يقع الإنسان في أزمات كثيرة أثناء رحلة حياته، وعندها يلجأ إلى الله عز وجل، والله عز وجل لا يكره من عباده هذا السلوك؛ إنما يكره لهم أن يذكروه عند الشِّدَّة فقط، ثم ينسونه عند كشف الضُّرِّ؛ فقد قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [يونس: 12]، والله عز وجل يحبُّ للعبد في مثل هذه المواقف الشديدة أن يُعاهده على الطاعة أبدًا، في الرخاء والشِّدَّة، وفي العسر واليسر، لذا فمن الجميل أن يذكر العبد في وقت شِدَّته أنه في يوم من الأيام كان طائعًا لله بلا هوًى ولا مصلحة؛ إنما كان يُطيعه حبًّا له، ورغبة في ثوابه، وكأنه يقول لله: كنت طائعًا لك بالأمس في رخائي قبل شِدَّتي، وسأكون طائعًا لك غدًا بعد انفراج الأزمة؛ ومن هنا جاءت سُنَّة التوسُّل في الدعاء عند الكرب بالأعمال الصالحة السابقة، وكيفيتها أن يسأل العبدُ اللهَ تفريج الأزمة بحقِّ العمل الصالح الذي فعله يوم كذا أو كذا، ولم يكن وقتها في شِدَّة، إنما كان يفعله فقط مخلصًا لله عز وجل؛ فقد روى البخاري عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوْا المَبِيتَ إِلَى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُو اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ..). ثم ذكر كلُّ رجل من الثلاثة عملًا صالحًا مخلصًا فعله في وقت رخائه ويُسْرِه، وكانت الصخرة تنفرج تدريجيًّا مع كل توسُّلٍ يُقدمونه بين يدي ربهم، حتى انتهى الثلاثة من ذكر أعمالهم الصالحة؛ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (.. فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ). فهذه سُنَّة نبوية جميلة تعرض أسلوبًا مهذَّبًا في الدعاء؛ حيث يُؤَكِّد العبدُ لله عز وجل أنه لا يكتفي بالعبادة وقت الأزمات فقط، إنما هو على العهد؛ قبل وأثناء وبعد الأزمة، ونسأل الله أن يُفَرَّج همومنا جميعًا.