تنشط الإعلانات التجارية كل عام، وتزداد فنون التجار في عرض سلعهم، وتتنافس الأسواق في أساليب جذب الزبائن، وتتسابق الأسواق والمراكز التجارية في توفير العروض المنوعة وتخفيض بعض أسعار السلع خاصة المأكولات والمشروبات، وتزداد حدة التنافس في شراء احتياجات شهر رمضان، خاصة مع دخول شهر شعبان! فهل نلوم التجار ونذم التنافس بينهم؛ لأنهم يحسنون استغلال المواسم لعرض بضاعتهم، وتشجيع الشراء؟ أم نعترف بأن غالبية الناس تستعد لشهر الخيرات بالتوسع في شراء المزيد من المأكولات والمشروبات، وتنويعها والإكثار من أصنافها والتي تفيض عن الحاجة، وتصل لحد الإسراف، وهو مجاوزة حد الاعتدال، ويتم التوسع في العزائم، وتنويعها، والتنافس في تقديم مشروبات ومأكولات عديدة فيها؛ لمجرد التظاهر والتباهي، دون الحاجة إليها! وإذا باتت لليوم التالي قد لا تؤكل! ولا يتم التصدق بها للفقراء أو للجمعيات الخيرية لتوصيلها للمحتاجين، فهل نسير على المنهج القرآني، كما أمرنا الكتاب الحكيم: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) سورة الأعراف 31. وهل تقع مسؤولية هذا الإسراف على تقصير وسائل الإعلام والخطباء والدعاة ومراكز الإرشاد، أم تقع على الآباء أو ربات البيوت؟ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) متفق عليه، فعلينا جميعا الشعور بالمسؤولية، والبعد عن الإسراف، سواء في المأكل والمشرب، وَيَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني. وبدلا من حسن الاستعداد لشهر الخيرات من شهر شعبان بتعويد وتدريب النفس على الطاعات، والتسابق للخيرات، كالصيام والقيام والصدقة وتلاوة القرآن، نجد أن غالبية الناس تجعل من شهر رمضان موسما للتنافس في إشباع الأبدان، وتغذية الأجسام بالإكثار من الأطعمة والمشروبات، وتنسى غذاء العقول، والسمو بالأرواح، التي لا يصلح معها سوى رفع درجة الإيمانيات بالتقليل من المباحات، وزيادة ألوان الطاعات، ومجاهدة النفس للوصول لتقوية الإرادة، وتحقيق الهدف من الصيام وهو التقوى. ويحدث الإسراف أيضا بتضييع الأوقات الغالية في بعض المباحات كرؤية الكثير من نشرات الأخبار، ومتابعة التحليلات السياسية، وبعض الناس يضيع الوقت في مشاهدة الأفلام والمسلسلات، فلنحذر من الإسراف في هذه الملهيات حتى لا تسرق منا الأوقات في شهر رمضان. فينبغي أن نتعلم كيفية الاستفادة من الوقت عموما، وخاصة قبل دخول شهر رمضان المبارك، وعدم تضيع دقائقه الغالية في التوسع في إعداد المأكولات والمشروبات والاكتفاء بما يحقق الهدف، فنبتعد عن الإسراف في تضييع الأوقات الثمينة، وعلينا تدريب أنفسنا وتعويدها من الآن على عدم الإسراف، والبعد عن التبذير، قال تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) سورة الإسراء 27، وقد حذرنا رسولنا الكريم من انفتاح زهرة الحياة الدنيا علينا، فنقع في الإسراف المبغوض، ونتنافس في الدنيا التنافس المذموم، يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ) رواه البخاري ومسلم.