يقول خوسيه ريزال: إن الذي لا يحب لغته الأم؛ هو أسوأ من سمكة نتنة، ولكي لا تكون أسوأ من سمكة نتنة أحب لغتك الأم. لا جرم كانت الدول المتقدمة أشد تمسكًا بلغتها الأم من الدول المتأخرة؛ فلا توجد دولة تهمش لغتها، وتستبدلها بلغة أخرى، وتلحق بركب الدول المتقدمة؛ لهذا أعاد اليهود إحياء لغتهم الميتة التي كادت أن تتلاشى، واعتمدوها في دولتهم القائمة على أنقاض فلسطين؛ لتكون لهم دولتهم ولغتهم التي تميزهم عن غيرهم، وعلى جانب آخر يميت العرب لغة حية.. فكيف يمكن إدراك واقعنا الاجتماعي بدون لغتنا؟ وكيف يمكن أن نستعمل لغة أخرى دون أن ننفصل عن واقعنا الاجتماعي؟! وقد أظهر استطلاع أجري بين الطلبة اللبنانيين أن أكثر من 68 في المئة منهم يتمنون حذف مقرر اللغة العربية من مناهج التعليم في المدارس، وأن 79 في المئة منهم يفضلون تعلم لغة أجنبية بدلا من العربية. إن المشكلة تكمن في أن تحل لغة ما بدل من اللغة العربية؛ لا أن تكون إضافة إلى محصلة اللغات التي يتعلمها الطلبة أو الأفراد. إن اللغة العربية هي ذاتها لم تتغير منذ أن كانت لغة العلم والحضارة، إلى أن أصبح غيرها لغة التقدم والتحضر؛ فإذا كنا نربط اللغة بالتقدم (باعتمادها لغة العلم والبحث والدراسات) فستكون كذلك في عقول الناس، وإن ربطناها بالرجعية والتخلف(بإقصائها عن الحياة العلمية والعملية) فستكون أيضًا كذلك في عقول الناس؛ لأن المشكلة ليست في اللغة، إنما في بناء المعلومات على أساس الظواهر بدلًا من الحقائق؛ إذن يجب أن بناء الظواهر تخدم الحقائق لا أن تعارضها. إن استعمال اللهجة العامية كدرع؛ ليحمي اللغة إنما هو لزيادة في هوان اللغة؛ لأن العامية هجينة ضعيفة، أما الفصحى فهي قوية راسخة كالبناء الشامخ. لطالما اشتكت اللغة العربية من أهلها، ولطالما اشتكى الأدباء من أجلها، وإن هذا منبعه الهرب من الواقع المتخلف، ومحاولة تقمص لغة حضارة أخرى. وإذا كانت هذه هي المشكلة؛ فإن الحل كما أوجزه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله: (تعلموا العربية؛ فإنها تثبت العقل، وتزيد في المروءة).