل منهما على الآخر، وجاءت الأحاديث النبوية الشريفة بذكر شيء منها زائد على ما ورد في القرآن، وجماع هذه الحقوق قول الله سبحانه وتعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}. وجاء ذلك في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع : ((إن لكم من نسائكم حقا، وإن لنسائكم عليكم حقا...)). ومع ذلك فقد قرر الله للرجال على النساء درجة، أي: منزلة أكدتها الآية {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}. وهذه القوامة أو تلك الدرجة لا تخل بالمساواة بين الرجل والمرأة؛ إذ الدرجة التي هي قيام الرجل على المرأة يقتضيها النظام في كل عمل مشترك وإلا صار الأمر فوضى، ومراعاة النساء لهذه الدرجة يجعل ما لهن من شؤون الزوجية قبل أزواجهن مثل ما عليهن لهم تماما، وقد جاء هذا القول فيما رواه الطبري في تأويل قوله تعالى:{وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}: لا أعلم إلا أن لهن مثل الذي عليهن إذا عرفن تلك الدرجة، والقاعدة العامة التي تسود كل حقوق الزوجية وتقيدها هي الإحسان في المعاملة وتجنب المضارة . وإذا كان بيان حقوق الزوج على وجه الحصر متعذرا فإنه يكفي أن نشير فيما يلي إلى أبرزها: أولا: حق تدبير المعيشة وإدارة حياتهما من حيث الإسكان والاستقرار في بيت الزوجية، ومراقبة سلوكها داخل المسكن وخارجه واتصالها بالغير، والنظر فيما يجوز لها أن تزاوله من عمل داخل المنزل وخارجه، والانتقال بها إلى حيث يشاء ويرتزق ما دام مأمونا عليها، وإعطاء الزوج هذا الحق أو تلك السلطة يقصد به المحافظة على ما منحته الشريعة للزوج من حقوق قبل زوجته بمقتضى عقد الزواج، ودفع الضرر عن نفسه وعنها وحماية حياتهما الزوجية مما قد يضر بها. وقد تحدث الفقهاء في تلك الحقوق المفوضة للزوج وقالوا إنها مقيدة بما تتقيد به سائر الحقوق في شريعة الإسلام، وهو ألا يترتب عليها ضرر بالزوجة كما تحدثوا في حقه في منعها من الاتصال بمحارمها، وقالوا: إنه ليس له منعها إلا إذا كانوا مفسدين أو يفسدونها عليه. ثانيا حق التأديب: وأساس هذا الحق التشريعي قول الله سبحانه وتعالى:{وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا}. وهذا الحق فرع عن كون الرجال قوامين على النساء، وقد قال الفقهاء في حدود هذا الحق بأن للرجل حق تعزير زوجته، كما للقاضي تعزير الناس كافة لكنهم قيدوا هذا الحق بقيود يعتبر بخروجه عنها متعديا؛ لأن شرعية هذا الحق مقصود بها إصلاح حال الزوجة إذا ما بان لزوجها أنها قد تنكبت السبيل المستقيم، فلا حق له في تعزيرها لمجرد الانتقام والإيذاء، ولا في الخروج عن تلك الوسائل التي قررتها تلك الآية الكريمة. ثالثا: حق المباشرة الجنسية: على خلاف بين الفقهاء فيما إذا كان هذا حقه الخالص أو أن الاستمتاع حق مشترك بينهما؛ لأنه لا يمكن لأحدهما الانفراد به، بل لا بد من المشاركة التي تدعو إليها طبيعة الفعل، وأيا ما كان فإنه حق للزوج أن تستجيب له زوجته متى بدت رغبته ولم يكن بها مانع شرعي وفقا لأحكام الله تعالى {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}..[البقرة: 222] ، وقوله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}..[البقرة: 223]. ويتقيد هذا الحق بألا يحدث منه ضرر للزوجة، والأحاديث الشريفة في هذا الباب كثيرة، ولعله من المرجحات للقول بأن العمل الجنسي بين الزوجين حقهما معا ولكل منهما الاستجابة للآخر أنه قد أجيز للزوجة طلب الطلاق للهجر في الفراش، وترك المضاجعة، وأن الإيلاء من الزوجة والإصرار عليه سبب للطلاق في قول الأئمة الفقهاء من غير مذهب أبي حنيفة، الذي مذهبه أنه بمجرد مضي مدة الإيلاء المقررة في القرآن دون أن يفيء إليها تطلق منه طلقة بائنة. رابعا: حفظ مال الزوج وكتم أسراره، وألا تدخل بيته أحدا دون إذنه: وفي بيان هذه الحقوق أحاديث كثيرة منها ما جاء في خطبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع : ((استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، إن لكم من نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون، وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن)). ومنها الحديث الذي رواه البخاري ومسلم ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)). وفيه: ((والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها)).